احكام التلبية
تمام المنة - الحج (4)
وبعد بيان معنى المواقيت والإحرام، وأنواع النُّسُك، نعود لنتابع صفة الحج والعمرة:
4- ثم يَشْرَع في التلبية:
مشروعيتها وفضلها:
(1) عن السائب بن خلاَّد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أتاني جبريل فأمرني أن آمُر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال والتلبية))[1].
(2) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: ((ما أهلَّ مُهِلٌّ قطُّ، ولا كبَّر مكبِّر قطُّ، إلا بُشِّر بالجنة))[2].
ملاحظات:
(1) يُستحب الإكثار من التلبية من حين الإحرام في حال الركوب والمشي والنزول، وعلى كل حال.
(2) ويُستحب رفعُ الصوت بالتلبية؛ للحديث السابق، وقد كان أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يرفعون أصواتهم حتى تُبَحَّ أصواتهم[3].
(3) هل رفْع الصوت بالتلبية يختص بالرجال دون النساء؟
فيه خلاف، رجَّح ابن عثيمين اختصاصه بالرجال، وذهب ابن حزم إلى أن المرأة ترفع صوتها؛ لعموم الحديث السابق عن السائب، وقد ثبت عن عائشة - رضي الله عنها - أنها اعتمرت ورفعت صوتها بالتلبية.
وتوسَّط شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: "والمرأة ترفع صوتها بحيث تسمع رفيقتها"[4].
متى تبدأ التلبية ومتى تنتهي؟
تشرع التلبية عند انعقاد الإحرام، وتبدأ التلبية بعد الإحرام من الميقات، إما بعد الصلاة إن وافق ذلك وقت صلاة، وإما بعد استوائهعلى راحلته، واعلم أنه ليس هناك صلاة سنة الإحرام كما سبق بيان ذلك.
وأما انتهاؤها، ففي العمرة تنتهي عند رؤية البيت واستلام الحجر، وفي الحج تنتهي حين يَشْرَع في جمرة العقبة يوم النحر، وقال بعض أهل العلم: حتى ينتهي من رميه إياها.
والراجح الأول؛ فعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا استوت به راحلته قائمة عند مسجد ذي الحُلَيفة، أَهَلَّ[5] فقال: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك))؛ متفق عليه.
وأما الدليل على وقت انتهاء التلبية، فعن الفضل بن العباس - رضي الله عنهما - قال: "كنت رَدِيف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من جَمْعٍ[6] إلى مِنى، فلم يزل يلبِّي حتى رمى جمرة العقبة"[7].
وفي لفظ لمسلم: "لم يزل يلبي حتى بلغ الجمرة".
هذا بالنسبة للحج، وأما بالنسبة للعمرة، فعن عطاء عن ابن عباس - رفَعَ الحديثَ -: "أنه كان يُمْسِك عن التلبية في العمرة إذا استلم الحجر"؛ رواه الترمذي وصحَّحه، ورواه أبو داود نحوَه.
لفظ التلبية:
ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - وفي صحيح البخاري من حديث عائشة - رضي الله عنها - وعند مسلم من حديث جابر - رضي الله عنه - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول في تلبيته إذا أهلَّ محرِمًا: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك))، فهذه هي التلبية التي كان يداوم عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- والناس يزيدون فلم ينكر عليهم، ومن هذه الزيادات: زاد ابن عمر: "لبيك وسعديك والخير بيديك، والرغباء إليك والعمل"، وزاد أنس: "لبيك حقًّا حقًّا، تعبُّدًا ورِقًّا"[8].
معنى التلبية:
ورد في معنى التلبية معانٍ كثيرةٌ، أوردها الشيخ سيِّد العفَّاني في كتاب: "الرياض النضرة"، وهي على النحو الآتي:
معنى لبيك: إجابة بعد إجابة، ولزومًا لطاعتك، فهي من "لبَّى"، بمعنى: أجاب.
وقيل: معناها: اتجاهي وقصدي إليك، مأخوذ من قولهم: "داري تلبي دارك"؛ أي: تواجهها.
وقيل: معناها: محبتي لك، مأخوذ من قولهم: "امرأة لَبَّة"، إذا كانت محبة لولدها.
وقيل: معناها: إخلاصي لك، مأخوذ من قولهم: "حب لبَّاب"، إذا كان خالصًا.
وقيل: معناها: أنا مقيم على طاعتك، مأخوذ من قولهم: "لبَّ الرجل بالمكان"، إذا أقام فيه.
حُكم التلبية:
اختلف العلماء في حكم التلبية:
فذهب الشافعي وأحمد إلى أنها سنَّة.
وحكى الخطَّابي عن مالك وأبي حنيفة الوجوب[9]، وهذا هو الراجح؛ لحديث السائب السابق، وفيه الأمر برفع الصوت بالتلبية.
قال ابن حزم: "وهو فرض، ولو مرة"[10].
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|