الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم في الصبر
لأهمية الصبر ذكره الله عز وجل في القرآن الكريم في" تسعين موضعًا من القرآن، أو بضعًا وتسعين" [1] بين الأمر به، والحث عليه، ومدح أهله، وتوضيحًا لثوابه العاجل والآجل في الدنيا والآخرة، "وهذا العدد الذي يجعل هذا الخلق في مقدمة الأخلاق القرآنية " [2].
ولقد تعرض الرسول صلى الله عليه وسلم لكثير من الإيذاء، والاتهام، والافتراء، فصبر على ذلك امتثالًا لأمر الله تعالى له بالصبر، حتى نصره ربه، ودخل الناس في دين الله أفواجًا؛ قال الله تعالى: ﴿ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ﴾ [النحل: 127]، وقال الله تعالى: ﴿ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾ [مريم: 65].
وقال الله تعالى: ﴿ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ * فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا ﴾ [المعارج: 4، 5].
وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين على التخلق بالصبر، فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الصَّبْرُ نِصْفُ الْإِيمَانِ، وَالْيَقِينُ الْإِيمَانُ كُلُّهُ» [3].
وقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم في السنة بعض مما لاقاه من أذى المخالفين له في العقيدة، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ، وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ، وَلَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ، وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ، وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلاَثُونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَا لِي وَلِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ، إِلَّا مَا وَارَى إِبِطُ بِلَالٍ»[4].
لقد أُوذيت في الله أي "لأجل إظهار دينه وإعلاء كلمته، وما يؤذي أحد من الناس؛ لأنه لم يكن قد أسلم أحد حتى يؤذي، وهددت وتوعدت بالتعذيب والقتل، ولقد أتت علي ثلاثون ما بين يوم وليلة، تأكيد للشمول؛ أي ثلاثون يومًا وليلة متوالية، وما لي ولبلال طعام يأكله ذو كبد أي حيوان إلا شيء يواريه إبط بلال يدخله تحته ويستره بإبطه" [5].
فمما ينبغي على المسلم أن يتجمل بالصبر على ما قد يعتريه من كدر في دنياه في نفسه، وماله، وعرضه، وفي غير ذلك، وأن يوطن نفسه على الصبر، ويحتسب ذلك زيادة في حسناته ورفعة في درجاته، وتكفيرًا لسيئاته.
وقد لقِي صلى الله عليه وسلم بمكة من قريش ما يشيِّبُ النواصي ويهدد الصياصي[6]، وهو مع الضعيف يصابر صبر المستعلي ويثبت ثبات المستولي" [7].
فأُوذي صلى الله عليه وسلم في الله تعالى أشد أنواع الأذى منذ أن جهر بدعوته، حتى بعد أن أذن الله تعالى له بالهجرة إلى دار الأنصار رضي الله عنهم لم يسلم من الأذى؛ إذ اجتمع عليه المنافقون واليهود، ومن ورائهم المشركون في مكة، فصار يعالج بعد هجرته، ما لا يقل عما واجهه في مكة من الأذى، فصبر حتى نصَره الله تعالى عليهم، وكان هذا دأبه حتى أتاه اليقين.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|