فتح مكة: دراسة دعوية (خاتمة الدراسة)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين.
الحمد لله، أحمده تعالى على ما منَّ به عليَّ من نعم ظاهرة وباطنة، وأحمده عز وجل على توفيقي إلى كتابة هذا البحث، كما أسأله تعالى أن يجعله خالصا لوجهه الكريم، وأن ينفع به المسلمين.
في خاتمة هذا البحث، الذي تناول غزوة فتح مكة أحداثا ونتائجا وعبرا ودروسا دعوية، ألخص أبرز ما جاء فيه:
بينت في هذه الدراسة بعض الأحداث المهمة التي سبقت غزوة الفتح: فذكرت أولاً: موقف قريش العدائي من المسلمين، سواء في العهد المكي أم في العهد المدني، والوسائل التي اتخذتها في محاربتهم، والآثار السلبية والإيجابية الناتجة عن هذا الموقف العدواني.
ثم تحدثت عن صلح الحديبية، الذي كان توطئة وتمهيدا لفتح مكة، والذي كان فتحاً مباركاً على المسلمين، بما ظهر بعده من نتائج.
ثم بينت ضمن تسلسل مغازي النبي صلى الله عليه وسلم، غزوة خيبر، وأثرها القوي في دعم المسلمين معنويا واقتصاديا وأمنيا، وكذلك أثرها في الانهزام النفسي الحاصل عند كفار مكة.
ثم تلي ذلك معركة مؤتة، وبينت ما تركته من آثار على المسلمين، وعلى من حولهم في جزيرة العرب وخارجها.
أما الفصل الأول: فقد تناولت فيه الأسباب التي أدت إلى غزو مكة شرفها الله، وهو نقض أهلها لصلح الحديبية، ثم ترتيب النبي صلى الله عليه وسلم للغزو، وبينت تسلسل الأحداث حتى فتحت مكة، وتحطيم الأصنام المقامة حول الكعبة، وما تلا ذلك من حملات تطهيرية للأوثان المنصوبة حول مكة.
وقد أثمر الفتح آثارًا مباركًا: حيث قضي على الوثنية في مهدها، وطهرت قبلة المسلمين من معالم الشرك، ورافق ذلك تثبيت وإرساء قواعد الحكم الإسلامي بمكة، ووقوع وعد الله تعالى، بدخول الناس في دين الله أفواجاً، ومبادرتهم إلى الانضمام إلى كتائب المسلمين، وتنظيم الأمور الإدارية بمكة.
وكانت مرحلة جديدة في سير الدعوة الإسلامية، فقد ظهر تفاضل بعض أعمال البر قبل الفتح وبعده، كانقطاع لهجرة الفاضلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وسبق من أنفق في سبيل الله قبل الفتح، لمن أنفق بعده.
كما كانت مرحلة فاصلة في الجهاد الإسلامي، إذ تحول ثقل معسكر الشرك وقيادة المشركين إلى هوازن وثقيف، وتمت هزيمتهم عندما اصطدموا بالمسلمين في آخر غزوة مع المشركين العرب: غزوة حنين، ونتج عن ذلك تفرغ النبي صلى الله عليه وسلم لجهاد النصارى، مثبتا عالمية الدعوة الإسلامية.
أما الفصل الثاني: فقد ذكرت فيه أهم الدروس الدعوية المتعلقة بموضوع الدعوة الإسلامية: الإسلام بما حوى من عقيدة وشريعة وأخلاق، مع ذكر بعض خصائص الدعوة الإسلامية.
فمن دروس العقيدة: تقرير وحدانية الله تعالى، وتقرير رسالة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وتوضيح أن العقيدة الإسلامية هي أساس ومنطلق تصرفات الناس وتوجهاتهم، وأبرزت أهمية عقيدة الولاء والبراء عند المسلم، ثم ذكرت بعض السنن الإلهية النافذة في المجتمعات، وحرص الإسلام على إلغاء شعائر الجاهلية وآثارها.
