1- فضائل وثمرات الحب في الله.
2- علامات وبراهين الحب في الله.
3- أسباب تحقيق الحب في الله.
الهدف من الخطبة:
التذكير بفضائل وثمرات الحب في الله وعلاماته وأسباب تحقيقه.
مقدمة ومدخل للموضوع:
أيها المسلمون عباد الله، بالحب في الله نبني أنفسًا زكية، وبالحب نبني أُسَرًا مثالية، وبالحب نبني مجتمعًا مثاليًّا يُضرَب به المثل، وبالحب تُبْنى الأوطان، وتعمر الديار، وبالحب تُبْنى الأمم، بالحب نستطيع بفضل الله تعالى أن نتجاوز العراقيل والعقبات، وأن نتغلب على الأزمات، وأن نُحقِّق فيما بيننا التغافل عن الهفوات والزلَّات، والتحمُّل والصبر والاحتساب؛ هذا إذا كان الحب لله وفي الله، بأمره وعلى مراده، وعلى مراد رسوله صلى الله عليه وسلم.
فإن الحب في الله ولله له أثر عظيم على الفرد والأُسَر والمجتمعات في الخروج من الأزمات؛ فهو مخرج آمن من الأزمات والعراقيل، إذا حققناه؛ سيكون البنيان المرصوص للمجتمع الواحد الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم؛ كما في الصحيحين عَن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى))، وفي صحيح البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المؤمن لِلْمؤْمن كالبُنْيان يَشُدُّ بَعْضُه بَعْضًا، ثُمَّ شَبَّك بين أَصابعه)).
وأمَّا إذا لم نُحقِّق الحب في الله بيننا، فما الذي سيكون البديل؟ الحقد والكراهية والحسد، والأنانية والاستغلال والاستحواذ، إلى آخر هذه الأمراض الفتَّاكة التي إذا حلَّتْ بساحةِ مجتمعٍ أضعفته، وجعلته ضعيفًا لا قدرة له على مواجهة مشاكله وأزماته؛ فعن الزُّبير بن العوَّام رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((دبَّ إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبَغْضَاء، هي الحالقة، لا أقول تحلق الشَّعر، ولكن تحلق الدِّين))؛ [رواه التِّرمذي، وأحمد، وحسَّنه الألبانيُّ في صحيح سنن التَّرمذي]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: ((سيصيب أمَّتي داء الأمم، قالوا: يا نبيَّ الله، وما داء الأمم؟ قال: الأشَرُ والبَطَرُ، والتَّكاثر والتشاحُن في الدُّنيا، والتَّباغُض، والتَّحاسُد حتى يكون البغي ثمَّ الهرج))؛ [رواه الطَّبراني، وحسَّنه الألباني في صحيح الجامع]؛ ولذلك اهتمَّ النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذه المعاني وترسيخها في قلوب الصحابة والأمة؛ وذلك ببيان فضل وثمرات الحب في الله تعالى، وربط ذلك بقضايا الإيمان.
1- فبين صلى الله عليه وسلم أن الحب في الله من أوثق عُرَى الإيمان؛ فقد روى أحمد عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قال: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: ((أَتَدْرُونَ أَيُّ عُرَى الْإِيمَانِ أَوْثَقُ؟))، قُلْنَا: الصَّلَاةُ، قَالَ: ((الصَّلَاةُ حَسَنَةٌ وَلَيْسَ بِذَاكَ))، قُلْنَا: الصِّيَامُ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى ذَكَرْنَا الْجِهَادَ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ أَوْثَقَ عُرَى الْإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ فِي اللهِ، وَتُبْغِضَ فِي اللهِ))؛ [حسنه الألباني في صحيح الترغيب]، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ مِن أوثق عرى الإيمان: الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحب في الله، والبُغْض في الله عز وجل))؛ [رواه الطبراني والبيهقي بسند صحيح].
