حديث: وقت لأهل العراق ذات عرق
عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق. رواه أبو داود والنسائي وأصله عند مسلم من حديث جابر إلا أن راويه شك في رفعه. وفي صحيح البخاري أن عمر هو الذي وقت ذات عرق. وعند أحمد وأبي داود والترمذي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المشرق العقيق.
المفردات:
ذات عرق: قال الحافظ في الفتح: سمي بذلك لأن فيه عرقًا وهو الجبل الصغير، وهي أرض سبخة تنبت الطرفاء بينها وبين مكة مرحلتان، والمسافة اثنان وأربعون ميلًا، وهو الحد الفاصل بين نجد وتهامة.
شك في رفعه: أي لم يجزم بأنه من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم بل تردد: أهو من كلام جابر أم من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
العقيق: قال الحافظ في تلخيص الحبير: تنبيه: العقيق واد يدفق ماؤه في عورى تهامة، قال الأزهري: هو حذاء ذات عرق. اهـ، وهو واد مشهور، وهو أبعد عن مكة من ذات عرق. ويقع شرقيها وليس المراد به هنا العقيق الذي يقع غربي المدينة المنورة قادمًا من ذي الحليفة وإن كان امتدادًا له، فإن عقيق المدينة هو الذي روى البخاري فيه حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي العقيق يقول: أتاني الليلة آت من ربي فقال: صل في هذا الوادي المبارك، وقل عمرة في حجة.
البحث:
روى البخاري في صحيحه من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: لما فتح هذان المصران أتوا عمر رضي الله عنه فقالوا: يا أمير المؤمنين، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حد لأهل نجد قرنًا وهو جور عن طريقنا، وإنا إن أردنا قرنًا شق علينا، قال: فانظروا حذوها من طريقكم، فحد لهم ذات عرق. وهذا الحديث الصحيح الصريح يثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوقت لأهل العراق ذات عرق، وأن توقيتها إنما حدده الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي. وقد أجمع المسلمون عليه. أما حديث عائشة رضي الله عنها الذي أورده المصنف هنا وحديث الحارث بن عمرو السهمي اللذان أخرجهما أحمد وأبو داود والنسائي بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق فقد أشار الحافظ في الفتح إلى أنه ضعيف وأنه لا يخلو طريق من طرقه عن مقال. وقال الحافظ في الفتح: وروى الشافعي من طريق طاوس قال: لم يوقت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات عرق، ولم يكن حينئذ أهل المشرق، وقال في الأم: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حد ذات عرق، وإنما أجمع عليه الناس، وهذا كله يدل على أن ميقات ذات عرق ليس منصوصًا وبه قطع الغزالي والرافعي في شرح المسند والنووي في شرح مسلم وكذا وقع في المدونة لمالك. اهـ. وقد وقع في مسلم من طريق أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يسأل عن المهل فقال: سمعت، ثم انتهى فقال: أراه يعني النبي صلى الله عليه وسلم. وفي لفظ له من حديث أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يسأل عن المهل فقال: سمعت: أحسبه رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: مهل أهل المدينة من ذي الحليفة، والطريق الآخر الجحفة، ومهل أهل العراق من ذات عرق، ومهل أهل نجد من قرن، ومهل أهل اليمن من يلملم. ومعنى قوله في اللفظ الأول ثم انتهى أن أبا الزبير قال: سمعت جابرًا، ثم انتهى، أي وقف عن رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أراه - بضم الهمزة - أي أظنه رفع الحديث كما قال في الرواية الأخرى: أحسبه رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا ظاهر في أن أبا الزبير لم يجزم برفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. أما حديث أن عباس عند أحمد وأبي داود والترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المشرق العقيق. فهو من طريق يزيد بن أبي زياد عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن ابن عباس فهو معلول لأن محمد بن علي لا يعلم له سماع من جده كما قال مسلم في الكنى. وفي حديث عمر رضي الله عنه بتحديد ذات عرق لأهل العراق وإجماع الصحابة رضي الله عنهم على أنه إذا أحدثت طرق لا يمر أهلها بالمواقيت التي حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم أو كان مجيئها يشق عليهم فإنهم يحرمون من مكان يحاذي أقرب المواقيت إلى طريقهم فيحرم القادم من نجد عن طريق الطائف - الهدا - من وادي محرم، ويحرم القادمون من طريق الساحل من الجنوب من السعدية لأنها أقرب الأماكن ليلملم وهي بحذائها من الطريق الجديد، وكما يحرم القادمون عن طريق رابغ منها دون الذهاب إلى الجحفة.
ما يستفاد من ذلك:
1- أن ميقات أهل العراق هو ذات عرق.
2- وأن من مر بين ميقاتين فإحرامه مما يحاذي أقربهما له من جهة أهله.
3- أنه لا يلزم من لم يكن طريقه على أحد المواقيت التي حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي هذه المواقيت.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|