حدث في السنة السادسة من الهجرة (9)
25- وفي هذه السنة: كَسَفَت الشمسُ.
الشرح:
ذُكِرَ ذلك الحدث في "شذرات الذهب"[1] ولم يذكره جمهور أهل السيرة، والظاهر والله أعلم أن الشمس لم تكسف على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا مرة واحدة حين وفاة ابنه إبراهيم، وهو ما نُقِلَ متواترًا في كتب السنة والسيرة والتاريخ، ولو كان هذا الكسوف المذكور قد حدث فعلاً لنُقِلَ متواترًا أو حتى من طريق صحيحة، فإن حدثًا مثل كسوف الشمس يعتبر من الأحداث الجسيمة التي إذا حدثت اطلع عليها جمهور الناس، فكيف لا تُشتهر وتتواتر في دواوين السنة؟
وهذا الذي ذكرته من القواعد المتعارف عليها عند المحدثين؛ أن الحدث إذا كان عظيمًا مما يُشتهر مثله ولم يتواتر نقله دل ذلك على عدم صحته. والله أعلم.
26- وفي هذه السنة: نزل حُكْم الظهار.
الشرح:
الظهار: هو أن يقول الرجل لامرأته: أنت عليَّ كظهر أمي، أو أنت أو أي عضو منك عليَّ كعضو من أعضاء من يحرم عليَّ تحريمًا مؤبدًا.
وهو مُحَرَّم لأنه كذب، قال تعالى: ﴿ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا ﴾ [المجادلة: 2] لأنه جعل الزوجة كالأم وليس كذلك، والرجل إذا ظاهر من زوجته فهي عليه حرام، فلا يطؤها ولا يستمتع منها بشيء حتى يُكفر عن ذلك.
عَنْ خُوَيْلَةَ بنتِ ثَعْلَبَةَ قَالَتْ: ظَاهَرَ مِنِّي زَوْجِي أَوْسُ بن الصَّامِتِ، فَجِئْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَشْكُو إِلَيْهِ، وَرَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُجَادِلُنِي فِيهِ، وَيَقُولُ: "اتَّقِي الله فَإِنَّهُ ابْنُ عَمِّكِ"، فَمَا بَرِحْتُ حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ: ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا... ﴾ [المجادلة: 1] إِلَى الْفَرْضِ، فَقَالَ: "يُعْتِقُ رَقَبَةً"، قَالَتْ: لَا يَجِدُ، قَالَ: "فَيَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ"، قَالَتْ: يَا رَسُولَ الله إِنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَا بِهِ مِنْ صِيَامٍ، قَالَ: "فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا"، قَالَتْ: مَا عِنْدَهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَصَدَّقُ بِهِ، قَالَتْ: فَأُتِيَ سَاعَتَئِذٍ بِعَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ[2]، قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله فَإِنِّي أُعِينُهُ بِعَرَقٍ آخَرَ، قَالَ: "قَدْ أَحْسَنْتِ، اذْهَبِي فَأَطْعِمِي بِهَا عَنْهُ سِتِّينَ مِسْكِينًا، وَارْجِعِي إِلَى ابْنِ عَمِّكِ"[3].
27- وفي هذه السنة: مات سعد ابن خَوْلَةَ - رضي الله عنه - في الأسر بمكة.
الشرح:
عن سُبَيْعَةَ بنتِ الْحَارِثِ - رضي الله عنها - أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ سَعْدِ بن خَوْلَةَ وَهُوَ مِنْ بني عَامِرِ بن لُؤَيٍّ، وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا فَتُوُفِّيَ عَنْهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ[4].
وهذا هو الصحيح الثابت في تاريخ وفاة سعد بن خولة - رضي الله عنه - والله أعلم.
وهو ما اعتمد عليه الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في التأريخ لوفاته - رضي الله عنه - [5].
وقد حزن النبي - صلى الله عليه وسلم - على سعد بن خولة لموته بمكة، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكره أن يموت من هاجر إلى المدينة بمكة بعد أن هاجر منها.
عَنْ سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "اللَّهُمَّ أَمْضِ لأصحابي هِجْرَتَهُمْ، وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ"، لَكِنْ الْبَائِسُ سَعْدُ بن خَوْلَةَ، رَثَى لَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَنْ تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ[6].
28- وفي هذه السنة: قدم وفد جذام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
الشرح:
قالوا: قدم رفاعة بن زيد بن عمير بن معبد الجذامي ثم أحد بني الطبيب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الهدنة قبل خيبر، وأهدى له عبدًا وأسلم، فكتب له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتابًا: "هذا كتاب من محمد رسول الله لرفاعة بن زيد إلى قومه ومن دخل معهم يدعوهم إلى الله، فمن أقبل ففي حزب الله ومن أبى فله أمان شهرين" فأجابه قومه فأسلموا[7].
(الأغصان الندية شرح الخلاصة البهية في ترتيب أحداث السيرة النبوية)
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|