عبد السلام ياسين - منتديات احساس ناي

 ننتظر تسجيلك هـنـا

{ فَعِاليَآت احساس ناي ) ~
                             


عدد مرات النقر : 340
عدد  مرات الظهور : 7,850,946
عدد مرات النقر : 320
عدد  مرات الظهور : 7,850,943
عدد مرات النقر : 214
عدد  مرات الظهور : 7,850,982
عدد مرات النقر : 172
عدد  مرات الظهور : 7,850,982
عدد مرات النقر : 292
عدد  مرات الظهور : 7,850,982

عدد مرات النقر : 16
عدد  مرات الظهور : 1,369,101

عدد مرات النقر : 39
عدد  مرات الظهور : 1,363,690

عدد مرات النقر : 14
عدد  مرات الظهور : 1,364,214

العودة   منتديات احساس ناي > ۩۞۩{ القسم العام }۩۞۩ > الشخصيات التاريخية والشعوب

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 01-13-2024, 08:32 AM
حكاية ناي ♔ متواجد حالياً
Saudi Arabia     Female
SMS ~ [ + ]
لولا سعة الأمل لضاقت بنا الحياة
اللهم أيام كما نُحب و نتمنى ..♥️
Awards Showcase
 
 عضويتي » 16
 جيت فيذا » Sep 2022
 آخر حضور » يوم أمس (07:33 PM)
آبدآعاتي » 3,699,292
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »
 التقييم » حكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond repute
الاعجابات المتلقاة : 2249
الاعجابات المُرسلة » 783
مَزآجِي   :  08
?? ??? ~
لولا سعة الأمل لضاقت بنا الحياة
اللهم أيام كما نُحب و نتمنى ..♥️
?? ??? ~
MMS ~
 آوسِمتي »
 
افتراضي عبد السلام ياسين

Facebook Twitter


(4 ربيع الثاني 1347 هـ / 19 سبتمبر 1928 - 28 محرم 1434 هـ / 13 ديسمبر 2012) وبالكامل عبد السلام بن محمد بن سلام بن عبد الله بن إبراهيم المرشد العام ومؤسس أكبر الجماعات الإسلامية المغربية جماعة العدل والإحسان، وموظف سابق في وزارة التربية بالمغرب، ومدرس فأستاذ فمفتش ثم داعية إسلامي، اشتهر ياسين بمعارضته الشديدة لنظام حكم الملك الحسن الثاني عندما وجّه له سنة 1974 في أوج سنوات الرصاص رسالة نصح بعنوان الإسلام أو الطوفان.

ابنته هي الناشطة الإسلامية نادية ياسين. له العديد من المؤلفات في السياسة والدين.
النشأة
المولد والأسرة
كان مولده صباح يوم الإثنين الرابع من ربيع الثاني سنة 1347 هجرية الموافق للسابع عشر أيلول 1928م كان والده فارساً من فرسان قبيلة أيت زلطن ينتمي إلى أسرة شهيرة في الجنوب تدعى آيت بهي، وهي التي كان لها صيت وذكر في تاريخ المغرب، كان من رجال هذه الأسرة – وهم أشراف أدارسة أصلهم من ناحية بلدة تسمى أولوز بل من أشهرهم القائد عبد الله ولد بهي

الذي كانت له الرئاسة على اثنتي عشرة قبيلة وكان له أعمام وأقرباء رؤساء، فلما قتله السلطان محمد بن عبد الرحمن، ظلت الأسرة تحت وطأة الملاحقات.

كان والد عبد السلام يعمل فلاحاً ثم خرج من بلده حاحا مضطرّاً لِما كان يحيط به وبأسرته عامة من مؤامرات مخزنية - المخزن رمز للسلطة المستبدة في تاريخ المغرب - فقد أُخبر بأن القائد عزم على اغتياله فكان من أمره أن خرج اتقاءَ المكيدة، واستقر آخر الأمر في مراكش وتزوج على كِبَر وقد تجاوز الخمسين من ابنة عمومته الحاجة رقية بنت أحمد.

نشأ عبد السلام ياسين في بيئة بدوية وحضرية في آن واحد فعلى الرغم من إقامة الأسرة الصغيرة بمدينة مراكش، فقد كان اتصالها بالبادية مستمراً، وكان الطفل يتردد على البادية ويرى كيف يعيش الناس فيها قريبين إلى الفطرة، مندمجين في حياة منسابة لا تعوقها حواجز المدينة ومنغصاتها الاجتماعية وكان لاتصال الطفل بالبادية وأجوائها البيئية والاجتماعية، أبلغ التأثير في حياته.

كان عبد السلام ياسين وحيد والديه بعد وفاة أخته الكبرى ومع هذا وذاك، كان يكابد في طفولته أمراضاً كثيرة تركت جروحاً غائرة في أعطاف ذاته قال موضحاً:

عبد السلام ياسين نشأت في أمراض متعددة كثيرة في حضن أسرة بدوية التكوين على كل حال، قليلة الوسائل. كان التطبيب بالنسبة إليها أعشاباً من هنا وهناك، فمررت في طفولتي بأمراض شديدة.

عبد السلام ياسين

وعلى لسانه مرة أخرى تتدفق معاني الإيمان الراسخ في وجدان الطفولة حيث قال:

عبد السلام ياسين كان جَد والدتي من أمها جميعاً مؤذناً في قريته. فمنذ عقلتُ وأنشودة شلحيَّةٌ تداعِبُ أذني. لا يزال رَنينها في أسماعي إلى الآن. لا يزال حنان الأم ولُطفُ العناية ممتزجا بالنغمة والكلمة والوزن والإيقاع. سمعت الجدة من المؤذن، وسمعت الأم من الجدة، وسمعتُ ووَعيتُ.

عبد السلام ياسين
في المدرسة القرآنية

تعلم عبد السلام ياسين على يد رجل عالم مجاهد تعلم منه تعاليم الإسلام الأولى في حياته، وكان الرجل هو العلامة محمد المختار السوسي الذي كان يمتاز بالعلم والتقوى والاستقامة والصلاح والذي أسس بعد رجوعه من مدينة فاس مدرسةً في الحي ذاته الذي كان به بيت الطفل عبد السلام، فكانت محضناً لتعليم وتربية الشباب الذين كانوا يجمعون بين طلب العلم والدفاع عن استقلال الوطن.

كان الطفل عبد السلام يدرج مع الصغار بين أيدي تلامذة العالم السوسي، يلقنونهم كُنه العلم ويعلمونهم القرآن الكريم ثم شيئاً فشيئاً ومنذ السنوات الأولى صاروا يلقنونهم أيضاً مبادئ اللغة العربية فكان ذلك التكوين المزدوج يومئذ جديداً على الناس إذ المعهود أن المدرسة القرآنية لم تكن تلقن إلا القرآن الكريم حتى يحفظه المتعلم.

