أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم
إنَّ واصفي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم من الصحابة كثيرون، مثل: علي بن أبي طالب، وعائشة أم المؤمنين، وأنس بن مالك، وأبي هريرة، وهند بن أبي هالة، وغيرهم.
فكلُّهم وصَف رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وكلهم صادِق في وصفه، فالكلُّ متَّفق بعضهم مع بعض في ذِكرهم أوصافَه، ولكن الأمر الجليل أنَّ عددًا من الصحابة لم يَستطيعوا ذِكر أوصاف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس لِقصورٍ في بلاغتهم، أو عيب في بيانهم، ولكن لأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهابة بحيث لم يَجرؤوا على إطالة النَّظر في وجهه الكريم؛ فهذا عمرو بن العاص يقول: "ما كان أحد أحبَّ إليَّ مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أجل في عَيني منه، وما كنتُ أُطيق أن أملَأ عيني منه إجلالًا له، ولو سُئلتُ أن أصِفه ما أطقتُ؛ لأنِّي لم أكن أملأ عيني منه".
وبعد أن استقرأتُ بعضَ أقوال مَن وصفوه صلى الله عليه وسلم من الصَّحابة رضي الله عنهم، أستطيع أن أقدِّم لك أخي القارئ بإيجاز غير مخلٍّ أوصافَ رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أجمَع عليها كلُّ مَن شاهده من صَحابته الأبرار رضي الله عنهم على النحو التالي:
• لونُه صلى الله عليه وسلم أبيض مشرب بحُمرة، ليس بنَحيل ولا سمين، أحسن الناس قوامًا، وأحسنهم وجهًا، وأحسنهم لونًا، وأطيبهم ريحًا، وأقواهم حواسَّ، ليس بالطويل البائن ولا بالقَصير، وكان إلى الطُّول أقرب، لم يماشِ أحدًا من الناس إلا طاله، إذا جلس يكون كتِفه أعلى من الجالس، طوله وعرضه متناسبان على أتمِّ صِفة.
• ضخم الرأس، كثير الشَّعر، كان شعره يصِل إلى أنصاف أُذنيه إذا قصره، وإذا غفل عن تقصيره وطال زمَنُ إرساله وصَل إلى منكبه، شعره ليس بالمنبسط المسترسل ولا بالمتكسر؛ بل بينهما، أحيانًا يرسله على جبهته، وأحيانًا أخرى يفرِّقه في وسط رأسه، ولا يترك منه شيئًا على جبهته، جبينه واسِع أملَس جلي، إذا طلع من بين شعره أو عند الليل أو طلع بوجهه على الناس، تراءى كأنَّه السِّراج المتوقد يتلألأ، حاجباه دقيقان طويلان ممتدَّان إلى آخر العينين، متقوسان ومتصلان اتِّصالًا خفيفًا لا يُرى لأحد إلَّا إذا دقَّق النظر فيهما، بين حاجبيه عرق يحرِّكه ويظهره الغضب، فكان إذا غضب امتلأ ذلك العِرق دمًا، فيظهر ويرتفِع، وكان لا يَغضب إلا لله، عيناه واسِعتان، شديد بياضهما، شديد سوادهما، لا يَغيب مِن سوادهما شيء، مشربتان بحُمرة من عروق حمر رقاق كانت في بياضهما، طويل شعر أجفانهما، كأنَّه أكحل العينين وليس بأكحل، أنفه معتدِلة حسَنة الطول، دقيقة الأرنبة، مرتفعة الوسَط، لها نور يَعلوها، خدَّاه أصلبان، قليل لحمهما، رقيق جلدهما، ليس فيهما نتوء أو ارتفاع، واسِع الفَم، رقيق الشفتين، أسنانه برَّاقة بيضاء، صافية محدَّدة، متباعدة ما بين الثنايا والرباعيات[1]، إذا تكلَّم رُئي كالنُّور يخرج من بين ثناياه، لا يضحك إلَّا تبسُّمًا، ريقه طيبة عذبة فيها الشِّفاء والرواء، والغذاء والبركة والنماء، لحيته كثيرة الشَّعر، سوداء مستديرة، ما بين ذَقنه وشفته السفلى بارزٌ ومرتفع، تحت شفته السفلى شعر منقاد على شعر اللحية كأنَّه منها، لم يبلغ شعره الأبيض في رأسه ولحيته عشرين شعرة، أكثرها في لحيته ما بين ذقنه وشفته السُّفلى، أمَّا شعره الأبيض في رأسه، ففي مَكان مَفرق رأسه.