2- وأن الحب في الله من علامات بلوغ العبد كمالَ الإيمان؛ عن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ وَأَبْغَضَ لِلَّهِ وَأَعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ؛ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ))؛ [رواه أبو داود، والحاكم، وصحَّحه الألباني].
3- وأن مِن ثمرات الحب في الله أن يجد ويتذوَّق طعم الإيمان؛ ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِواهُما، وأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلَّا للَّهِ، وَأَنْ يَكْرَه أَنْ يَعُودَ في الكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ في النَّارِ))، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَجِدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ فَلْيُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ عز وجل))؛ [رواه الحاكم، وحسَّنه الألباني في السلسلة الصحيحة، وأصله في الصحيحين].
4- وأن الحب في الله من أفضل وأحب الأعمال إلى الله تعالى؛ عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: ((أحبُّ الأعمال إلى الله الحبُّ في الله والبُغْض في الله))، وفي رواية: ((أفضلُ الأعمال الحب في الله، والبغض في الله))؛ [رواه أحمد وأبو داود، وضعَّفه الألباني].
5- ومِن ثمرات الحب في الله أنه من أعظم أسباب محبَّة الله جل جلاله؛ عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: ((قالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَجَبَتْ مَحبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فيَّ، والمُتَجالِسِينَ فيَّ، وَالمُتَزَاوِرِينَ فيَّ، وَالمُتَباذِلِينَ فيَّ))؛ [رواه مالِك بإِسناد صحيح].
وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بأن أصدق المتحابِّينَ في الله هو الأحب إلى الله والأفضل عنده؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: ((ما تحابَّ رجلانِ في الله؛ إلا كان أحبهما إلى الله عز وجل أشدهما حبًّا لصاحبه))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((ما تحابَّ اثنانِ في الله تعالى؛ إلا كان أفضلهما أشدهما حبًّا لصاحبه)).
6- ومِن ثمرات الحب في الله أن العبد يُحشَر ويُبعَث يوم القيامة مع مَنْ أحبَّهم؛ ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة، فقال: متى الساعة؟ قال: ((وماذا أعْدَدْتَ لها؟))، قال: لا شيء إلا أني أحبُّ اللهَ ورسوله صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: ((أنتَ مع مَن أحببت))، قال أنسٌ: فما فرِحنا بشيءٍ فَرَحَنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنت مع مَن أحببتَ))، قال أنس: فأنا أُحِبُّ النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر، وأرجو أن أكون معهم بحبِّي إياهم، وإن لم أعمَل بمثل أعمالهم.
7- ومِن ثمرات الحب في الله أنه من أسباب النجاة من كرب يوم القيامة؛ فإذا ما كان يوم القيامة؛ يوم يحشر الناس حفاةً عُراةً غُرْلًا، وتقترب الشمسُ مِن رؤوسهم قدر مِيل، ويغوصُ الناس في عَرَقِهم، كلٌّ حَسَب عمله، فإن الله تعالى يُكرِم المتحابِّين في الله ولله بظلِّ عرشه يوم لا ظِلَّ إلا ظِلُّه؛ ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يقولُ يَوْمَ الْقِيَامةِ: أَيْنَ المُتَحَابُّونَ بِجَلالِي؟ الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَومَ لا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي))، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((سبْعَةٌ يُظِلُّهُم اللَّه في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ)) وذكر منهم: ((ورَجُلانِ تَحَابَّا في اللَّهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ، وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ)).
8- ومِن ثمرات الحب في الله أنه من أسباب دخول الجنة، والتكريم في درجاتها العالية؛ عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: سمِعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((قال الله عز وجل: المتحابُّون في جلالي لهم منابرُ مِن نور يغبطُهم النبيُّون والشهداء))؛ [رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح]، وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((ليبعَثَنَّ اللهُ أقوامًا يوم القيامة في وجوهِهم النورُ على منابرِ اللؤلؤ، يغبطهم الناس، ليسوا بأنبياء ولا شهداء))، قال: فجثا أعرابيٌّ على ركبتَيْه، فقال: يا رسول الله، جَلِّهم لنا نعرِفْهم؟ قال: ((هم المتحابُّون في الله، مِن قبائلَ شتى وبلاد شتى، يجتمعون على ذكر الله يذكُرونه)).