كتب عبد السلام ياسين لاحقاً موضحاً الأثر الخلقي والعلمي للعلامة السوسي:

عبد السلام ياسين قام في الحمراء على قدَم وساق، وأسس مدرسته بالرميلة، ودأَبَ على عقد لقاءاتٍ وندوات يتبارى فيها تلامذتُه وأصدقاؤُه في اقتطاف زهور جنانه الأدبية، ويُحْضِرُ الصبية من أمثالي دون السابعة ليُعَرِّضوهم في السنِّ الغضَّة لغيوثه الهامعات السواكب، وليعلموهُم بالمثال الحيِّ سَمْتَ المتخلقين بأخلاق الإسلام، حضرت مرة أو أكثرَ مجالسه في عرصَةٍ بظهر مسجد الكتُبية لا أذكرُ فلعل سني يومئذ دون السابعة فلم يبق في ذاكرتي إلاَّ سَمْتُ الفقيه في سلهامه الأبيض، وجدِّيّةِ ملامحه، ثم عَطفُه الرقيق علينا نحن الكتاكيت.

عبد السلام ياسين

انطبع في ذاكرة عبد السلام ياسين صورة الفقيه النظيف اللطيف البشوش، كما انطبع في عقله أن الفقيه شخصية ودود قال عبد السلام ياسين:«كنا نتحلق حول الفقيه صبية مَرِحين ضاحكين صارخين آبّانا! فيدخل الفقيه في اللعبة ويجيب آوْلِداتي! ولا أذكرُ هل كان يَنْفحنا أيضاً ببعض الحلوى ولعله كان يفعل رحمه الله وأغدق عليه من كرامته، ورحم تلامذتَه أساتِذتَنا البَرَرة. آمين.

»
التعليم

كانت علامات النبوغ والتفوق على موعد مع الغلام الذي ملأ صدره بآيات وسور القرآن العظيم، وهذب لسانه بقواعد اللغة العربية وصار يقرض الشعر وهو في سن الثانية عشرة. بدأ يتطلع بل يخطو خطوات حثيثة إلى الاستزادة من العلم مما دفع عمه سعيد إلى تأييده وحثه على ولوج معهد ابن يوسف - ذكر عبد السلام ياسين أن عمه سعيداً المتعلم الوحيد من بين أعمامه - هو الذي شجعه على الالتحاق بمعهد ابن يوسف لما رأى من حفظه للقرآن الكريم وإلمامه باللغة العربية، الذي كان معهدا دينياً تابعاً لجامعة القرويين وكان مديره العالم ابن عثمان ومراقب الدروس فيه العلامة بورقبة الذي استشهد عند الاستقلال.

كان على الغلام أن يَمثُل أمام لجنة امتحان لتحديد حصيلته من القرآن الكريم وحظه من اللغة العربية، ذكر عبد السلام«أن العالمين الجليلين امتحناه امتحاناً دقيقاً فتبين لهما أنه جدير بأن يطوي ثلاث سنوات من التعليم الابتدائي مرة واحدة، لينتقل إلى المرحلة الثانوية مباشرة.» في المعهد قضى عبد السلام نحو أربع سنوات متميزاً بين أقرانه بحكم ما كان يتمتع به من التمكن في اللغة العربية، ثم صار في نهاية تلك المرحلة منشغلاً بتعلم اللغات الأجنبية شغوفاً بقراءة ما يقع في يده من كتب ومجلات،

وهو حينئذ يخطو نحو التاسعة عشرة من عمره.

لما أكمل عبد السلام ياسين السنوات الأربع في معهد ابن يوسف بتفوق، تقدم لاجتياز مباراة توظيف المعلمين، فكان نجاحه فيها وسيلة متميزة للانفتاح على عالم جديد واستئناف مسيرة التعلم الذاتي، فقد وجد في الانتقال من مراكش إلى الرباط فرصة سانحة لتوسيع مداركه من خلال ما أتاحته له داخلية مدرسة مولاي يوسف من تعارف وتواصل وتلاقح مع تلاميذ قدموا من مناطق شتى خاصة في أوقات الاستراحة وقاعات المطالعة، فكان لعامل التنافس الأثر الأكبر في صقل قدراته ومعارفه، لم يمنعه إقباله القوي على تعلم الفرنسية من الاندفاع نحو تعلم لغات أخرى مثل الإنجليزية واللاتينية خاصة بسبب ما كان يشهده لدى التلامذة الآخرين المهيئين للتعليم الفرنسي من رعاية وتقدير الأجانب المستعمرين مقابل ما يلقاه التلامذة المعدون لتعليم اللغة العربية من احتقار واضح، ولما رحل صحبة والدته - في نهاية دراسة عبد السلام بمدرسة المعلمين سنة 1947 توفي والده - من مراكش إلى مدينة الجديدة ليباشر التدريس في مدرسة ابتدائية، واصل جهوده العلمية والتكوينية فتمكن من أن يطوي في سنوات قليلة جداً مراحل الدراسة في معهد الدروس العليا للدراسات الإسلامية في الرباط ثم ما لبث أن حصل على شهادة أهلته ليصير أستاذاً للغة العربية والترجمة بمراكش، فمفتشاً بالتعليم الابتدائي بعد ثلاث سنوات من التدريس.
العمل
جاء عهد الاستقلال عام 1956 فكان عبد السلام ياسين من أوائل الموظفين المغاربة الذين تسلموا مقاليد الأمور، وكانت له جهود حثيثة لدعم بناء المنظومة التعليمية بالمغرب وبلدان أخرى حديثة العهد بالاستقلال مثل الجزائر، كان يصل ليله بنهاره خاصة في مراحل اختيار المدرسين الجدد وتكوينهم، متحرِّياً النزاهة والصدق والصرامة في القول والعمل.

واستطاع عبد السلام ياسين أن يتولى عدداً من المناصب والمسؤوليات التربوية والإدارية بوزارة التعليم، نذكر منها:

مزاولة مهام التفتيش التربوي في السلكين الابتدائي والثانوي بأقاليم مختلفة.
ترؤس مؤسسات تكوينية تابعة للوزارة منها: مدرسة المعلمين بمراكش ومركز تكوين المفتشين بالرباط.
المشاركة والإشراف على دورات تدريبية بيداغوجية داخل المغرب وخارجه: فرنسا، أمريكا، لبنان، تونس، الجزائر.

