من الشمائل والصفات المحمدية .. الأمانة
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مشهورًا من قَبل بعثته بأمانته الشديدة؛ حتى إنه كان يُنادى بالأمين.
فعند إعادة الكفار لبناء الكعبة، اختلفوا لما بلغ البنيان موضعَ الحجر الأسود فيمَن يَمتاز بشرف وضْعه في مكانه، واستمر النزاع أربع ليالٍ أو خمسًا، واشتدَّ حتى كاد يتحوَّل إلى حرب ضروس في أرض الحَرم، إلا أن أبا أمية بن المغيرة المخزومي عرض عليهم أن يُحكِّموا فيما شجر بينهم أول داخلٍ عليهم من باب المسجد فارتضوه، وشاء الله أن يكون ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما رأوه هتَفوا: هذا الأمين، رضيناه، هذا محمد[1].
ومن المواقف التي تَنطلِق من قاعدة الأمانة الإسلامية: استبقاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - لعلي بن أبي طالب في يوم الهجرة ليؤدِّي ما عنده من أمانات وودائع للناس رغم خروجه مضطرًّا مطاردًا، مع تآمر قريش عليه لقتله.
روى ابن هشام عن ابن إسحاق قوله: "ولم يَعلم فيما بلغني بخروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحدٌ حين خرج - أي للهجرة - إلا عليُّ بن أبي طالب، وأبو بكر الصديق وآل أبي بكر.
أما عليٌّ، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني أخبره بخروجه، وأمَرَه أن يتخلَّف بعده بمكة؛ حتى يؤدي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الودائع التي كانت عنده للناس.
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس بمكة أحد عنده شيء يخشى عليه إلا وضَعه عنده؛ لما يعلم من صدقه وأمانته - صلى الله عليه وسلم"[2].
فهذا مثال فريد في الأمانة في أحلكِ الظروف، فها هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مُعرَّض للموت، وتُحاك حوله مؤامرات وضيعة للنَّيل منه وقتله، وكان من قبل ذلك يعاني ويلات الاضطهاد على مدى ثلاثة عشر عامًا في مكة حتى هاجر أصحابه مخلفين وراءهم ديارَهم وأموالهم، ورُغم ذلك لم يفُتْهُ أن يرد أمانات هؤلاء المشركين التي أودعت عنده، ويستبقي ابن عمه وحبيب قلبه عليًّا - رضي الله عنه - ليردَّ الأمانات إلى أهلها.
ثم إن الناظر ليَعجب من وضْع المشركين لأماناتهم لدى النبي - صلى الله عليه وسلم - رغم ما بينهم من عداوة، ورغم زعمهم أنه كاذب فيما يدعيه من النبوة، في إقرار عمَليٍّ واضح منهم أنه - صلى الله عليه وسلم - أكثر الناس أمانة وصدقًا.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|