ومن دروس الشريعة: بينت بعض خصائص الشريعة الإسلامية، وضربت أمثلة لبعض الأحكام التي شرعت في غزوة الفتح أو التي أكد على مشروعيتها، وذلك في الأحكام التشريعية المتعلقة بالعبادات، أو الدماء، أو النكاح والأنساب، أو المتعلقة بالأموال، أو ما يتعلق بالاحتساب.
ومن دروس الأخلاق: ذكرت بعض أسس البناء الأخلاقي عند المسلم، ثم ذكرت نماذج من الأخلاق الحميدة البارزة في هذه الغزوة: كالعدل، والرحمة، والكرم، والتواضع، والوفاء، والعفو عند المقدرة.
وفي الفصل الثالث المتعلق بالدعاة: وضحت بعض المفاهيم المهمة التي يجب أن يعيها الدعاة: فالقرآن والسنة هما مصدر التلقي الذي يصدر عنه الدعاة، وأهمية وضوح الغاية من الدعوة إلى الله، وضرورة البدء بالأولويات والمهمات أثناء عرض الدعوة، وأهمية التمييز بين التدرج في الدعوة، والتدرج في الشريعة، وأن العبرة في إعداد الدعاة بالكيف لا بالكم، وفائدة العلم بالسنن الإلهية المتعلقة بالدعاة.
كما بينت بعض القواعد المنهجية المستنبطة من إعداد النبي صلى الله عليه وسلم لصحابته الدعاة من بعده: كاهتمامه بأن يكون إعداده لهم شاملاً متوازناً، وتعاهده فئات معينة منهم بزيادة في الإعداد والتربية، وحسن استغلاله للطاقات والمواهب الطبيعية التي منحهم الله إياها، وتحينه الفرص الملائمة واستغلاله الأحداث في إعدادهم، والتركيز على الإعداد المعنوي للجهاد في سبيل الله، وعدم إغفال دور المرأة المسلمة في الدعوة، مع الحرص على القضاء على العقبات والمعوقات التي تعترض طريق الدعاة، ثم المعالجة النبوية الحكيمة لبعض أخطاء الصحابة رضي الله عنهم.
وذكرت بعض صفات الدعاة المؤثرة في الناس، سواء منها ما كان متعلقا بذات الداعية وتعامله مع نفسه: كقوة الإيمان بالله تعالى، والرغبة الصادقة في الدعوة إلى سبيله، والاعتدال في عقيدة الولاء والبراء بين الإفراط والتفريط، وعلو الهمة وقوة العزيمة، وحرص الداعية على طلب العلم والتفقه في دين الله، وتحليه بفضائل الأخلاق واجتنابه رذائلها، ومطابقة قوله عمله، ثم تحليه بالصفات المحمودة كالحكمة، والحيطة والحذر، والحلم، والرفق واللين.
ومنها ما هو متعلق بتعامله مع المدعوين: كحرصه على هداية الناس وإتباعهم الحق، ومعرفته للطبيعة البشرية، وخبرته بكيفية التعامل معها، وذلك لا يتأتى إلا بمخالطته للناس وعدم الانعزال عنهم، وكذلك وضوحه وتجنب الغموض والتلبيس على الناس، وأخيرا بعد النظر وحسن التنظيم والتخطيط.
وفي الفصل الرابع: وهو المتعلق بالمدعوين: فقد ذكرت أسباب صدودهم عن الحق: وأدرجتها ضمن ثلاثة أقسام:
الأول: أسباب الصدود المتعلقة بالظروف البيئية الفاسدة المحيطة بالمدعو.
الثاني: أسباب الصدود المتعلقة بالرؤية العقلية المنحرفة وسوابق الأفكار.
الثالث: الأسباب المتعلقة بالمؤثرات في الأهواء.
ثم بينت وجه استفادة الدعاة من دراسة أسباب الصدود عند المدعوين.