كانت هذه الأنشطة والمسؤوليات مدخلاً لاكتساب خبرة غنية وفرت لياسين اطلاعاً واسعاً على الأمراض والأوبئة الاجتماعية والإدارية التي شرعت تنخر دواليب الدولة والمجتمع منذ مرحلة الحماية الفرنسية فكانت مظاهر المحسوبية والرشوة والانتهازية تعلن عن نفسها بأشكال وصور متعددة وفي مستويات مختلفة، مما جعل التميز الخلقي لشخصية ياسين ملفتاً في بيئته المهنية والاجتماعية إذ اشتهر بين الناس باستقامته وعدله وقوته في الجهر بالحق.

قال ياسين:

عبد السلام ياسين جاء الاستقلال فكنت من الرعيل الأول من الموظفين المغاربة الذين تسلموا مقاليد الأمور من الإدارة الفرنسية، وعندئذ تعلمت أيضاً من الواقع كيف كانت الحزبية والوصولية والمحسوبية والرشوة وكل هذه الأمراض التي استفحلت بعد الاستقلال إلى الآن استفحالاً عظيماً، كيف كانت بذور كل هذه الأمراض تكون استعداداً لما نحن فيه الآن من الويلات. جربت أول الاستقلال أن أكون الموظف المستقيم، وكانت لي سلطة على كل حال على معلمي اللغة العربية في مدارس الدار البيضاء ونواحيها. فكانوا يقولون يومئذ هذا عمر بن الخطاب جاءنا بالعدل، لأنني غيرت عادة نشأوا عليها، وهي أن الإنسان يتقدم في وظيفه - بل يدخل إلى الوظيفة أساساً - بالعطاء والرشوة. حفظني الله عز وجل طيلة حياتي إلى الآن وأسأله المزيد من الحفظ أن أقبل شيئاً من هذه المناكر، لا أذكر أنه كانت أية محاولة لإغرائي بالعطاء إلا مرة واحدة، جاءني رجل بدجاج وقال لي هدية، فعنفته تعنيفاً كثيراً، وأغناني عن تعنيف الآخرين ما كان يعرف عني – بحمد الله عز وجل - من الجدية، بل من الصرامة بل من الخشونة في حكم بعض الناس.

عبد السلام ياسين

وكتب عبد الغني أبو العزم وصفاً دقيقاً لشخصية عبد السلام ياسين حينما كان مديراً لمركز تكوين المعلمين بمدينة مراكش:

عبد السلام ياسين ويكفي أن أشير هنا إلى أن حضوره في أي درس من الدروس التطبيقية يعد يوماً أسود، كان دوماً ينشد النموذج الأعلى في أرقى مستوياته، ولا شيء غير ذلك، وويل لمن جاء لابساً الجلباب أثناء الدرس، أو غير معتن بمظهره وهندامه وربطة عنقه، ونظافة جسمه، فالمعلم كما كان يؤكد دوماً هو القدوة والمثال، لذلك كان حرصه شديداً أن نكون كذلك، كان المدير الواقف أمامنا يلبس كسوة أنيقة جداً، تميل إلى الزرقة، وربطة العنق تشد قميصه في أناقة صارخة، وتبدو عليه المهابة والوقار، وسيم ونحيف جداً كقضيب الخيزران، له شنب مرتب بعناية، ويلبس حذاء لامعاً، تطلع إلى محياه كل تلامذة الفصل، ينتظرون أول جملة ستخرج من فمه لالتقاطها، إلا أنه كان شحيحاً، إذ ظل صامتاً فترة طويلة مما جعلنا نتأمل شخصيته وقامته من الرأس إلى أخمص القدمين، وهو ما جعل الصورة التي رسمتها تنطبع في الذهن، تفرس في وجوهنا ما شاء الله، وكأنه يريد أن ينفذ إلى أعماق كل تلميذ ليكتفي بالتعرف على خباياه من خلال ملامحه دون غيرها، كانت نظراته نافذة وعميقة الدلالة، نظرات عالم نفس، مرب، يسعى لقراءة ما في نفوس متلقيه من خلال ملامحهم ويشعرهم في آن واحد بعمق نظراته، بعد الصمت الرهيب، بدأ السيد المدير يخاطبنا بصوت خافت جداً، يعلو قليلاً وسرعان ما يعود إلى خفوته، كمن يعزف قطعة صامتة على الكمان، يقف عند الوتر الحساس ليشد انتباهنا، تحدث أزيد من ساعة في كل شيء، لم يترك أي شاذة أو فاذة إلا وخاض فيها: النظام الداخلي للمدرسة، الدروس وحصصها وأوقاتها، الأكل والمبيت، ومغادرة المدرسة مرة واحدة في الأسبوع، وويل لمن سمحت له نفسه بأن يتسرب في أي وقت من الأوقات خارجها، كانت لهجة التهديد واضحة من خلال كلامه حول كل قضية من القضايا التي أثارها، وختم حديثه بالقول: لقد فرض علينا تكثيف سنتين دراسيتين في سنة واحدة، وعليكم تحمل ذلك، وعدم تضييع أي ساعة من ساعات الدرس، والالتزام بالنظام الداخلي التزاماً دقيقاً، واحترام مواعيد الدروس، وأخبركم منذ البداية وبوضوح تام لا غبار عليه بأنكم تحت حراسة مشددة، ويجب ألا يغيب عن ذهنكم لحظة واحدة أنكم غداً ستتحملون مسؤولية خطيرة وكبرى: تعليم وتربية أطفال المستقبل، وختم حديثه بالقول: أعتقد أني كنت واضحاً بما فيه الكفاية وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون. صدق الله العظيم. كانت هذه أول وجبة دسمة نتلقاها في أول يوم بمدرسة المعلمين، لم تشعرنا فقط بجسامة ما ينتظرنا، بل وضعت أمامنا ملامح شخصية قوية في تعابيرها، وألفاظها، وقوتها، وسلطتها، وهيبتها، على الرغم من نحافتها وخفوت صوتها، بعد ذلك جاء الحارس العام مرة أخرى يملي علينا البرنامج الأسبوعي بما في ذلك الدروس التطبيقية، وأسماء التلاميذ، وذكرنا بكل ما قاله السيد المدير، ولم يكتف بلفظ المدير هذه المرة، إذ أضاف اسمه الكامل: الأستاذ عبد السلام ياسين.

عبد السلام ياسين
اليقظة القلبية
قال ياسين:«ما منَّا إلا من كانت له في طريقه إشارات إلهية، وأسباب دبرها الله عز وجل الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء، كي تكون صُوى في طريقه.