الوقفة الثانية: علامات وبراهين الحب في الله تعالى؛ كيف تؤكد وتُبرهن أنك تحبُّ في الله؟
1- أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه؛ ففي الصحيحين عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)).
2- بذل النصيحة؛ ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((حقُّ المسلمِ على المسلمِ ستٌّ))، قيل: ما هنَّ يا رسولَ اللهِ؟ قال: ((إذا لقِيتَه فسلِّمْ عليه، وإذا دعاك فأَجِبْه، وإذا استنصحَك فانصحْ له، وإذا عطِس فحمِدَ اللهَ فشَمِّتْهُ، وإذا مرِضَ فعُدْهُ، وإذا مات فاتَّبِعْه))، وفي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((انصُرْ أخاك ظالمًا أو مظلومًا))، فقال رجل: يا رسول الله، أنصُرُه إذا كان مظلومًا، أرأيت إن كان ظالمًا، كيف أنصُرُه؟ قال: ((تحجُزُه أو تَمنَعُه من الظُّلمِ؛ فإن ذلك نصرُه)).
3- حسن الظن بأخيه المسلم؛ كما قال الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 12]، وفي صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ؛ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلا تَحَسَّسُوا، وَلا تَجَسَّسُوا، وَلا تَحَاسَدُوا، وَلا تَدَابَرُوا، وَلا تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا)).
4- التغافل عن أخطاء أخيه المسلم؛ فلتصبُرْ وتحتسب؛ وكما يقولون في المثل الشعبي: "حبيبك يبلع لك الزلط".
5- الإيثار؛ ومعناه: أن يقدم الإنسان حاجة غيره من الناس على حاجته؛ هو عكس الأنانية، وحب النفس، والطمع، والجشع، والاستحواذ، وغيرها من رذائل ودنايا الأخلاق.
وهذه المرتبة العالية فعلها الصحابة من الأنصار مع المهاجرين رضي الله عنهم أجمعين؛ فقد ضربوا أروع الأمثلة في محبَّة الخير للآخرين وإيثارهم على أنفسهم؛ فقد قال الله تعالى في شأنهم: ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 9].
6- تمشي مع أخيك المسلم في حاجته، وتفريج كربته؛ ففي الصحيحين عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ وَلا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ الله فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فرَّجَ الله عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ))، وعن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ شَهْرًا فِي مَسْجِدِي هَذَا، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يَقْضِيَهَا ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ تَزُولُ الأَقْدَامُ))؛ [رواه الطبراني، وحسَّنه الألباني في الصحيحة].
7- ستر أخيك المسلم؛ ففي الحديث الصحيح: ((وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ)).
8- الدعاء له بظهر الغيب؛ ففي صحيح مسلم عن أبي الدرداء رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما من عبدٍ مسلمٍ يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال المَلَكُ: ولكَ بِمِثلٍ)).
نسأل الله العظيم أن يُؤلِّف بين قلوبنا.
الخطبة الثانية
أسباب تحقيق الحُبِّ في الله:
1- الدعاء؛ وذلك بأن يؤلف بين قلوبنا؛ فإن القلوب بيد الله تعالى؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 63]، وروى مسلم عن عَبْداللهِ بْن عَمْرِو رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ((إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ))، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((اللهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ))؛ ولذلك كان من دعاء أهل الإيمان كما أخبر به الرحمن: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10].
