الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم في العفة (1)
اهتمت الشريعة الإسلامية بخلق العفة اهتمامًا بالغًا، ويتضح ذلك من خلال آيات القرآن الكريم؛ حيث إن للعفة نصيبًا وافرًا من النصوص القرآنية، والأحاديث النبوية في الحث عليه وتوضيح منزلته، ومكانة أهله، وقد أمر الله سبحانه وتعالى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، بقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [طه: 131].
ففي الآية الكريمة دعوة إلى الاعتزاز بالقيم الحسنة، وبالصلة بالله والرضا به، فلا تتهاوى النفوس أمام زينة الحياة الدنيا، ولا تفقد اعتزازها بالقيم الطيبة، وتظل دائمًا تترفع على الزخارف الباطلة التي تبهر الأنظار.
فالأمر الإلهي بغض البصر، وعفة النفس عن متاع الدنيا الزائل الذي ابتلى الله تعالى به بعض خلقه، وقد سماه الله تعالى زهرة لقِصَر عمرها، فالمؤمن يوقن أنها فتنة، فالأموال والأولاد كثيرًا ما تشغل الناس عن طاعة الله وعبادته،وعلى المؤمنأن يرضى بما قسم الله تعالى له.
ولمنزلة خلق العفة في الإسلام، أنه كان من أوائل الأخلاق التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم في بداية دعوته، والدليل على ذلك ما جاء في إجابة أبي سفيان على هرقل لما سأله قائلًا له: … » مَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟ قُلْتُ: يَقُولُ: اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّدْقِ وَالعَفَافِ وَالصِّلَةِ، فَقَالَ لِلتَّرْجُمَانِ: قُلْ لَهُ: سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا....»[2].
ففضل أبو سفيان هذه الأخلاق عن غيرها، "للإشارة إلى تمام مكارم الأخلاق وكمال أنواع فضائله؛ لأن الفضيلة إما قولية وهي الصدق، وإما فعلية وهي إما بالنسبة إلى الله تعالى، وهي الصلاة؛ لأنه تعظيم الله تعالى، وإما بالنسبة إلى نفسه وهي العفة، وإما بالنسبة إلى غيره وهي الصلة" [3].
فأوامر الإسلام كلها خير، وعندما يتأمل المؤمن ما يدعو الإسلام يجده أنه يدعو إلى مكارم الأخلاق، فهو دين كامل لا يأمر إلا بما يعود على البشر بالسعادة والفلاح في الدنيا والآخرة، ولا ينهى إلا بما يتسبب في الشقاء والمضرة والهلاك للعباد، ومكارم الأخلاق اتَّصف بها الرسول صلى الله عليه وسلم قبل بَعثته، وبعد أن كلَّفه الله تعالى بالرسالة، وهو القدوة الحسنة إلى قيام الساعة.
وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يسأل ربه تبارك وتعالى العفاف، فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى، وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى»[4].
فهذا الدعاء "من أجمع الأدعية وأنفعها، وهو يتضمن سؤال خيري الدين والدنيا" [5].
وأطلق صلى الله عليه وسلم "الهدى والتقى ليتناول كل ما ينبغي أن يهتدي إليه من أمر المعاش والمعاد ومكارم الأخلاق، وكل ما يجب أن يُتَّقى منه من الشرك والمعاصي ورذائل الأخلاق" [6].
فالمراد بهذا الدعاء أن ينعم الله تعالى علي رسوله صلى الله عليه وسلم "بالعفاف والعفة عن كل ما حرَّم الله عليه، فيكون عطفه على التقوى من باب عطف الخاص على العام، إن خصَّصنا العفاف بالعفاف عن شيء معين، وإلا فهو من باب عطف المترادفين" [7].
فنقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم في الاستعانة بالله، واللجوء إليه، فهما مفتاح كل خير، ومن أقوى الأسباب التي تُنال بها العفة، وعدم الاغترار بالنفس والركون إليها، ودل الحديث على بشرية النبي صلى الله عليه وسلم،فهو لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|