» في سنة 1965 وفي غمرة التفوق المهني والارتقاء الاجتماعي، كان ياسين على موعد مع تحول كبير عبر عنه لاحقاً في كتاب الإحسان قائلاً:

عبد السلام ياسين كنتُ قد شارفت الأربعين عندما تداركني الرؤوف الرحيم بالمؤمنين بهَبة ويقظة، فهام الفؤاد، وغلب التفكير في المبدأ والمعَاد، فوجدتني محمولاً على الطلب مدفوعاً إليه. كيف السبيل إليك يا رب؟ وعَكفت على كتب القوم، فما منهم إلا من صرفني للبحث عن الرفيق قبل الطريق. بِمن أَستنجد يا رب غيرك؟ وشككت وترددت: أَهُو شرك مع الله؟ لكنني بَعد أن استغرقْت في العبادة والذكر والمجاهدة والتلاوة زماناً، تبيّنتُ أن طلب ما عند الله هو غير طلب وجه الله. الأعمال الصالحة إن كان فيها الإخلاص وقَبِلها الحنان المنان تُنيل الجنان. لكن أي شيء يرفعني إلى مقامات الإحسان وَفسحات العرفان؟ واشتد بي الأسى، وعِفْتُ نفسي، وتضرعت وبكيت عليه، هو الملك الوهاب. وأتحفتني ألطافُهُ بلقاء عارف بالله رباني صحبته أعواماً رحمه الله. وفَهمت منذئذ ما معنى كون الطريق مسدوداً، ولِمَ هذه السدود، وكيف اختراقها، وأين، ومتى، وأيَّانَ! لله الحمد والمنة، ولأهل الله الناصحين خلق الله، لا يخافون في النصيحة غير الله، ولا يرجون إلا الله، الشكر الخالص. لا إله إلا الله محمد رسول الله.

عبد السلام ياسين

وقد تحدث ياسين عن سيرة شيخه الحاج العباس بن المختار البودشيشي وشيخه من قبل السيد بومدين:

عبد السلام ياسين الحاج العباس رحمه الله ينتمي إلى أسرة قادرية يعني من أسرة تنتمي إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله، كان رجلاً فلاحاً، وكان فلاحاً ناجحاً في شبابه وكهولته الأولى، وأخبرني رحمه الله بأنه كان أبعد الناس عن الاهتمام بالسلوك الصوفي لأنه نشأ في الزاوية، كان أبوه وجده وجد جده والسلسلة طويلة، كانوا مشايخ طريقة، فكان هو يعرف أن الطريقة شيء ورث عن الأجداد وكفى، ولكنه التقى بشيخه وشيخنا جميعاً بالتالي السيد بومدين، وهو ابن عمه، وكان سيدي بومدين هذا رحمه الله رجلاً مقرئاً يقرئ القرآن، كان مدرراً، كان يعلم القرآن، لكنه أمضى حياة طويلة طويلة طويلة في البحث عن شيخ يربيه. فلما حصل على ما يصبو إليه الرجال رجع إلى بلدته، فيحكي لي الحاج العباس رحمه الله أنهم لما جاءهم هذا الرجل وهو ابن عمهم ظنوا أنه جاء ينافسهم في الطريقة، أنه جاء ليأخذ زمام الزاوية، لم يكونوا يفرقون بين رجل بحث حتى عرف الله وبين رجل ورث عن آبائه طريقة فهو يعطي أورادا هكذا.

فبصحبته لهذا الرجل اكتشف شيئا فشيئا أنه لا بد له أن يبحث عن شيخ يربيه، وهذا الرجل ابن عمه كان رجلاً عرف الله عز وجل فهو مؤهل لكي يأخذ بيده، فلجأ إليه وطلب إليه الصحبة فكان ما كان، وقبيل أن يتوفى الله أبا مدين عهد إلى الشيخ العباس من بعده أن يكون قدوة لمن يريدون السلوك إلى الله سبحانه وتعالى.


عبد السلام ياسين

ظل ياسين يذكر نعمة الله وفضله:«ذهبت عند شيخي رحمه الله، السيد الحاج العباس القادري البوتشيشي، فأعتبر أن لقائي به كان ميلادي الحقيقي بعد الميلاد الجسمي، والميلاد الجسمي يشترك فيه الإنسان والحيوانات، لكن ميلاد الروح هو الشيء الذي يميز الإنسان الحق، الإنسان الموعود بالكرامة من الله عز وجل من غيره،
وجدت أن الحق مع الصوفية كما وجده الغزالي؛ ولا أقف لأعتذر وأتواضع وإنما أذكر نعمة الله عليّ، وما وهبني من رحمة، وما علمني من علم بصحبة أهل الله، فله الحمد والشكر، شكراً يزيدني به علماً ورحمة. وأذكر نعمة الله عليَّ في الملإ لأنه وهبني بعد وفاة شيخي منذ ثلاث سنوات ما يقصده المريدون من الصحبة.

»
مغادرة الزاوية البودشيشية
لبث عبد السلام ياسين في حضن الزاوية البودشيشية القادرية مدة ست سنوات في صحبة الشيخ الحاج العباس بن المختار وابنه الشيخ حمزة من بعده، ليغادرها بسبب ما بات يلاحظه من مؤشرات تحول قال عنه واصفاً ومبيناً:«﴿وَكُنْت عليهم شهيدا﴾ أستشهد بهذه الكلمة كلمة سيدنا عيسى عليه السلام وأتمثل بها، ﴿وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد﴾ كانت علاقتي بالمريدين علاقة محبة، وكانت النيات الطيبة وكانوا من الناس الأخيار. لكن هذا الشيء الذي يتهدد كل سالك لطريق الله، وهو ظهور الأحوال والمشاهدات والكرامات والأشياء التي طالما نبه عليها كُمَّل المشايخ، قالوا هذه الأشياء تلهي عن الله عز وجل وتحجب عن الله عز وجل، فلعل بعض المريدين يظهر لهم نورانية أو مكاشفة فيقول أنا وصلت، أنا أصبحت من الواصلين فيقف، عندئذ خسر الدنيا والآخرة.

»

بات ياسين يشعر بالحاجة إلى إصلاح أحوال أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يقتضي ضرورة الجمع بين التربية والجهاد، وتجاوز حدود الخلاص الفردي كما رسمته قواعد السلوك الصوفي إلى الخلاص الجماعي للأمة.
قال ياسين:«أذكر أنني عندما كتبت «الإسلام بين الدعوة والدولة» كتبت فيه لقاءات بين رجال الدعوة ورجال الدولة، وكان في تفكيري يومئذ أن هؤلاء الحكام الجبابرة يمكن أن يستفيدوا لو فعلوا مثل ما فعل من ذكرتهم، أظن خمسة أمثلة في التاريخ من الرجال، صحبوا أفاضل من العلماء والمشايخ المُربين، فبعثت نسخة إلى القصر الملكي بل حملتها بنفسي إلى الديوان الملكي، نسخة من «الإسلام بين الدعوة والدولة» وبالطبع هذا بقي في سلة المهملات.

