دروس وعبر من سير الصحابة الكرام (1)
إنَّ صَحابة رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - جيلٌ مِثاليٌّ، أكرَمَ الله به هذه الأمَّة، وهذا الجيل هو الذي بلَّغ الدُّنيا المعمورةَ دينَ الله، وهو الذي ثبَّت دَعائِمَه في دُنيا الواقع بعد وَفاةِ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يومَ أنِ ارتدَّ كثيرٌ من العرب، فكان أفراده أبطال حُروب الرِّدَّة وأبطال الفتوح.
إنَّه جيلٌ يصعُب تكراره، جيلٌ ربَّاه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فكانوا خيرَ الناس في عصرهم، وبقيَتْ آثارهم الطيِّبة بعد وَفاتهم، جيلٌ أثنَى عليهم ربهم في الكتاب الكريم، وأثنَى عليهم رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما صَحَّ من الحديث، فكان قرنهم خيرَ القرون.
عن عبدالله بن مسعود - رضِي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((خيرُ الناس قرني، ثم الذين يَلُونهم، ثم الذين يَلُونهم))؛ رواه البخاري برقم 2652، ومسلم برقم 2533، والترمذي برقم 3859، وابن ماجه برقم 2362.
لقد كانوا مُلهَمين مُسدَّدين، وكانوا مجاهدين صادِقين، وكانوا عُلَماء مُصطفين، وكانوا دُعاةً مُوفَّقين.
أين نجدُ في تاريخنا وتاريخ أُمَمِ الدنيا أمثالَ أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي وسعد وسعيد والزبير وأبي عبيدة وعبدالرحمن بن عوف وطلحة وغيرهم؟
أين نجدُ أمثالَهم في التاريخ القديم وفي التاريخ الحديث؟
ألا يحقُّ لنا - نحن المسلمين - أنْ نفتَخِر بهؤلاء الأبطال العظماء - رضي الله عنهم أجمعين - وإنِّي أرى أنَّ من الواجب على الدعاة إلى الله أنْ يعرضوا سير هؤلاء الرجال الأفذاذ بطريقةٍ جذَّابة، وبأسلوبٍ مُؤثِّر، وأنْ يعرضوها على الأجيال الناشئة من المسلمين؛ ليكونوا لهم قدوةً وأسوةً حسنة.
بل أنْ يعرضوها على الأمم بلغاتها المختلفة، وهذا من أيسر حُقوقهم علينا - رضي الله عنهم وأرضاهم - وهناك جهودٌ مشكورة في هذا المجال قام بها بعضُ أهل العلم في القديم والحديث، ولكنَّنا نريدُ منها المزيدَ بأساليب جديدة نثرًا وشعرًا وقصَّة.
ويُؤسِفني أنْ أُقرِّر أنَّ هناك ناسًا مجرمين خُبَثاء يدَّعون أنهم مسلمون محبُّون لآل البيت، وهم أبعَدُ ما يكونون عن الإسلام والأمانة التي دعا المسلمين إلى الاتِّصاف بها، وأبعد ما يكونون عن أخْلاق الإسلام، لقد جعَلُوا همَّهم الهجوم الظالم بالأكاذيب والافتراءات الباطلة على أولئك الصَّحْبِ الكرام البرَرَة، الطائفة المباركة الميمونة التي كانت زاخرةً بالأئمَّة الهداة والفرسان والعبَّاد وبالآمِرين بالمعروف الناهين عن المنكر، على هؤلاء المعتدين من الله ما يستحقُّون!
والحق أنَّ هؤلاء المجرمين لا يريدون النَّيْلَ من ذاك الجيل العظيم فقط، بل يريدون من وَراء ذلك هدمَ الدِّين الإسلامي العظيم.
ولكنَّهم لن يصلوا إلى مُرادهم؛ فإنَّ الله - تعالى - تولَّى حِفظ هذا الدِّين؛ قال - تعالى -: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون ﴾ [الحجر: 9].
وقال - سبحانه -: ﴿ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ [الأنفال: 30].
لقد اتَّهم هؤلاء المجرمون الصَّحابة - رضوان الله عليهم - بالكُفر بعد وَفاة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ﴿ سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 16]، ﴿ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا ﴾ [الكهف: 5].
إنَّ هذا الاتِّهام جريمةٌ كبرى؛ إذ فيه اتِّهامٌ للنبي المربِّي الأعظم يتَّهِمونه بأنَّه لم يُحسِن التربية، كيف يربِّي قومًا زمنًا طويلاً ثم عندما سمعوا بوَفاته ارتدُّوا على أعقابهم كفارًا، كفروا عن بَكْرةِ أبيهم إلا نفرًا قليلاً؟!
كيف يَرضَى مسلم أنْ يُسِيء إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بهذه القولة الظالمة الفاجرة الكاذبة؟!
كيف يرضى مسلم أنْ يُسِيء إلى زوجاته - صلَّى الله عليه وسلَّم - الطاهرات أمَّهات المؤمنين؟ رضِي الله عنهنَّ وأرضاهنَّ.
إنَّ هؤلاء الذين يقفون هذا الموقف الخسيس من الصحابة ومن أمَّهات المؤمنين قومٌ هدَّامون، يجبُ أنْ تعرف الأمَّة حقيقتهم ومَقاصدهم، وأنْ تحذَرَ كيدهم ومَكرَهم.
إنَّهم يلعَنُون الصحابة، قاتَلهُم الله أنَّى يُؤفَكون، ولا سيَّما الشيخان - رضي الله عنهما - بل إنهم يُمجِّدون المجوسي قاتِل سيدنا عمر أمير المؤمنين، وبلغَنِي أنهم أقاموا له مَقامًا في إيران تعظيمًا له.
وقد تفاقَمَ خطَرُهم الآن في بلاد أهل السُّنَّة في العراق والشام ولبنان.
نسأل الله أنْ يدفَع شرَّهم عن المسلمين.
وللحديث صلةٌ، والحمدُ لله ربِّ العالمين.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|