2- العمل الصالح؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ﴾ [مريم: 96]، وفي الحديث الصحيح: ((وَمَا يَزالُ عَبْدِي يتقرَّبُ إِليَّ بالنَّوافِل حَتَّى أُحِبَّه، فَإِذا أَحبَبْتُه كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يسْمعُ بِهِ، وبَصَرَه الَّذِي يُبصِرُ بِهِ، ويدَهُ الَّتي يَبْطِش بِهَا، ورِجلَهُ الَّتِي يمْشِي بِهَا، وَإِنْ سأَلنِي أَعْطيْته، ولَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّه))؛ فتصل بالمحافظة على النوافل إلى هذا الهدف العظيم؛ وهو محبَّة الله تعالى؛ فإذا أحبَّكَ حبَّبَ فيك خلقه؛ ففي الحديث عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا أحبَّ اللهُ العبدَ نادى جبريلَ: إن الله يحب فلانًا فأحبِبْه، فيُحِبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحبُّ فلانًا فأحبُّوه، فيحبه أهل السماء، ثم يُوضَع له القَبول في الأرض)).
3- إفشاء السلام؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لا تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوه تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلامَ بينَكم)).
4- الزيارة في الله تعالى:
فإن من أعظم الأسباب التي تُؤسِّس هذه المعاني؛ زيارة مشروعة في غير أوقات كراهة؛ ففي الحديث الصحيح: ((وجبت محبَّتِي للمتزاورين فيَّ...))، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أنَّ رجلًا زارَ أخًا لَهُ في قريةٍ أخرى، فأرصدَ اللَّهُ لَهُ على مَدرجَتِهِ مَلَكًا، فلمَّا أتى عليهِ قالَ: أينَ تريدُ؟ قالَ: أريدُ أخًا لي في هذِهِ القريةِ، قالَ: هل لَكَ عليهِ من نعمةٍ تربُّها؟ قالَ: لا، غيرَ أنِّي أحبَبْتُهُ في اللَّهِ عزَّ وجلَّ، قالَ: فإنِّي رسولُ اللَّهِ إليكَ، بأنَّ اللَّهَ قد أحبَّكَ كما أحبَبْتَهُ فيهِ)).
5- الهدية؛ فإن الهدية شأنُها عظيمٌ ومؤثرةٌ جِدًّا؛ فهي توثِّق المحبَّة، وتُمتِّن العلائق، وتُزيل من النفوس ما عَلَق فيها من ضغائنَ؛ وكُلُّكم يحفظ هذا الحديث، والذي أرشدنا فيه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((تَهادَوا تحابُّوا))، واسمع لهذا الحديث العجيب: ((عليكم بالهدية؛ فإنها تذهب بالضغينة وتزيد المَحَبَّة)).
6- ومن الأسباب أيضًا لمن قدر عليها أنْ تُبادِل مَنْ أساء إليك بالإحسان إليه؛ فإنه سيُحبُّك حُبًّا لا نظير له وأنت كذلك؛ واسمع لقول الله جل جلاله: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ [فصلت: 34].
7- الزُّهْد في الدنيا؛ عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا أَنا عَمِلْتُهُ أَحَبَّنِي اللَّهُ، وَأَحَبَّنِي النَّاسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبَّكَ اللَّهُ، وَازْهَدْ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ يُحِبَّكَ النَّاس))؛ [رواه ابن ماجه، والحاكم].
8- إخبار المحب لمن يحبُّه في الله؛ عن المِقْدَادِ بن مَعْدِي كَرب رضي الله عنه، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِذَا أَحَبَّ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَلْيُخْبِرْه أَنَّهُ يُحِبُّهُ))؛ [رواه أَبُو داود والترمذي، وَقالَ: حديثٌ حسنٌ]، وفي رواية: ((إذا أحَبَّ أحدُكم أخاه في الله، فليعلمه؛ فإنه أبقى في الأُلْفة، وأثبت في المودَّة))؛ [حسَّنه الألباني في صحيح الجامع]، وعن أنس رضي الله عنه أن رجلًا كان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فمرَّ به رجلٌ، فقال: يا رسول الله، إني لأحب هذا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((أعلَمته؟))، قال: لا، قال: ((أعلِمْه))، قال: فلحقه، فقال: إني أحبك في الله، فقال: أحبك الذي أحببتني له؛ [رواه أحمد وأبو داود، وحسنه الألباني].
نسأل الله العظيم أنْ يؤلِّف بين قلوبنا.