من فوائد ومقاصد ومنافع الحج
الشيخ ندا أبو أحمد
1- الحج امتثال لأمر الله وإجابة لأمره لإبراهيم بالدعوة إليه:
لقوله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ﴾[آل عمران:97]، ولقوله تعالى لإبراهيم: ﴿ وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ﴾ [الحج:27-28].
ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أيها الناس، قد فرض الله عليكم الحج فحُجوا "فقال رجل: أكل عام يا رسول الله، فسكت، حتى قالها ثلاثًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو قلتُ: نعم لوجبت، ولما استطعتم، ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من قبلكم بكثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم، فإذ أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه"؛ (رواه مسلم).
2- تعظيم شعائر الله وحُرُماته:
فمن أعظم المنافع للحج تعظيم شعائر الله تعالى وحرماته، وهذه المنفعة من أعظم العبادات لله تعالى؛ قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾[الحج:32].
قال ابن الأثير رحمه الله: وشعائر الحج: آثاره، وعلاماته، جمع شعيرة، وقيل: هو كل ما كان من أعماله: كالوقوف، والطواف، والسعي، والرمي، والذبح، وغير ذلك، وقال الأزهري: الشعائر: المعالم التي ندب الله إليها، وأمر بالقيام عليها، ومنه سُمي المشعر الحرام؛ لأنه معلم للعبادة وموضع، ومنه حديث زيد بن خالد الجهني، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جاءني جبريل، فقال: يا محمد، مر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية، فإنها من شعار الحج... ومنه: (إشعار البدن)، وهو أن يشق أحد جنبتي سنام البدنة حتى يسيل دمها، ويجعل ذلك علامة تعرف بها أنها هدى؛ اهــ بتصرف (النهاية في غريب الحديث: 2/ 479).
ومنه قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ ﴾[البقرة:158]، وقوله تعالى: ﴿ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ ﴾ [الحج:36]، وقال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيره: 11/ 61 عند قوله تعالى: ﴿ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾: والشعائر جمع شعيرة، وهو كل شيء لله تعالى فيه أمرٌ أشعر به وأعلم، ومنه شعار القوم في الحرب: أي علاماتهم التي يتعارفون بها، ومنه إشعار البدنة، وهو الطعن في جانبها الأيمن حتى يسيل الدم، فيكون علامة، فتسمى شعيرة، بمعنى المشعورة، فشعائر الله: أعلام دينيه، لا سيما ما يتعلق بالمناسك..... وأضاف التقوى إلى القلوب؛ لأن حقيقة التقوى في القلب؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام في صحيح الحديث:" التقوى ها هناوأشار إلى صدره"؛ (رواه الإمام مسلم).
3- الصلة بالله تعالى، والتقرب إليه، ومفارقة الأهل، والأوطان والعشيرة، لأداء الحج، وزيارة البيت العتيق، وهذا فيه فوائد عظيمة، ومنافع كثيرة، لا تحيط بها العبارة؛ لأنه في هذه العبادة: يركب الأخطار، ويقطع الطرق الطويلة، ويشق الأجواء يرجو رحمة ربه، ويخاف عقابه سبحانه وتعالى، فما أحراه بالثواب الجزيل، والأجر العظيم، من المولى الكريم عز وجل.
ولا شك أن هذه العبادة شرع الله فيها: الإحرام، والتلبية، واجتناب كثير من العوائد، وكشف الرجل رأسه، وخلع ثيابه وإبدالها بالإزار والرداء، والطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، والوقوف بعرفات، والمبيت بمزدلفة، ورمى الجمار، وحلق الرأس أو تقصيره، والتقرب إلى الله تعالى بذبح الهدايا والقرابين، وغير ذلك مما شرع الله في الحج، وكل ذلك تشهد العقول الصحيحة، والفطر السليمة المستقيمة بحسنه، وأنه لا حكمة فوق حكمة من شرعه؛ (مجموع فتاوى ابن الباز: 2/ 234).
