مشاهد معركة بدر: جمع الغنائم
لقد انتهت المعركة بنصر حاسم للمسلمين، فقد قتلوا سبعين من قادة قريش وساداتهم، وأسروا سبعين، وحصلت في هذه المعركة المعجزات، والكرامات العظيمة التي أيد الله بها المؤمنين، وجاء دور الغنائم، فلقد خلفت قريش الكثير منها، وكانت النفوس متطلعة إليها، فمن هذه الغنائم أموال المهاجرين التي تركوها في مكة، وانتزعها المشركون منهم، وهذه الغنيمة التي حصلت للمسلمين هي فضل من الله يعطيه لأوليائه، إذ مكنهم من رقاب أعدائهم قتلاً وأسراً، ومن أموالهم غنيمة طيبة للمؤمنين.
ولئن حدث خلاف بين الصحابة رضي الله عنهم ، فإن هذا من طبيعة البشر، ولا يقدح فيهم، خاصة إذا علمنا أنه لم ينزل شيء في ذلك الوقت، بل إن الغنائم لم تحل لأحد من الأمم إلا أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، قال تعالى: ﴿ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنفال: 659].
روى الطيالسي في مسنده من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: لما كان يوم بدر تعجل الناس إلى الغنائم، فأصابوها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الغنيمة لا تحل لأحد سود الرؤوس غيركم، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إذا غنموا غنيمة جمعوها، ونزلت نار فأكلتها"، فأنزل الله هذه الآية: ﴿ لَوْلا كِتَابٌ مِنْ اللَّهِ سَبَقَ ﴾ [الأنفال: 68]، إلى آخر الآيتين.
لكن الصحابة بمجرد نزول الوحي بإرجاع ذلك إلى الله ورسوله سلموا لأمر الله، وانقادوا للحق، وأطاعوا الله ورسوله.
قال الشيخ الغزالي:
"وبرغم ما سجله التاريخ من تجمل ومواساة بين الأنصار والمهاجرين، فإن متاعب العيلة، ومشكلات الفقر تفشت خلال المجتمع الجديد، إن سترها التعفف حينًا أبرزتها الحاجة حينًا آخر، والأزمات التي تصاحب تكوين دولة من العدم وسط أمم تكيدها، وتتربص بها الدوائر، يجب أن تتوقع، وأن توطن النفوس على احتمالها، وألا تكون حدة الشعور بها سبباً في ضعف السيرة، وعجز الهمة. وقد آخذ الله المسلمين - قبل معركة بدر وبعدها - بأمور بدرت منهم يحب لهم أن يتنزهوا عنها مهما بلغ من شدة الدوافع والمبررات لارتكابها، فهم يوم خرجوا من يثرب لملاقاة مشركي مكة تعلقت أمانيهم بإحراز العير، وما تحمل من ذخائر ونفائس.
حقاً إنهم أخرجوا من ديارهم وأموالهم، وضحوا في سبيل الله بأنفسهم وأولادهم، فليمضوا في طريق الفداء إلى المرحلة الأخيرة، ومهما عضهم الفقر بنابه، فليكن التنكيل بالكافرين أرجح في ميزانهم، من الاستيلاء على الغنيمة، قال تعالى: ﴿ وَإِذْ يَعِدُكُمْ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ ﴾ [الأنفال: 7].
ومن هذا القبيل تسابقهم بعد النصر إلى حيازة الغنائم، ومحاولة كل فريق الاستئثار بها"[1].
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|