صبر الرسول صلى الله عليه وسلم
إن مجالات الصبر كثيرة ومتعددة، ولقد كان للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم النصيب الأوفى من ذلك في كل ميدان. ونذكر في هذا الفصل بعض مجالات صبره صلى الله عليه وسلم.
صبر النبي صلى الله عليه وسلم في مجال الدعوة:
كان الصبر عدته صلى الله عليه وسلم طول حياته في الدعوة إلى الله. فقد كان في مواجهة المشركين في مكة، وفي مواجهة المنافقين في المدينة.
وليس بوسعنا أن نذكر الأمثلة على ذلك، فهي من الكثرة بحيث تستوعب أحداث السيرة، ولكنا نكتفي بالدلالة الثابتة على ذلك، وهي الآيات الكريمة.
إن عبء الدعوة الضخم يحتاج إلى الجهد الضخم، ومع كثرة المشقات والعوائق والمنغصات - والرسول بشر، ينتابه ما ينتاب البشر - ربما كانت تضعف عزيمته نتيجة لتلك العوائق فكانت الآيات الكريمة تنزل عليه، لتثبته وتصبره.
وإن الآيات التي كانت تخاطبه «بالصبر» كافية في بيان الجهد الذي بذله النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الصبر الذي عاناه خلال دعوته إلى الله تعالى.
وسوف نكتفي بسرد بعض هذه الآيات، بغض النظر عن ترتيب نزولها، وبغض النظر عن التعليق عليها فهي وحدها كافية في البيان.
قال تعالى: ﴿ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ﴾ [1].
﴿ وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ﴾ [2].
﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [3].
﴿ وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [4].
﴿ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ﴾ [5].
﴿ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ﴾ [6].
﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ ﴾ [7].
﴿ اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾ [8].
﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ﴾ [9].
﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ﴾ [10].
﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾ [11].
﴿ فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا ﴾ [12].
﴿ وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا ﴾ [13].
﴿ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا ﴾ [14]...
ولقد صبر صلى الله عليه وسلم وصبر، وكانت آيات الصبر بمثابة محطات تقوية في الدرب الطويل [15].
وإذا كان يحسن بنا أن نذكر مثالًا من تصبيره صلى الله عليه وسلم أصحابه فلنستمع إلى خباب:
قال خباب بن الأرتّ رضي الله عنه: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا؟ قال: «كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض، فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد، ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمنَّ هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون»[16].
صبره صلى الله عليه وسلم عند موت أحبابه:
وقد مات أبناء النبي صلى الله عليه وسلم كلهم في حياته، إلا فاطمة رضي الله عنها، كما ماتت زوجته خديجة رضي الله عنها، وعمه حمزة رضي الله عنه. فكان صابرًا محتسبًا.
وكان من قوله في مثل هذه المواقف، ما قاله صلى الله عليه وسلم يوم موت ابنه إبراهيم:
«إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون»[17].
وقد حث صلى الله عليه وسلم على الصبر في هذا الموطن فقال: «يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء، إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة»[18].
وقال: «ما من مسلم تصيبه مصيبة، فيقول ما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم ائجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها، إلا أخلف الله له خيرًا منها»[19].
أنواع أخرى من الصبر:
وهناك أنواع أخرى من الصبر منها: الصبر على الجوع، والصبر على الفقر، والصبر على المرض، والصبر على الخوف.
وقد صبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل هذه الأحوال، مما هو معلوم من سيرته.
وقال تعالى في جزاء الصابرين.
﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [20].
الصبر ضياء:
قررت الآيات الكريمة السابقة أن الابتلاء من الله واقع على الناس مسلمهم وكافرهم، ولكن المسلم له تصرف ذكرته الآيات وهو «الصبر».
ثم ذكرت الآيات جزاء هذا الصبر.
وفي ضوء الآيات وما سجلته من ثواب كبير كان قوله صلى الله عليه وسلم: «والصبر ضياء»[21] ففي محنة الابتلاء بالخوف والجوع ونقص الأموال.. وحيث لا قدرة للإنسان على أي تصرف فيما قدره الله، يكون الصبر ضياء للنفس وسكينة لها، برضاها بقضاء الله وقدره.
فقولهم: ﴿ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ إعلان بعبوديتهم لله، وأنهم وما بأيديهم ملك له، وأن المرجع إليه سبحانه تعالى.
وبهذا الرضا النفسي فلا شك أن الصبر سيضيء جوانب هذه النفس الراضية.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|