4- ذكر الله تعالى في الأيام المعلومات: وهي عشر ذي الحجة وأيام التشريق، وهي من جملة المنافع للحج:
قال الله تعالى: ﴿ وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ﴾[الحج:27-28].
قال الإمام الشنقيطي رحمه الله: اللام في قوله: ﴿ ليَشْهَدُوا ﴾ هي لام التعليل، وهي متعلقة بقوله تعالى: ﴿ وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ ﴾ الآية: أي أن تؤذن فيهم يأتوك مشاة، وركبانًا لأجل أن يشهدوا: أي يحضروا منافع لهم، والمراد بحضورهم المنافع: حصولها لهم؛ (أضواء البيان: 5/ 489).
فقوله: ﴿ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ ﴾من المنافع الدينية؛ قال العلامة ابن باز رحمه الله "في مجموع الفتاوى: 5/ 135": وعطفه على المنافع من باب عطف الخاص على العام؛ اهـ، ويعنى عطف الذكر على المنافع.
وقال العلامة السعدي رحمه الله وقوله: ﴿ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ ﴾، وهذا من المنافع الدينية؛ (تيسير الكريم الرحمن صـ537)، ولا شك أن الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، والدعاء على الصفا والمروة، والوقوف بعرفات ومزدلفة، ورمى الجمار، كل هذه من ذكر الله تعالى، ولهذا رُوي: "إنما جعل الطواف بالبيت، وبين الصفا والمروة، ورمى الجمار، لإقامة ذكر الله عز وجل"، وهذا المعنى صحيح حتى ولو لم يصح فيه الحديث[2].
5- اتصال المسلمين بعضهم ببعض وتعاونهم في مصالحهم:
لا شك أن من فوائد الحج اتصال المسلمين من غير أقطار الأرض في مواسم الحج، فيحصل بذلك الخير الكثير، والتشاور في كثير من أمورهم، وتعاونهم في مصالحهم العاجلة والآجلة، واستفادة بعضهم من بعض، وتوحيد كلمتهم على الحق، وكل ذلك من جملة منافع الحج التي أشار إليها تعالى بقوله: ﴿ لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ﴾ [الحج: 28].
6- السلامة من الفقر لمن تابع بين الحج والعمرة:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تابعوا بين الحج والعمرة، فأنهما ينفيان الفقر والذنوب....."؛ (رواه الترمذي والنسائي).
وهذا من المنافع فإن المتابعة بين الحج والعمرة يزيلان الفقر، قال العلامة المباركفوري رحمه الله: ينفيان الفقر: أي يزيلانه، وهو يحتمل الفقر الظاهر بحصول غني اليد، والفقر الباطن بحصول غني القلب؛ (تحفة الأحوذي بشرح سنن الترمذي: 3/ 539).
• وقد قال الله تعالى: ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } [الطلاق:2-3].
7- أرباح التجارة التي تحصل للحاج إذا أراد البيع والشراء شريطة ألا يشغله هذا عن حجه:
قال الله تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ [البقرة:198].
قال بن عباس-رضي الله عنهما-: كانت عكاظ ومجنة، وذو المجاز أسواقًا في الجاهلية، فَتَأَثَّمُوا [3] أن يتِّجروا في المواسم، فنزلت ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ ﴾في مواسم الحج؛ (رواه البخاري في كتاب التفسير).
• وروي الإمام الطبري في تفسيره: 4/ 162 رقم (3761) عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "لا حرج عليكم في الشراء والبيع قبل الإحرام وبعده"، وقال الإمام الطبري رحمه الله أيضا في قوله تعالى: ﴿ لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ﴾، اختلف أهل التأويل في معني المنافع التي ذكرها الله في هذا الموضع، فقال بعضهم: هي التجارة، ومنافع الدنيا وقال آخرون: هي الأجر في الأخرة، والتجارة في الدنيا..... وقال آخرون: بل هي العفو والمغفرة....... وأولو الأقوال بالصواب قول من قال: عني بذلك: ليشهدوا منافع لهم من العمل الذي يرضي الله والتجارة، وذلك أن الله عم لهم منافع جميع ما يشهد له الموسم، ويتأتى له مكة أيام الموسم من منافع الدنيا والآخرة، ولم يخصص من ذلك شيئًا من منافعهم بخير ولا عقل، فذلك على العموم في المنافع التي وصفت؛ (تفسير الطبري - جامع البيان في تأويل القرآن: 18/ 610).