»
الإسلام أو الطوفان
ثم كانت رسالته الناصحة إلى ملك المغرب الحسن الثاني تحت عنوان الإسلام أو الطوفان هي الحد الفاصل بين مرحلة ومرحلة في حياة ياسين، ومع هذا كان انفصاله عن الزاوية برفق وحكمة؛ فقد انتقل من مدينة الرباط – لأسباب صحية - إلى مراكش، فكان مجرد انتقاله انقطاعاً عن الزاوية، دون أن يعلن أنه انقطع أو أنه يريد الانقطاع، ثم بعد ثلاثة أشهر خرج كتاب الإسلام أو الطوفان في شتنبر 1974 قال ياسين:«كان انفصالي عن الزاوية انفصالاً ليناً ولطيفاً عندما كتبت رسالة «الإسلام أو الطوفان» لم أستشر فيها أحداً من أهل الزاوية بتاتاً، فلما خرجت من الزاوية اعتبروها هم وثيقة انفصال، وكانت واقعياً انفصالاً جذرياً على مستوى الفكر، وعلى مستوى الموقف السياسي، وعلى كل مستوى؛ فهمي للحاضر والمستقبل والماضي وانتهى الأمر.

»

ولما كان ياسين يخشى على إخوته في الزاوية بأس السلطة السياسية، فقد كتب رسالة محبة وتبرئة إلى الشيخ حمزة قال فيها:«لما عزمت على أن أقول كلمة حق عند سلطان جائر، فأكون مع سيد الشهداء إن شاء الله، خشيت أن ينالهم سوء بموقفي هذا، فكتبت رسالة إلى الشيخ سيدي حمزة قلت له: يا أخي، إنني كنت في الزاوية .. أحسن الله إليكم، وأنا أخاف أن تؤذوا من جانبي، فأنا أقول لكم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

»
الدعوة والسياسة

أفصح عبد السلام ياسين عن الهموم التي أضحت تراوده وتشغل باله شيئاً فشيئاً من كتاب الإسلام بين الدعوة والدولة إلى رسالة الإسلام أو الطوفان:

عبد السلام ياسين كان حزني على ما يعيثه المُفسدون في الأرض من فساد، كان هذا شيئاً يسكن كياني منذ سنوات، عندما دخلت إلى طريق الشيخ كنت خلياً من هذه الأشياء .. لم أكن أحمل إلا هم نفسي فقط فقط .. لا يهمني شيء آخر .. لكن لما استنار قلبي – ولله الحمد أذكر نعمة الله علي - صرت أشعر بقوة تزداد على مر الأيام بأن من واجبي أن أقول كلمة حق عند سلطان جائر، لا أقول إنني فكرت في هذا سنوات لكن شهوراً، فاستقر أمري على كتابة هذه الرسالة.

عبد السلام ياسين

كانت الرسالة قوية المعنى والمبنى بالنظر إلى الشروط السياسية المُميزة للمرحلة وإلى المضامين التي جاءت بها، أما الظروف العامة التي اكتنفت الحدث فقد صارت معروفة اليوم بسنوات الجمر والرصاص حيث كان الصراع السياسي على أشده بين أقطاب الحقل السياسي؛ المؤسسة الملكية والجيش والمعارضة الاشتراكية، وكانت اللغة السياسية المهيمنة موسومة بالعنف والاتهام والتخوين بسبب عوامل البغي والاضطراب الاجتماعي والسياسي، ومن جملتها المحاولتان الانقلابيتان ضد الملك، حيث تمت محاولة الانقلاب الأولى بالقصر الملكي بمدينة الصخيرات يوم 10 يوليو 1971 بتخطيط من بعض الجنرالات، وبالأخص الكولونيل امحمد اعبابو قائد مدرسة أهرمومو العسكرية والجنرال محمد المذبوح، أما المحاولة الثانية فقد جرت بتخطيط من وزير الدفاع الجنرال محمد أوفقير يوم 16 أغسطس 1972 وبمشاركة أفراد من سلاح الجو الذين هاجموا طائرة الملك القادمة من برشلونة.

وأما مضامين الرسالة التي تجاوزت المائة صفحة، فقد نصح بها ياسين الملك الخائف من ضياع ملكه نصيحة واضحة فصيحة كشفت الوجه الجهادي للرجل الخارج تواً من زاوية صوفية محملاً بروحانية الذاكرين المُتبتلين، كانت النصيحة تدعو الملك إلى التوبة والرجوع إلى الإسلام وشريعته مقترحة نموذجاً تاريخياً هو الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز وموضحة مجموع الخطوات العملية التي يتعين على الحاكم أن يبرهن بها لله ولشعبه على صدق الذمة والقول.

كتب ياسين في مقدمتها مخاطباً الملك:

عبد السلام ياسين رسالتي إليك ليست ككُل الرسائل؛ إنها رسالة تفرض الجواب عنها فرضاً، وحتى السكوت عنها جواب بليغ، إنها رسالة مفتوحة حرصت أن تحصل في أيدي الأمة قبل أن تصل إليك منها نسختك، لعلك تقرأها كما يقرأ المُلوك رسائل السوقة، وعهدنا بالملوك التيه والفيش، لكنك لن تملك إلا أن تجيب عنها بعنف السلطان وجبروته، حين ترفض الوضوح الذي تتسم به النصيحة التي تحملها إليك وإلى المسلمين عامتهم وخاصتهم أو تجيب عنها بالإخبات إلى الله والرضوخ للحق إن دعاك لذلك النسب الذي شرفك الله به، أوتداركك الله سبحانه وتعالى بنور يقذفه في قلبك تميز به الحق والباطل، وتسمع به الكلمة الطيبة التي جاءك بها بشير هذه الصفحات التي ما خططت فيها حرفاً إلاّ ابتغاء رضى الله ربي لا عدواناً ولا كيداً والله حسبي منك ومن العالمين.

