لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ تُشَد الرحَالُ إِلا إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هذَا، وَمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الأَقْصَى»[1].
تخريج الحديث:
الحديث أخرجه مسلم حديث (1397)، وأخرجه البخاري في "كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة"، "باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة"، حديث (1189)، وأخرجه أبو داود في "كتاب المناسك"، "باب في إتيان المدينة"، حديث (2033)، وأخرجه النسائي في "كتاب المساجد"، "باب ما تشد الرحال إليه من المساجد"، حديث (699).
شرح ألفاظ الحديث:
• ((لاَ تُشَد الرحَالُ)): الرحال جمع (رحل) وهو للبعير كالسرج للفرس، والمراد هنا السفر، عُبِّر عنه بشد الرحال؛ لأن من لوازم السفر في ذلك الوقت شد الرحال، وإلا فالمقصود السفر سواء بالرواحل أو السيارة أو القطار أو بطائرة، أو مشيًا على الأقدام إلا إلى ثلاثة مساجد.
• ((مَسْجِدِي هذَا)): مسجده - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة.
• ((َمَسْجِدِ الأَقْصَى)): هو مسجد بيت المقدس، وسُمي الأقصى لبعده عن المسجد الحرام والمسجد النبوي في المسافة، وإضافة الأقصى من باب إضافة الصفة إلى الموصوف.
من فوائد الحديث:
• الفائدة الأولى: الحديث دليل على فضيلة السفر إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسجد الأقصى؛ حيث خُصَّت من بقاع العالم بشد الرحال إليها تعبدًا.
• الفائدة الثانية: الحديث دليل على شرف هذه البقع الثلاث.
• الفائدة الثالثة: الحديث دليل على النهي عن شد الرحال لغير المساجد الثلاث، على اختلاف في التقدير هل المعنى: ((لاَ تُشَد الرحَالُ إِلا إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ))، أو ((لا تشد الرحال إلى بقعة إلا إلى ثلاثة مساجد))، والتقدير الثاني أعم وأشمل؛ لأنه يدخل فيه المساجد وغيره من البقاع، والمتأمل لحديث الباب يجد الاستثناء من قبيل (الاستثناء المفرغ، وهو ما حذف منه المستثنى منه)، والاستثناء المفرغ يُقدر بأعم العام كما ذكره ابن حجر - رحمه الله - وغيره، فالأظهر والله أعلم منع شد الرحال تعبدًا لكل بقعة سوى المساجد الثلاث، فلا تشد الرحال لا إلى الجبال ولا الأدوية ولا القبور وغيرها من البقاع على وجه التعبد، وليس منه شد الرحال لزيارة قريب أو طلب علم أو صلة رحم أو أخ له في الله، فكل هذا لا يدخل ولو أنها عبادات، بل جاءت الأدلة بمثلها والحث عليها، ووجه الجمع أن المنع هو شد الرحال إلى البقعة لا إلى سبب في تلك البقعة، والله أعلم، ففرق بين من يزور بقعة فيها قبر صالح، فهذا شد الرحال إلى بقعة، وبين من يزور قريب أو أخ في بقعة ما، لا لذات البقعة، وإنما من أجل القريب والأخ بدليل لو أنه تحول - القريب أو الأخ - إلى بقعة أخرى لم يكن للبقعة الأولى قيمة.
وهناك قول آخر: بأن شد الرحال إلى غير الثلاث مساجد لا يحرم، وعللوا ذلك بأن قوله: ((لا تُشَد الرحَالُ إِلا إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ))، نفي لا نهي، وأن المراد لا أفضلية تامة إلا لهذه المساجد، وهذا يمنع شد الرحال لغيرها مما هي دونها في الفضل؛ [ انظر شرح النووي لمسلم حديث (1397) ].
والأظهر والله أعلم أنه محمول على النهي، ويؤيد هذا ما جاء في موطأ مالك ومسند أحمد وسنن النسائي أن بصرة بن أبي بصرة الغفاري قال لأبي هريرة - رضي الله عنه - وقد أقبل من الطور: "لو أدركتك قبل أن تخرج إليه، لَما خرجت سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لا تُعمل المطي إلا إلى ثلاث مساجد المسجد الحرام ومسجدي ومسجد بيت المقدس))، وهذا صريح في النهي؛ [ انظر للاستزادة فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ص (271 – 272) والثمر المستطاب للألباني (554) وفتاوى اللجنة الدائمة فتوى رقم (8084) ].
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|