8- إظهار التذلل لله تعالى والخضوع له سبحانه:
وذلك لأن الحاج والمعتمر يرفض أسباب الترف والتزين، والتطيب، ويلبس ثياب الإحرام مظهرًا فقره لربه، متجردًا عن كل ما يشغله ويصرفه عن مولاه، فيتعرض بذلك لمغفرته سبحانه، ثم يقف الحاج في عرفة متضرعًا، متذللًا، حامدًا شاكرًا لربه، ومستغفرًا لذنوبه وعثراته، سائلًا ربه ما يحتاجه في دنياه وأخراه، وفي طوافه بالبيت العتيق يلوذ بالله ويلجأ اليه من ذنوبه، ومن هوي نفسه والشيطان ووساوسه؛ (الموسوعة الفقهية: 17/ 26).
9- أداء الشكر لله تعالى:
فإن في الحج يؤدى العبد بعض الشكر لسلامة البدن من العوارض المانعة من الحج وغيره، وشكر نعمة المال، وشكر نعمة الفراغ، وشكر نعمة الحياة، وشكر نعمة القوة والشباب، وهذه النعم من أعظم ما يتمتع به الإنسان من نعم الدنيا؛ لأن الإنسان بهذه النعم: يجهد نفسه، وينفق ماله؟ ويشغل وقته، ويغتنم حياته وقوته، في طاعة ربه، والتقرب إليه سبحانه وتعالى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "نعمتان مغبون فيها كثير من الناس: الصحة والفراغ"؛ (رواه البخاري).
وقال صلى الله عليه وسلم: "اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك"؛ (رواه الحاكم وهو في صحيح الجامع: 1077).
ومعلوم أن شكر الله تعالى على نعمه من أعظم العبادات التي ينال بها العبد الثواب والزيادة من فضل الله عز وجل؛ قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾[إبراهيم:7].
10- الحج أعظم مؤتمر بشري تجتمع كلمة أصحابه الصادقين على البر والتقوى:
فيجتمع المسلمون من أقطار الأرض في مركز اتجاه أرواحهم، ومهوى قلوبهم، فيتعرف بعضهم على بعض، ويألف بعضهم بعضًا، فتذوب الفوارق بين الناس: فوارق اللون والجنس، وفوارق اللسان واللغة، وفوارق الغني والفقر، وفوارق الجاه والسلطان: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات:13].
وهذا كله يبين أن الحكمة لمشروعية الحج: إظهار العبودية لله تعالى، وأن الحج يشتمل على حِكم جليلة كثيرة، وفوائد عديدة، تدركها العقول الصحيحة، والفطر السليمة، وتشمل حياة المسلم: الروحية والمالية، والجسدية، ومصالح المسلمين، في الدين والدنيا؛ (الموسوعة الفقهية: 17/ 26-27).
11- التعلم، والتعليم، ونشر الدعوة والخير بين الناس في المواسم:
الحجاج جاؤوا من كل فج عميق؛ ليؤدوا هذا الواجب العظيم، وليستفيدوا من حجهم أنواعًا من الطاعات لله تعالى، والمشاعر المقدسة يلتقي فيها أولياء الله، والعلماء من أقطار الأرض، فيستفيد العالم والمتعلم: يستفيد العالم بنشر علم الكتاب والسنة في هؤلاء الجموع الكثيرة، وتعليمهم ما يجب عليهم، وتحذيرهم مما يضرهم، وترسيخ العقيدة الصحيحة في نفوسهم. ويستفيد الراغب في الخير: من العلماء والدعاة إلى الله عز وجل من حلقات العلم في المسجد الحرام وفي المشاعر المقدسة؛ (مجموع فتاوي بن باز: 5/ 194).
ولا شك أن هذا من التزود بالتقوي التي هي خير زاد؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾ [البقرة:197].
