حدث في السنة السادسة من الهجرة (1)
وفيها ثمانية وعشرون حدثًا:
1- في المحرَّم من هذه السنة: كانت سرية محمد بن مَسْلَمة - رضي الله عنه - إلى القُرْطاء.
الشرح:
قال ابن سعد - رحمه الله -:
ثم سرية محمد بن مسلمة إلى القرطاء، خرج لعشر ليال خلون من المحرم، على رأس تسعة وخميس شهرًا من مهاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثه في ثلاثين راكبًا إلى القرطاء، وهم بطن من بني أبي بكر بن كلاب، وكانوا ينزلون البكرات بناحية ضريَّة[1] وبين المدينة وضريَّة سبع ليال، وأمره أن يشنَّ عليهم الغارة، فسار الليل وكمن النهار، وأغار عليهم، فقتل نفرًا منهم، وهرب سائرهم، واستاق نعمًا وشاءً ولم يعرض للظعن[2]، وانحدروا إلى المدينة فخمَّس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما جاء به[3]، وفضَّ[4] على أصحابه ما بقي، فعدلوا الجزور بعشرة من الغنم، وكانت النَّعم مائة وخمسين بعيرًا، والغنم ثلاثة آلاف شاة، وغاب تسع عشرة ليلة وقدم لليلة بقيت من المحرم[5].
وذكر أبو عبد الله الحاكم أن ثمامة بن أُثال أُخِذ فيها[6].
عن أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: بَعَثَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بني حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ: ثُمَامَةُ بن أُثَالٍ، سيد أهل اليمامة فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "مَاذا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟"، فقَالَ: عِنْدِي يَا مُحَمَّدُ خَيْرٌ، إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تعط مِنْهُ مَا شِئْتَ، فَتُرِكَه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى كَانَ بعد الْغَدُ، فقَالَ: "مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟"، قَالَ: مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تعط مِنْهُ مَا شِئْتَ، فَتَرَكَهُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ، فَقَالَ: "مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟"، فَقَالَ: عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تعط مِنْهُ مَا شِئْتَ، فَقَالَ: "أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ"، فَانْطَلَقَ إِلَى نَجْلٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عبده ورَسُولُه، يَا مُحَمَّدُ وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ كلها إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ كله إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ كلها إِلَيَّ، وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي، وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ، فَمَاذَا تَرَى؟ فَبَشَّرَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ، قَالَ لَهُ قَائِلٌ: أصَبَوْتَ؟ فقَالَ: لَا، وَلَكِنْ أَسْلَمْتُ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَاللَّهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنْ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [7].
2- وفي ربيع الأول من هذه السنة: كانت سرية عُكاشة بن محصن الأسديِّ - رضي الله عنه - إلى الغمر، فغنموا ورجعوا سالمين.
الشرح:
بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ربيع الأول – أو الآخر- سنة ستٍّ من قدومه المدينة عُكَّاشة بن مِحْصَن الأسديَّ في أربعين رجلاً إلى الغمر، وفيهم ثابت بن أقرم، وسباع بن وهب، فأجدَّ السير، ونذر القوم بهم، فهربوا، فنزل على مياههم، وبعث الطلائع فأصابوا من دلهم على بعض ماشيتهم، فوجدوا مائتي بعير، فساقوها إلى المدينة[8].
3- وفي ربيع الآخر من هذه السنة: كانت سرية محمد مسلمة - رضي الله عنه - إلى ذي القَصَّة فَقُتلوا جميعًا إلا محمد بن مسلمة حمل جريحًا.
الشرح:
خرج محمد بن مَسْلَمة - رضي الله عنه - في هذه السرية معه عشرة نفر، فكمن القوم لهم حتى ناموا، فما شعروا إلا بالقوم، فقُتل أصحاب محمد بن مسلمة وأفلت هو جريحًا[9].
4- وفي ربيع الآخر أيضًا من هذه السنة: كانت سرية أبي عبيدة بن الجراح - رضي الله عنه - إلى ذي القَصَّة فغنموا وسلموا.
الشرح:
خرج أبو عبيدة - رضي الله عنه - إلى ذي القَصَّة أيضًا في أربعين رجلاً، فساروا ليلتهم مشاة، ووافوها مع الصبح، فأغاروا عليهم، فهربوا منهم في الجبال، وأصابوا رجلاً واحدًا فأسلم[10].
5- وفي ربيع الآخر أيضًا من هذه السنة: كانت سرية زيد بن حارثة - رضي الله عنه - إلى بني سُلَيم بالجموم، فأسروا وغنموا وسَلموا.