عبد السلام ياسين
في المعتقل مع المرضى والمجانين

كانت الرسالة موسومة بالوضوح في المضمون والجرأة في الخطاب، كما كانت موجهة للرأي العام إذ لم تكن النسخة الواقعة بيد الملك سوى واحدة من ضمن عشرات النسخ التي أرسلت إلى العلماء والمثقفين والوجهاء، لكل هذه الأسباب تلقى الإمام ياسين مكافأة مباشرة تمثلت في اعتقاله مدة ثلاث سنوات وستة أشهر دون محاكمة، قال ياسين:

عبد السلام ياسين كانت سنة 1394 هـجرية الموافق 1974 ميلادي كتبت فيها رسالة الإسلام أو الطوفان وتعلمون ما حدث بعد ذلك من اعتقال، سنة ونصف منه في مستشفى الأمراض الصدرية وسنتان في مستشفى الأمراض العقلية وكان لأخوي الكريمين سيدي محمد العلوي وسيدي أحمد الملاخ الفضل في طبع كتابي الإسلام أو الطوفان ونشره، وقد أديا إثر ذلك في يد الشرطة ما قدر الله لهما من البلاء، فقد أوذيا أذى كثيراً يكفي أن تعلموا أنهما أمضيا خمسة عشر شهراً على الأرض، وفي البرد الشديد، يأكلان الخبز اليابس الملطخ بالبترول، والعدس الممزوج بالحصى، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

عبد السلام ياسين

وكان في طي هذه المحن منحٌ ربانيةٌ كا قال ياسين:

عبد السلام ياسين فترة الاعتقال الأولى في سنة 1974م [1394هـ] كانت فترة هدوء وتأمل وتفكير في الظاهر وفترة ذكر عميق وفترة خلوة، كانت هي من أسعد فترات خلوتي، لا أقول أسعد فترات حياتي، كانت من أسعد فترات خلوتي، فكانت السنوات الثلاث والنصف مناسبة لملازمة الأذكار، ولمراجعة ما كان فُقد من القرآن الكريم، كان هذا أهم شيء مَن به الله علي في ذلك الوقت، استرجعت القرآن وأعدت حفظه، وكان سهلاً على كل حال لأني حفظته منذ الصبا، فاسترجعت القرآن استرجاعاً جيداً ولله الحمد، وقرأت أيضاً كُتباً، كانت فترة ذكر في كلمة واحدة.

عبد السلام ياسين

ورغم أثقال الظُلم والتضييق أثناء مدة الاعتقال، فقد تمسك ياسين بسبيل الإلحاح في الدعوة والنصيحة، فأعاد الكَرَّة في سنة 1976 بكتابة رسالة ثانية (Lettre au Roi) عسى أن تكون لغة موليير، التي يتقنها الملك، جسراً يسعفه في تبليغ كلمة الدعوة الصادقة، لكن مصيرها كان الإهمال والتجاهل.
من المعتقل إلى دعوة الناس مرة أخرى

خرج ياسين من محنة الاعتقال في ذكرى المولد النبوي 12 ربيع الأول 1398 هجرية الموافق لـ 20 فبراير سنة 1978 ميلادية، فاستأنف جهوده في الجهر بالحق وإسداء النصح، وواصل مسيرة الدعوة قولاً وفعلاً، مجاهداً صابراً ومخططاً لمستقبل العمل الإسلامي، وكانت أولى الخطوات ولوج المسجد بمدينة مراكش لمخاطبة الناس بالكلمة الواعظة المذكرة بالله عز وجل وباليوم الآخر، الداعية إلى وجوب العمل لخدمة رسالة الإسلام، فكان المنع هو موقف السلطة السياسية وأجهزتها الأمنية.

كان المنع والتضييق على دعوة ياسين مجالاً جديداً لاختبار قدرته على الثبات:

عبد السلام ياسين كان اتصالنا بالناس عسيراً جداً، فكان الناس يهربون منا، وكنا نتودد إليهم ونتقرب فيزداد هروبهم وخوفهم، أذكر أنه في رمضان الذي تلا خروجي من المعتقل، دخلت المسجد لألقي فيه دروساً، وكان معي سبعة أو ثمانية من الإخوة منهم أحمد الملاخ وإبراهيم مزين وعبد الكريم الهلالي، بعد الجلسة الثالثة استدعاني قائد السلطة المحلية وأبلغني أن عامل الإقليم أمر بالتوقف، فعبرت عن رفضي لقراره الجائر، وفي اليوم التالي أخبرت الناس، وكانوا بدأوا يجتمعون علي، أنني أُمرت بالتوقف وتلوت عليهم قول الله تعالى (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها. أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين. لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم) فانفعل الناس قليلا لأن صحبتنا لم تتعد يومين كان الوداع في ثالثهما.

عبد السلام ياسين

التحق بعض الناس بعد ذلك باسين في بيته بحي الداوديات حيث يقدم دروساً تربوية وتوجيهية يحثهم فيها على العناية بالقرآن الكريم وذكر الله تعالى، كما أصبح بيته قبلة للزائرين الذين كانوا من فئات وشرائح اجتماعية متنوعة، ومن مدن أخرى كالدار البيضاء، وكان بعضهم من أبناء الحركة الإسلامية وقيادييها.
مجلة الجماعة
أمضى ما يقارب السنتين في حركة دعوية نشيطة، كان منها إصدار مجلة الجماعة وبلغت أعداد المجلة ستة عشر، صدر العدد الأول منها سنة 1399 هـجرية الموافق لسنة 1979 ميلادية، في حين كان صدور العدد الأخير سنة 1406 هـجرية الموافق لسنة 1985 بتاريخ النصارى - صدرت المجلة في شهر مارس 1979 لتكون منبراً للدعوة الحاملة لنداء الحق المتفاعلة مع هموم المسلمين المستضعفين حيثما كانوا، قال ياسين:«هذه مجلتكم أيها المؤمنون المقبلون على الله الملتزمون بالإخاء والجهاد، والقضية قضيتكم، غير أننا لا نحب أن ننشر الكلمات الخجولة ولا التي تمت بصلة للذهنية المصطنعة، نحب الفكر الهادف الذي ينم عن إرادة ويخاطب الهمم لارتياد التجديد واقتراح الحل الإسلامي لمشاكل أمتنا الإسلامية الكئيبة بما يفرض عليها من استسلام في وجه الصهيونية وقوى الجاهلية، وانحدار في مهاوي التخلف الاقتصادي والنظام الاجتماعي والإلحاد.

»

اعترض مجلة الجماعة منذ عددها الأول كثير من العراقيل وصنوف التضييق، قال ياسين:«صدر العدد الأول من هذه المجلة بعد سنة من المحاولات أعاقتنا فيها عن الظهور عراقيل إدارية مقصودة ثم إعراض المطابع عنا، وصدر العدد الأول وعلى وجهه ندب الأغلاط المطبعية كأنما يصرخ بيتم الكلمة الإسلامية في سوق الكلام وبقلة النصير.