فيدخل في ذلك الاستفادة من العلماء الربانين، ويدخل في ذلك تعليم الناس الخير، والدعوة إلى الله تعالى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بالأسلوب الحسن، والحكمة والموعظة الحسنة؛ (انظر مجموع فتاوي ابن باز: 16/ 167)؛ كما قال الله تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل: 125].
• قال الشيخ ابن باز رحمه الله: وكل ما يفعله الحاج: من طاعة الله ونفع لعباده، مما ذكر ومما لم يذكر، كله داخل في المنافع، وهذا من حكمة الله في إبهامها حتى يدخل فيها كل ما يفعله المؤمن والمؤمنة، من طاعة لله، ومن نفع لعباده، فالصدقة على الفقير منفعة، وتعليم الجاهل منفعة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منفعة، وفي الدعوة إلى الله منافع عظيمة، والصلاة في المسجد الحرام منفعة... وكل ما تفعله مما ينفع الناس من قول، أو فعل، أو صدقة، أو غيرها مما شرعه الله تعالى أيضًا داخل في المنافع، فينبغي للحاج أن يستغل هذه الفرصة العظيمة [4]؛ (مجموع فتاوي ابن باز: 16/ 170).
12- الحج يُذكر المسلم بالموت والانتقال إلى الآخرة:
وذلك إذا تجرَّد الحاج من ثيابه، ولبس الإحرام الذي يشبه الأكفان، ورأى أن الرئيس والمرؤوس، والملك، والوزير، والغني، والفقير، والعربي، والأعجمي، والأسود، والأبيض، والصغير، والكبير، كلهم لباسهم واحد، ولا فرق بينهم في ذلك، وهذا يذكر بخروج الإنسان من الدنيا، ولا يحمل معه إلا هذه الأكفان التي تبلى بعد ذلك سريعًا؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ﴾ [الأنعام: 94].
13- الحج يُذكر بيوم القيامة:
لأن الحاج إذا رأى جموع الحجاج قد جاؤوا من كل فج عميق، ومن كل طريق بعيد، واجتمعوا للطواف بالبيت العتيق، وانصرفوا من اجتماعهم بعد الصلوات، يذكر بهذا الاجتماع، وهذا الانصراف يوم القيامة، وانصراف الناس بعد ذلك؛ كما قال الله تعالى: ﴿ يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ َمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 6-8].
وكذلك الطواف بين الصفا والمروة، وزحام الناس في الدخول مع الأبواب والخروج يذكر بيوم القيامة، وكذلك اجتماع الحجاج في عرفة في صعيد واحد، في يوم واحد، بلباس واحد، بأعداد كثيرة هائلة يذكر المسلم بيوم القيامة، واجتماع الناس جميعًا في عرصات القيامة، لا ينفعهم إلا ما قدَّموا، في هذا اليوم العظيم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
فإذا رأى المسلم العاقل هذه الجموع ذكره بهذا اليوم العظيم، ولانَ قلبُه واستعد للقاء الله تعالى؛ والله المستعان.
[1] انظر مناسك الحج والعمرة للقحطاني، رحمه الله.
[2] والحديث رواه الأمام أحمد في المسند برقم: 24351 وأبو داود، برقم: 1888، والترمذي، وقال: " هذا حديث حسن صحيح " برقم: 902 وغيرهم، والحديث ضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود، صـ 148، وحسن إسناده عبد القادر الأرناؤوط في تحقيقه لجامع الأصول، 3/ 218، وقال الأعظمي في تحقيقه لصحيح ابن خزيمة، 4/ 222: "إسناده صحيح".
[3] فتأثموا: خافوا أن يرتكبوا أثمًا بتجارتهم.
[4] من أراد المزيد من منافع الحج ومقاصده، وفوائده، وحكمه، وأهدافه، فليرجع الي تفسير الطبري: 18/ 603، تفسير القرطبي3/ 184، تفسير ابن كثير:10/ 144، أضواء البيان: 5/ 489، مجموع الفتاوي لابن باز 2: / 234 .
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|