من النبوءات المحمدية .. زوال ملك كسرى وقيصر
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا هلك كسرى فلا كِسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصرَ بعده، والذي نفس محمد بيده، لتُنفَقَنَّ كنوزُهما في سبيل الله))[1].
قال النووي في شرحه لهذا الحديث:
"قال الشافعي وسائر العلماء: معناه لا يكون كسرى بالعراق، ولا قيصر بالشام كما كان في زمنه - صلى الله عليه وسلم - فأعلمنا - صلى الله عليه وسلم - بانقطاع ملكِهما في هذَين الإقليمين، فكان كما قال صلى الله عليه وسلم.
فأما كسرى، فانقطَع ملكه وزال بالكلية من جميع الأرض، وتمزَّق ملكه كل مُمزَّق، واضمحلَّ بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما قيصر، فانهزَمَ من الشام، ودخل أقاصي بلاده، فافتتَح المسلمون بلادهما، واستقرَّت للمسلمين، ولله الحمد، وأنفق المسلمون كنوزهما في سبيل الله كما أخبر - صلى الله عليه وسلم - وهذه معجزات ظاهرة"[2].
وقال ابن حجر:
"المراد لا يَبقى كسرى بالعراق ولا قيصر بالشام، وهذا منقول عن الشافعي، قال: وسبب الحديث أن قريشًا كانوا يأتون الشام والعِراق تجارًا، فلما أسلموا خافوا انقِطاع سفرهم إليهما لدخولهم في الإسلام، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك لهم؛ تطييبًا لقلوبهم، وتبشيرًا لهم بأن مُلكَهما سيزول عن الإقليمَين المذكورَين.
وقيل: الحكمة في أن قيصر بقيَ ملكه، وإنما ارتفع من الشام وما والاهما، وكسرى ذهب ملكه أصلاً ورأسًا - أنَّ قيصر لما جاءه كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قبَّلَه وكاد أن يُسلِم، وكسرى لما أتاه كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - مزَّقه، فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يُمزَّق ملكُه كل مُمزَّق، فكان كذلك.
قال الخطابي:
معناه فلا قيصر بعده يملك مثل ما يملك، وذلك أنه كان بالشام وبها بيت المقدِس الذي لا يتمُّ للنصارى نُسكٌ إلا به، ولا يَملِك الروم أحد إلا كان قد دخله إما سرًّا وإما جهرًا، فانجلى عنها قيصر واستُفتِحت خزائنه، ولم يَخلفه أحد من القياصرة في تلك البلاد بعد.
ثم قال ابن حجر:
وعلى كل تقدير فالمراد من الحديث وقَعَ لا محالة؛ لأنهما لم تبقَ مملكتهما على الوجه الذي كان في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قررته"[3].
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|