» كان صوت الدعوة الجديدة ينفذ من أبواب المجلة وسطورها جمع حولها قلوب وعقول كثير من الناس، منهم المُدرس والطالب، فبدأ بعضهم يتواصل مع مدير المجلة عبر رسائل البريد، وسارع بعضهم إلى زيارته في بيته، بينما تطوع آخرون بتوزيع نسخ من أعدادها في مراكش والمدن الأخرى، واستمراراً في طريق الدعوة إلى الله وحرصاً على دخول مياه جديدة انتقل ياسين من مدينة مراكش إلى مدينة سلا المجاورة للعاصمة الرباط حيث يجتمع المثقفون والسياسيون وتنشط الآلة الإعلامية ويتخذ القرار، بذل جهداً تواصلياً ودعوياً خاصاً وعاماً، كان من جملته المشاركة في الحلقات التي كانت تعقد بدار الدعوة بمدينة الرباط، ومحاضرته الشهيرة حوار مع النخبة المغربة التي ألقاها باللغة الفرنسية بطلب من جمعية شبابية في الرباط كان يرأسها الدكتور زكي مبارك.
العمل الإسلامي
محاولة توحيد العمل الإسلامي
كان عبد السلام مقتنعاً بضرورة السعي لتوحيد جهود العاملين للإسلام في المغرب، فكان أن قاد عملية التواصل والحوار مع ثلة من الإسلاميين وفي الشهادة التالية إضاءات لبعض معالم تلك المرحلة:«كنا نتورع من زيادة الشق في الصف الإسلامي، وكان منشقاً بالفعل، فلذلك قررنا أن نزور بعض العاملين في حقل الدعوة ندعوهم إلى توحيد العمل. كانت هذه مثالية دمنا فيها وعشنا فيها سنة ونصفاً، اجتمعنا مع العاملين في الحقل الإسلامي، وكنا نقدم أنفسنا على أننا شيء سائل لا وجود له ولا يحب أن يتجمد في تجمع وفي تنظيم.

» ظل ياسين معترفاً بما كان لدى بعض المحاورين من حرص أكيد على توحيد جهود العمل الإسلامي وإمكاناته في بلاد المغرب وهو الاعتراف الذي يكشف جانباً من أخلاقه خلق الاعتراف بفضل الناس.
بناء جماعة العدل والإحسان
المرحلة الأولى: تأسيس أسرة الجماعة
لم تجد مبادرة الحوار والتنسيق والتوحيد التي قادها باسين رفقة عدد من إخوانه، الاستجابة المأمولة فتوجه إلى إعلان تأسيس أسرة الجماعة سنة 1401 هـ / 1981 لتكون جزءاً من دوحة العمل الإسلامي الناهض من جديد، فكان القرار الموفق ببدء مرحلة جديدة قال عنها ياسين:«وقد آن أن ننزل إلى أرض العمل المُنظم بعد أن مارسنا جهاد الكلمة وحدها ما شاء الله.

» كانت مجلة الجماعة نواة اجتمع حولها الرجال والنساء، وكانت لساناً ناطقاً ومعبراً عن مواقف الدعوة الناشئة مثلما كانت صحيفتا الصبح والخطاب، وقد لقيت كلها الحظ الوافر من التضييق والمنع والمصادرة.

بذل ياسين جهوداً كثيرة في بناء نواة الجماعة وتربية رجالها ونسائها على خصال الإيمان والعمل والجهاد مع العناية باعتماد إطار قانوني للعمل الإسلامي - في أبريل 1983 قام ياسين بإيداع القانون الأساسي لجمعية الجماعة الخيرية لدى الإدارة المختصة بمدينة الرباط - ورغم تعسف أجهزة السلطة بالتماطل في قبول ملف التأسيس القانوني لجمعية الجماعة الخيرية فقد واصل ياسين بمعية إخوانه مسيرة بناء أسرة الجماعة، بناء متكامل الحلقات والمجالات التربوية والتكوينية والتنظيمية.
مجال التربية الإيمانية

تتنزل التربية الإيمانية منزلة مركزية في المنهاج النبوي - وهو ثمرة الاجتهاد الفكري لياسين – إذ كان اهتمامه بها واضحاً في جميع مراحل بناء الجماعة عبر تثبيت الجلسات التربوية الأسبوعية، والرباطات الدورية المخصصة للعبادة والتزود بالعلم (الصلاة والصيام والذكر وتلاوة القرآن الكريم) كما كان ياسين مواكباً للسير التربوي داخل الجماعة، حريصاً على المعالجة الحكيمة للاختلالات التربوية لبعض الأعضاء، سواء أكان ذلك على مستوى التصور أم على مستوى السلوك، وفي هذه المرحلة التأسيسية أقيمت ثلاثة رباطات قُطرية بمنزل الأستاذ محمد العلوي في مدينة مراكش:

الرباط التربوي الأول: عقد في العطلة الشتوية سنة 1982 مدة ثلاثة أيام، وحظي بزيارة الإمام ومجالسته للمؤمنين المرابطين.
الرباط التربوي الثاني: عقد في العطلة الربيعية سنة 1983 مدة ثلاثة أيام، وحظي هذا الرباط كذلك بزيارة الإمام وتوجيهه وإرشاده.
الرباط التربوي الثالث: عقد في العطلة الشتوية سنة 1983 وأثناء انعقاده تم اعتقال الإمام من بيته بمدينة سلا.

وبعد دخول اياسين السجن أصبح أعضاء الجماعة في كل مدينة حريصين على عقد رباطاتهم الخاصة.
مجال التحصيل العلمي والتكوين الفكري

بموازاة هذه الرباطات التربوية أكد ياسين على ضرورة العناية بالتحصيل العلمي والتكوين الفكري فعملت مؤسسات الجماعة على تنظيم لقاءات خاصة نذكر منها:

الرباط التكويني في المنهاج النبوي: أعقب اعتكاف شهر رمضان صيف 1982 بضيعة السيد إبراهيم الشرقاوي بمدينة الصخيرات، مدته ستة أيام لكل فوج من الأفواج الستة.
الرباط التكويني في المنهاج النبوي لمدة خمسة عشر يوماً صيف سنة 1983 أعد مضامينه التكوينية الأستاذان أحمد الملاخ ومحمد بشيري واستفادت منه مجموعتان.

