المجتمع لا يدفعني لفعل الطاعات
المجتمعات تغيرت كثيراً فشى في بعضها الكذب، وإخلاف الوعد، وقطعية الرحم، وعقوق الوالدين، والكسل عن أداء الطاعات، وعدم التورع عن الشبهات. وتنافس الناس في دنياهم، وعادى الناس بعضهم بعضاً من أجلها، وتنافسوا في ميادينها مع غفلة جليلة عن أحوال الآخرة، والله عز وجل ساق قصص الأنبياء وأحوالهم وأخلاقهم وعبادتهم، وأمرنا بالاقتداء بهم، والتأسي بأحوالهم فيما لم يخالف شرعنا، فقال: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ) الأنعام/90.
فذكر عن أهل البيت الصالح زكريا وابنه وزوجه تبتلهم إلى الله ومسابقتهم إلى فعل كل عمل صالح، فقال: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ). الأنبياء:90.
وإذا أردت أن تنظر إلى بر الوالدين فتأسّى بيحيى عليه السلام، فقد أثنى الله عليه بقوله: (وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا). (مريم: 14). وإذا رأيت المجتمع يموج في خصلة من خصال النفاق بإخلاف وعدهم، فتذكر أن الله قد أثنى على ابن خليله إسماعيل بالوفاء بالوعد، فقال عنه: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا) مريم/54.
وفي حال شح الناس بأموالهم وإعراضهم عن خلة الكرم، فأنبياء الله هم المقدمون في تلك الخلة، أخبر سبحانه عن كرم إبراهيم أنه راغ إلى أهله، فجاء بعجل سمين حنيذ، وقدمه لثلاثة أضياف فقط. ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم سأل رجل مالاً فأعطاه قطيعاً من الغنم بين جبلين.
وإذا تألمت من وقوع الانحراف في بعض المجتمعات، وقلة حياء بعض الناس، وسعي بعض الشباب إلى علاقات محرمة، فتذكر أن هناك من عباد الله من وهبه الله جمالاً ونسباً، والنساء يدعينه إلى الفاحشة، ومع ذلك يمتنع منها، بل يفضل السجن على الفاحشة، بل قد أُدخل السجن لعدم استجابته، قال تعالى عن يوسف عليه السلام: (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ). (يوسف:32). فاجعل رسل الله عليهم والسلام نبراسك في العفة والنزاهة، فسلامة عرض الشباب وانتصاره على الشهوات تاج عل هامة رأسه.
وفي حال انفتاح الدنيا على بعض الناس، وجلب الخدم للنفس والدار، قد تأنف النفس بالكبر والخيلاء، فإذا أحسست ذلك من نفسك، فقل لها: يا نفس رويداً، إن أشرف الناس نسباً وأجلهم قدراً، وأعلاهم عند الله منزلة قد حلب شاته وخدم نفسه، وخصف نعله، ونام على الحصير حتى أثّر في جنبه عليه الصلاة السلام.
وفي خضم صخب الحياة الشاقة، وكثرة المعاملات مع خلق الله، يصدر خطأ من أقوالهم، وتسجل الهفوة على أفعالهم، حينذاك تنصع سجاياك بالعفو والصفح عمن أساء إليك، وتذكر أن هناك من أُلقي في الجب وحيداً، وفي الغربة فريداً، وفي عمره صغيراً، ومع هذه المكايد عفا عمن فعل معه العظائم، وقال لهم: (قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ). (يوسف:92)
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|