الشرح:
خرج زيد بن حارثة - رضي الله عنه - إلى بني سُلَيم بالجموم، فأصاب امرأة من مُزينة يقال لها: حليمة، فدلتهم على مَحِلَّة من محالِّ بني سُلَيم، فأصابوا نَعَمًا وشاءً وأسرى، وكان في الأسرى زوج حليمة، فلما قفل زيد بن حارثة بما أصاب، وهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمُزينة نفسها وزوجها[11].
6- وفي جُمادى الأولى من هذه السنة: كانت سرية زيد بن حارثة - رضي الله عنه - إلى العِيص، فغنمت وسَلمت.
الشرح:
قال ابن القيم - رحمه الله - في معرِض ذكره لأحداث السنة السادسة:
وفيها كانت سرية زيد بن حارثة إلى العيص في جُمادى الأولى.
7- وفي جمادى الأولى أيضًا من هذه السنة: كانت غزوة بني لحيان بناحية عُسْفان، فلم يلقوا أحدًا.
الشرح:
ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بني لحيان بعد قريظة بستة أشهر ليغزوهم، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مائتي رجل، وأظهر أنه يريد الشام، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم ثم أسرع السير حتى انتهى إلى بطن غُرَان[12] وادٍ من أودية بلادهم، وهو بين أَمَج وعُسْفان، حيث كان مصاب أصحابه[13].
فترحَّم عليهم ودعا لهم، وسمعت بنو لحيان، فهربوا في رؤوس الجبال، فلم يقدر منهم على أحد، فأقام يومين بأرضهم، وبعث السرايا، فلم يقدروا عليهم، فسار إلى عُسْفان، فبعث عشرة فوارس إلى كُراع الغميم لتسمع به قريش، ثم رجع إلى المدينة، وكانت غيبته عنها أربع عشرة ليلة[14].
8- وفي جمادى الآخرة من هذه السنة: كانت سرية زيد بن حارثة - رضي الله عنه - إلى الطَّرِف فغنموا وسلموا.
الشرح:
كانت سرية زيد بن حارثة - رضي الله عنه - إلى الطَّرِف[15] في جُمادى الأولى إلى بني ثعلبة، في خمسة عشر رجلاً، فهربت الأعراب، وخافوا أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سار إليهم، فأصاب - زيد- من نعمهم عشرين بعيرًا، وغاب أربع ليالٍ[16].
9- وفي جُمادى الآخرة من هذه السنة: كانت سريةُ زيد بن حارثة - رضي الله عنه - إلى حِسْمَى.
الشرح:
ثم سرية زيد بن حارثة إلى حِسْمى، وهي وراء وادي القرى في جُمادى الآخرة سنة ست.
قال: أقبل دِحية بن خليفة الكلبيُّ من عند قيصر، وقد أجازه وكساه، فلقيه الهُنيد بن عارض، وابنه عارض بن الهُنيد في ناس من جذام بحِسْمى، فقطعوا عليه الطريق، فلم يتركوا عليه إلا سَمَل ثوب[17]، فسمع بذلك نفر من بني الضُّبيب، فنفروا إليهم، فاستنقذوا لدحية متاعه، وقدم دحيةُ على النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بذلك، فبعث زيد بن حارثة في خمسمائة رجل وردَّ معه دحية، وكان زيد يسير بالليل، ويكمن بالنهار، ومعه دليل له من بني عُذْرة، فأقبل بهم حتى هجم بهم مع الصبح على القوم، فأغاروا عليهم، فقتلوا فيهم فأوجعوا وقتلوا الهُنيد وابنه، وأغاروا على ماشيتهم ونَعمهم ونسائهم، فأخذوا من النعم ألف بعير، ومن الشاء خمسة آلاف شاة، ومن السبي مائة من النساء والصبيان[18].
وقيل: أن رفاعة بن زيد الجُذاميَّ أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يطلب منه ردَّ الأسر، والسبايا والأموال، فردَّهم النبي - صلى الله عليه وسلم - [19].
10- وفي رجب من هذه السنة: كانت سرية زيد بن حارثة - رضي الله عنه - أيضًا إلى وادي القُرى، فلم يلق كيدًا.
الشرح:
ثم غزوة زيد بن حارثة إلى وادي القرى، فأُصيب يومئذ من المسلمين ورد ابن مِرداس، وارْتُثَّ[20] زيد بن حارثة من بين وسط القتلى[21].
وقيل: أن زيدًا خرج بتجارة إلى الشام ومعه بضائع لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما كان دون وادي القرى لقيه ناس من فزارة، فضربوه وضربوا أصحابه، وأخذوا ما معه من مال[22].
الأغصان الندية شرح الخلاصة البهية في ترتيب أحداث السيرة النبوية
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|