وحظي الرباطان معا بزيارة ياسين وتأطيره وتوجيهه.
مجال التدبير التنظيمي

أمران متلازمان في تربية ياسين لأبناء الجماعة وفي طرق تدبير أمورها وأنشطتها، أولهما تثبيت الأصول التربوية الإيمانية والخط السياسي، وثانيهما تفويض المسؤوليات التنفيذية حرصاً على إعداد القادة وتوسيع التشاور وتقاسم الأعباء التنظيمية والدعوية، وكان ياسين يرفض عضوية من يريد التربية الإيمانية فقط دون المشاركة في العمل الجماعي الجهادي، مثلما كان حريصاً على جميع أبناء الإسلام سائلاً عن أحوال من عرفهم أو زاروه، طالباً ممن يزوره من أبناء الجماعة أن يربطوا الصلة بهم.
إشراف ياسين على مجالس إيمانية تأسيسية

تابع ياسين المُرشد مهمته الدعوية بغرس المعاني الإحسانية في القلوب والحكمة الجهادية في العقول وإرادة الاقتحام في النفوس، فاتخذ خطوات بعقد مجالس منتظمة في بيته الذي لم يكن يخلو يوماً من زيارات فردية وجماعية، ليلاً ونهاراً، صيفاً وشتاء.

مجالس الثلاثاء

بدأت مجالس الثلاثاء سنة 1981 وتوقفت في 1983 وبعد أن دخل ياسين السجن قال للإخوة:«يمكنكم الاستمرار في عقد المجلس، لكنه عقد مرة واحدة فقط. كانت المجالس في البداية مفتوحة لأعضاء الجماعة ولأبناء الحركة الإسلامية الذين كان يخاطبهم بقوله: لا أريد أن تكونوا معي في الجماعة، ليس هذا هو القصد، ولكن أريد أن تنقلوا إلى إخوانكم هذا الخير، لقاء الله ومعرفة الله.

» كانت مجالس الثلاثاء مفتوحة بين العشاءين لجميع الزوار من أعضاء أسرة الجماعة وغيرهم، ثم بدأت تحدد معايير حضورها شيئاً فشيئاً، ولم تكن تتوقف إلا مع بداية العطلة الصيفية. وكان المرشد يقرأ مختارات من بعض الكتب في مواضيع ذكر الله والموت والدار الآخرة، وبعد ختم المجلس ينصرف الإخوة إلى بيت أحدهم حيث يتذاكرون في توجيهات الإمام ويقومون الليل ويذكرون الله ليتفرقوا بعيد شروق الشمس.

اللقاء الشهري

بدأ عقد هذا المجلس قبل دخول الإمام المرشد ياسين سجن لعلو في مدينة الرباط، واستمر بقوة وتنظيم أكبر بعد ذلك إلى مرحلة ما قبل فرض الإقامة الإجبارية، كان يحضره حوالي سبعين شخصاً من نقباء الشعب - نقيب الشعبة رتبة تنظيمية ومسئولية تربوية في تنظيم الجماعة - في أسرة الجماعة ومن علاهم في المسئولية التنظيمية ابتداء من صلاة مغرب يوم السبت إلى صباح يوم الأحد، كما كان المرشد يعقد لقاء مع أعضاء الجماعة في كل مدينة صباح الأحد، ويتابع سيرهم التربوي والدعوي ويناقشهم في كيفية علاج مشاكلهم وعوائقهم.

دروس المنهاج

هي أربعون محاضرة ثلاث منها قدمها ياسين في دار الدعوة بمدينة الرباط، ثم جاء قرار المنع والتوقيف فانتقل ياسين إلى بيته بمدينة سلا حيث حضر بعض الناس الذين تعلقوا بها، وقدم الدروس المتبقية باستثناء الدرس الأربعين الذي ألقي في رباط (مجلس إيماني علمي) بمراكش، قدم ياسين لهذه السلسلة بقوله:

عبد السلام ياسين إخوتي الأحبة، في مطلع هذه السنة الهجرية المباركة، في مطلع القرن الخامس عشر، في أول جمعة من هذا القرن، في اليوم السابع من شهر محرم الحرام سنة ألف وأربع مائة وواحد، نبدأ بحول الله معتمدين على عونه موافقين لتأييده ونصره، سلسلة من الدروس نتحدث فيها عن واقع المسلمين في الحاضر، ننظر فيها إلى ماضي الإسلام المجيد لكي نستشعر من هذا الماضي معاني الإيمان التي فقدناها، معاني الرجولة التي انجرفنا عنها، معاني الجهاد في سبيل الله الذي نكصنا عنه، معاني الإقبال على الله عز وجل وقد أعرضنا عنه.

ننظر إلى المستقبل بعين الذين ينتظرون أن يتحقق موعود الله، موعود الله لهذه الأمة أن يمكن لها الله في الأرض، وموعود الله للذين آمنوا أن يرضى عنهم ويدخلهم جناته في الآخرة بعد الموت. قال الله عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً﴾ هذا وعد الله في الآخرة للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويقول الله عز وجل: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً﴾ هذا موعود الله للذين آمنوا وعملوا الصالحات في الآخرة، هو جنات الفردوس خالدين فيها لا يبغون عنها حولا، وهذا وعد الله للذين آمنوا وعملوا الصالحات في الأرض، أن يمكن لهم ويستخلفهم في الأرض ويبدلهم من بعد خوفهم أمنا.




رد مع اقتباس
قديم 01-13-2024, 08:41 AM   #2


الصورة الرمزية اعشق ملامحك

 
 عضويتي » 33
 جيت فيذا » Nov 2022
 آخر حضور » يوم أمس (05:23 PM)
آبدآعاتي » 283,155
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه
جنسي  »
 التقييم » اعشق ملامحك has a reputation beyond reputeاعشق ملامحك has a reputation beyond reputeاعشق ملامحك has a reputation beyond reputeاعشق ملامحك has a reputation beyond reputeاعشق ملامحك has a reputation beyond reputeاعشق ملامحك has a reputation beyond reputeاعشق ملامحك has a reputation beyond reputeاعشق ملامحك has a reputation beyond reputeاعشق ملامحك has a reputation beyond reputeاعشق ملامحك has a reputation beyond reputeاعشق ملامحك has a reputation beyond repute
الاعجابات المتلقاة » 98
الاعجابات المُرسلة » 192
مَزآجِي   :
 آوسِمتي »

اعشق ملامحك متواجد حالياً

افتراضي



شكر جزيلا للطرح القيم
ننتظر المزيد من ابداع مواضيعك الرائعه
تحيتي وتقديري لك




رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أبو عبد السلام حكاية ناي ♔ الشخصيات التاريخية والشعوب 1 02-13-2024 12:23 PM
جسر السلام حكاية ناي ♔ السياحة والسفر 1 12-11-2023 03:06 PM
ياسين الطبطبائي حكاية ناي ♔ الشخصيات التاريخية والشعوب 1 10-21-2023 02:19 PM
حكم رد السلام؟ عازف الناي › ~•₪• نبضآت إسلآمِيـہ ~•₪• 1 01-12-2023 08:01 PM


الساعة الآن 07:48 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education
User Alert System provided by Advanced User Tagging v3.1.0 (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.