كما وضحت بعض أسس مراعاة أحوال المدعوين، وأهمية ذلك، في النواحي: النفسية، والاجتماعية، والعقلية، والوجدانية، مع أهمية مراعاة قدرات المدعوين وإمكاناتهم ومواهبهم، وبينت الثمار الزكية التي نتجت من مراعاة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل مكة.
وفي الفصل الخامس والأخير: ذكرت بعض المعايير والمقومات والضوابط التي تزيد من فاعلية وسائل الدعوة وأساليبها، وملاءمتها للهدف المراد تحقيقه.
وذكرت أهم الوسائل الدعوية القولية المستنبطة من الغزوة: كالدعوة الفردية، والخطابة، والشعر، والمناداة، والكتابة.
ومن الوسائل الدعوية الحسية: الجهاد، والإصلاح البيئي.
ومن الوسائل النفسية: الهجر، والحرب النفسية، والإكراه.
كما ذكرت أهم الأساليب الدعوية التي ظهرت في غزوة الفتح: كأسلوب القدوة، والإقناع، والتخطيط، والإيحاء، والكتمان، والحوار، والتربية مع التعليم، وأخيرا أسلوب الترغيب الترهيب.
أما بشأن التوصيات، فأوصي بالأمور التالية:
1- على الدعاة إلى الله الاستفادة من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وسيرة صحابته الكرام، في كل مناحي الدعوة وأمورها، فهي السراج المنير الذي يستضيء به من أراد سلوك طريق الدعوة، كما أن من أنفع وسائل التذكير، تنبيه المدعوين إلى ماضي أسلافهم الصالحين، الذين رفعوا لواء الجهاد، ونشروا الإسلام، وكانوا خير قدوة لمن رآهم وتابعهم عليه، مع الحرص على توسيع دائرة دراسة السيرة النبوية دراسة دعوية، وجمع ما سبقت دراسته منها وإكمال ما تبقى، ثم إخراجها وعرضها للدعاة بأسلوب ملائم لتعم الفائدة.
2- تجاوز مرحلة الدراسة النظرية، وعدم الاكتفاء بها في مجال السيرة، وذلك بمحاولة إيجاد صيغ تطبيقية عملية معاصرة، تُستقرأ من خلالها، خاصة في مجال إعداد الدعاة، كأن تتولى الهيئات الإسلامية المختصة بتخريجهم (ككلية الدعوة وغيرها)، تبني مشاريع تدريبية عملية جماعية، يطبق فيها الدعاة ما درسوه من مناهج وأساليب ووسائل دعوية.
3- العناية بالإعداد المتكامل للدعاة، خاصة الجانب الإيماني، فكثير من الناس يتصور أن قوة التسلح هو السبيل للفوز والانتصار على الأعداء، ويغفل جانب العقيدة والإيمان، رغم أنها تمثل الركن الأقوى في بناء المسلم المجاهد، وقد ظهرت عناية لنبي صلى الله عليه وسلم بإعداد صحابته من خلال البحث.
والاهتمام بالجانب الفكري والثقافي عند الدعاة، والعمل على رفع مستواه، مع مراعاة تطور الزمان، والابتعاد عما يسبب الجمود في التفكير، وذلك بإعداد الدراسات الشرعية الملائمة، التي تتناول كل ما يحتاج إليه الداعية في دعوته.
4- العمل على تطوير وتجديد وسائل الدعوة وأساليبها، وفق إطار الشرع، ومن ذلك الاستفادة من التقدم التقني في الدعوة إلى الله، وأذكر مثلا: استخدام الحاسب الآلي، كذلك الشبكة الدولية للاتصالات (الإنترنت)، عن طريق البريد الإلكتروني، وتدريب الدعاة المؤهلين لذلك.
هذا وأسال الله العلي القدير أن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن يرزقنا القبول والإخلاص في القول والعمل.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، ثم الصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|