شرح حديث عبدالله بن عمرو: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"
عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المُسلِمُ مَن سَلِمَ المسلمون مِن لسانه ويده، والمُهاجِرُ مَن هجَرَ ما نهى الله عنه))؛ متفق عليه.
قال سَماحة العلَّامةِ الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -:
قال المؤلف رحمه الله فيما رواه عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المُسلِمُ مَن سَلِمَ المسلمون مِن لسانه ويده، والمُهاجِرُ مَن هجَرَ ما نهى الله عنه)).
والمسلم يُطلَق على معانٍ كثيرة: منها المستسلِم، المستسلِم لغيره يقال له: مسلم، ومنه على أحد التفسيرين قوله تعالى: ﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا ﴾ [الحجرات: 14]؛ أي قولوا: استسلَمْنا، ولم نُقاتِلكم، والقول الثاني في الآية: إن المراد بالإسلام الإسلام لله عزَّ وجلَّ، وهو الصحيح.
والمعني الثاني: يُطلَق الإسلام على الأصول الخمسة التي بيَّنها النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل حين سأله عن الإسلام، فقال: ((أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت)).
ويطلَق الإسلام على السلامة، يعني أن يَسلَمَ الناسُ من شر الإنسان، فيقال: أسلَمَ، بمعنى دخل في السَّلْم؛ أي: المسالمة للناس، بحيث لا يؤذي الناس، ومنه هذا الحديث: ((المسلم من سَلِم المسلمون من لسانه ويده)).
(سَلِم المسلمون من لسانه) فلا يسُبُّهم، ولا يلعنهم، ولا يغتابهم، ولا ينمُّ بينهم، ولا يسعى بينهم بأيِّ نوع من أنواع الشر والفساد، فهو قد كَفَّ لسانَه، وكفُّ اللسانِ من أشد ما يكون على الإنسان، وهو من الأمور التي تصعُب على المرء، وربما يستسهل إطلاق لسانه.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل: ((أفلا أخبرك بمِلاكِ ذلك كلِّه؟))، قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسان نفسه وقال: ((كُفَّ عليك هذا))، قلت: يا رسول الله، وإنَّا لَمؤاخَذونَ بما نَتكلَّمُ به؟! يعني هل نؤاخَذ بالكلام؟ فقال: ((ثكلتك أمُّك يا معاذ! وهل يكُبُّ الناسَ في النار على وجوههم - أو قال: على مناخرهم - إلا حصائدُ ألسنتهم؟)).
فاللسان من أشدِّ الجوارح خطرًا على الإنسان؛ ولهذا إذا أصبح الإنسان فإن الجوارح: اليدين والرِّجلين والعينين، كل الجوارح تُكَفِّرُ اللسانَ، وكذلك أيضًا الفَرْجُ؛ لأن الفرج فيه شهوة النكاح، واللسان فيه شهوة الكلام، وقلَّ مَن سَلِم من هاتين الشهوتين.
فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه؛ أي: كَفَّ عنهم؛ لا يذكُرُهم إلا بخير، ولا يسُبُّ، ولا يغتاب، ولا ينم، ولا يحرِّش بين الناس، فهو رجلٌ مسالم، إذا سَمِع السوء حَفِظ لسانه، وليس كما يفعل بعض الناس - والعياذ بالله - إذا سمع السوء في أخيه المسلم طار به فرحًا، وطار به في البلاد نشرًا - والعياذ بالله - فإن هذا ليس بمسلم.
الثاني: من سلم المسلمون من يده؛ فلا يعتدي عليهم بالضرب، أو الجرح، أو أخذ المال، أو ما أشبه ذلك، قد كَفَّ يده لا يأخذ إلا ما يستحقُّه شرعًا، ولا يعتدي على أحد، فإذا اجتمع للإنسان سلامةُ الناس من يده ومن لسانه، فهذا هو المسلم.
وعُلِم من هذا الحديث أن مَن لم يَسلَمِ الناسُ من لسانه أو يده، فليس بمسلم، فمن كان ليس لهم همٌّ إلا القيل والقال في عباد الله، وأكل لحومهم وأعراضهم، فهذا ليس بمسلم، وكذلك من كان ليس لهم همٌّ إلا الاعتداء على الناس بالضرب، وأخذ المال، وغير ذلك مما يتعلق باليد، فإنه ليس بمسلم.
هكذا أخبر النبي عليه الصلاة والسلام، وليس إخبار النبي صلى الله عليه وسلم لمجرد أن نَعلَم به فقط، بل لنَعلَمَ به ونَعمَل به، وإلا فما الفائدة من كلام لا يُعمَل به؟! إذًا فاحرص إن كنت تريد الإسلام حقًّا على أن يسلم الناس من لسانك ويدك، حتى تكون مسلمًا حقًّا.
أسال الله تعالى أن يكُفَّنا ويكُفَّ عنا، ويعافينا ويعفو عنا، إنه جواد كريم.
المصدر: «شرح رياض الصالحين» (2/ 511 - 513)
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|