العناية والاهتمام بالنظام في الغزوات
من الأخلاق الحسنة التي يَحُضُّ عليها الإسلامُ: مراعاة النظام والالتزام، وهو أمر ظاهر في كثير من الشعائر التعبُّدية أو مسائل المعاملات والسيادة الشرعيَّة وغيرها، وهو ظاهر أيضًا في مَيدان الحرب، وحسْبُك قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ﴾ [الصف: 4].
ومظاهر العناية والاهتمام بالنظام في بدر كثيرة، منها:
• حُسْن اختيار المواقع الإستراتيجيَّة من خلال الدراسة والمشورة والنظر في الأحوال، ومراعاة المصالح، فلم يكن الاختيار عشوائيًّا، أو عن توفيق مَحْض من الله - عز وجل - بل كان مع التَّوفيق اجتهاد ورؤية.
• القيام بعمليات الاستخبارات؛ للتعرف على تحرُّكات العدو ومدى قوَّته وعدده، والمواقع التي اتَّخَذها ونحو ذلك، وقد مرَّ معنا من ذلك قصة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع سفيان الضمري[1].
• قيام الرسولِ صلى الله عليه وسلم بتعبئة الجيش وتنظيمه وتسوية صفوفه.
قال ابن كثير: "وقد صفَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وعبَّأهم أحسنَ تعبئة، فروى التِّرمذي عن عبدالرحمن بن عوف قال: صفَّنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ليلاً، وعن أبي أيوبَ قال: صفَّنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر، فبدرت منا بادرة أمام الصفِّ، فنظر إليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((معي معي))"[2].
يقول أكرم ضياء العمري: "وفي صبيحة اليوم السابع عشر من رمضان نظَّم الرسولُ صلى الله عليه وسلم جيشَه في صفوف كصفوف القتال، وهو أسلوب جديد في القتال يُخالِف ما جرت عليه عادة العرب من القتال بأسلوب الكرِّ والفرِّ، وهو الأسلوب الذي قاتَل وَفْقه المشركون ببدر، ولا شكَّ أن نظامَ الصُّفوف يُقلِّل خسائرَ المسلمين، ويُعوِّض قلة عددهم أمام المشركين، وفيه مَزيَّة السَّيطرة على القوة بكاملها، وتأمين العُمْق للجيش حيث تبقى دائمًا بيد القائد قوة احتياطيَّة في الخلف يُعالِج بها المواقفَ التي ليست بالحُسْبان" [3].
• اتخاذ مقرٍّ للقيادة؛ استعدادًا للطَّوارئ، وتقديرًا للهزيمة قبل النَّصر، بناءً على مشورة من سعد بن معاذ حيث قال: يا نبي الله، ألا نبني لك عريشًا تكون فيه، ونَعُد عندك ركائبك، ثم نلقى عدونا، فإن أعزَّنا الله وأظهرنا على عدونا، كان ذلك ما أصبنا، وإن كانت الأخرى، جلست على ركائبك فلَحِقت بمن وراءنا من قومنا، فقد تخلَّف عنك أقوام يا نبي الله ما نحن بأشد لك حبًّا منهم، ولو ظنوا أنَّك تَلْقى حربًا، ما تخلَّفوا عنك، يمنعك الله بهم يُناصِحونك ويجاهدون معك.
فأَثْنى عليه الرسولُ صلى الله عليه وسلم خيرًا ودعا له بخير، وبنى المسلمون عريشًا على تل مرتفع يقع في الشَّمال الشرقي لميدان المعركة، ويُشرِف على ساحة القتال، كما تَمَّ اختيار فرقة من شباب الأنصار بقيادة سعد بن معاذ، يقع على عاتقها مسؤولية حراسة النبي صلى الله عليه وسلم حول مقرِّ قيادته[4].
- أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابَه في بداية المعركة ألا يَحمِلوا على الأعداء حتى يأمرهم، وقال: ((إذا أكثبوكم - يعني كثروكم - فارموهم واستبقوا نَبْلَكم))[5]، والمقصود ألا يرموا حتى يَقترب العدو ويَكثُر، فتُصيب السِّهام ولا تخطئ، وتُحدِث نكايةً في العدو بلا خسارة في صُفوف الجيش المسلم.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|