• وجهه مُستدير، شديد الحسن، ظاهر الوَضاءة والإشراق، يتلألأ كما يَتلألأ وجه القمر ليلة البدر، يؤنس كلَّ مَن شاهده، إذا سُرَّ برقت أساريرُ وجهه، وهي الخطوط التي تكون في الجبهة، تام الأذنين، طويل الرقبة، طويل العنق؛ عنقه كالفضَّة في صفائها، إذا ظهر للشمس فكأنَّه إبريق فضَّة مشرب ذهبًا يتلألأ في بياض الفضَّة وحمرة الذهب، وإذا ابتعد عن الشَّمس فكأنَّه القمر ليلة البدر، عريض الكتفين، بَعيد ما بين المنكبين مما يدلُّ على سعة الصدر والظهر، على منكبيه شعر كثير، عند كتفه الأيسر خاتَم النبوَّة، وهو قطعة لَحم مرتفعة تشبه جسمه عليها نقط حمراء، قدر بيضة الحمامة، عريض الصَّدر، بطنه مستوٍ مَع صدره، لم يكن منتفخ الخاصِرة ولا نحيلها، موصول من أسفل الحلق إلى السرَّة بشعر يجري كالخطِّ، وليس على صدره وبطنه شعر سوى ذلك، إبْطاه بيض لا شَعر فيهما، ضخم الكفين، طويل الأصابع، طويل الذِّراعين عريضهما، عظام ساعديه وساقيه ممتدَّة ليس فيها نتوء، أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر، كفاه واسعتان ممتلئتان باللَّحم، أنعم من الحرير رغم ضخامتهما.
• ضخم القدمين ليِّنُهما، ليس فيهما تكسر ولا شقاق، غليظ الأصابع والراحة، سبَّابة قدمه أطول من سائر أصابعه، أسفل قدميه شديد التجافي عن الأرض، عقباه لحمهما قليل، قدماه تشبهان قدم سيدنا إبراهيم عليه السلام، كما هي آثارها في مقام إبراهيم، ساقه كأنَّها جمارة نَخل فيها دقَّة ولمعان، عَرَقه أطيب ريحًا من المِسك الشديد الرائحة، إذا صافَحه أحد ظلَّ طَوالَ يومه يجد ريحَه، كان عرقه في وجهه مثل اللُّؤلؤ، ومع هذا كان يَستعمل الطِّيبَ في أكثر أوقاته مُبالغةً في طيب ريحه لملاقاة الملائكة وأخذ الوحي ومجالسة المسلمين، في صوته بحة وحسنٌ وخشونة، إذا تكلَّم سما وعلاه البهاء، وإن صمَت فعليه الوقار، كلامه وسَطٌ ليس بالقليل ولا بالكثير، إذا مشى أسرع حتى يهرول الرجل وراءه فلا يدركه، فيه ميل للأمام إذا مشى كأنما ينزل من انحدار، إذا التفَتَ التفَت بجسمه كلِّه، أفصح العرب لسانًا، وأوضحهم بيانًا، وأعذبهم نطقًا، وأشدُّهم لفظًا، وأبْينُهم لهجة، وأقومهم حُجة، وأعرَفُهم بمواقع الخطاب، وأهداهم إلى طريق الصواب، من رآه هابه، ومن خالطه أحبَّه، يخاطب العربَ على اختلاف شعوبهم وقبائلهم، يخاطب كلًّا منهم بما يفهمون، ويحادثهم بما يعلمون، أوضح خلق الله إذا لفَظ، وأنصحهم إذا وعظ، لا يقول فحشًا، ولا ينطق هذرًا، كلامه كلُّه يثمر علمًا وحكمة، لا يتفوَّه بشرٌ بكلام أحكَمَ منه في مقالته، ولا أجزل منه في عذوبته، أحكمُ الخلقِ تبيانًا، وأفصحهم لسانًا، وأوضحهم بيانًا، ما ولدت العربُ فيما مضى ولا تلد فيما بقي أفصحَ منه. وصدق القائل:
خُلقتَ مبرَّأً من كلِّ عيبٍ *** كأنَّك قد خُلقتَ كما تشاءُ
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|