التواضع والزهد وعلو الهمة من دروس غزوة الخندق
لتواضع في هذه الغزوة:
• نزول النبي صلى الله عليه وسلم على رأي أصحابه، وأخْذه بالشورى، وكان لهذا بركة كبيرة؛ حيث جاء اقتراح الصحابي الجليل سلمان الفارسي بحفر خَنْدق في الجهة الشمالية من المدينة موفَّقًا لأبعد حدٍّ، وكان سببًا مباشرًا في ردِّ اعتداء الأحزاب على المدينة؛ حيث كان دخولهم إلى المدينة سيؤدي إلى إراقة الكثير من الدماء[1].
وكان من عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يَستشير أصحابه قبل الشروع في أي غزوة؛ تنفيذًا لأوامر الله - عز وجل - له بمُشاورتهم، وإقرارًا لمبدأ الشورى، رغم أنه صلى الله عليه وسلم كان أكمل الناس عقلاً، وأحسنهم رأيًا، إلا أنه لم يَنفرِد باتخاذ القرار.
ومن مواقف الشورى أيضًا في هذه الغزوة: مشاورة الرسول صلى الله عليه وسلم للسَّعْدَيْنِ (سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة) في مصالحة غطفان على ثلث ثمار المدينة[2].
• اشتراك الرسول صلى الله عليه وسلم في حفر الخندق بنفسه؛ قال البراء بن عازب: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق وهو يَنقُل التراب حتى وارى الترابُ شعرَ صدره، وكان رجلاً كثير الشعر"[3].
الزهد:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم أزهد الناس في الدنيا ومتاعها، تتطلَّع قلوبُهم للآخرة ونعيمها، ويَكتفون من الدنيا بأقل القليل، ومن المواقف التي تدل على زهْدهم في هذه الغزوة:
• قال أنس رضي الله عنه: "جعل المهاجرون والأنصار يَحفِرون الخندق حول المدينة وينقُلون التراب على متونهم، وهم يقولون:
نحن الذين بايَعُوا محمَّدا
على الإسلام ما بقينا أبَدا
قال: يقول النبي صلى الله عليه وسلم وهو يُجيبهم:
اللهمَّ إنه لا خير إلا خير الآخرَه
فبارِك في الأنصار والمهاجره
قال: يؤتون بملء كفي من الشعير فيصنع لهم بإهالة سنخة تُوضَع بين يدي القوم، والقوم جياع، وهي بشعة في الحَلْق ولها ريح مُنتِن"[4].
وقال جابر: "لما حفَر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الخندق، أصابهم جهد شديد حتى ربط النبي صلى الله عليه وسلم على بطنه حجرًا من الجوع"[5]، وفي رواية البخاري: "ثم قام وبطنه معصوب بحجر، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقًا"[6].
علو الهمة:
لقد كان المؤمنون أصحاب همم عالية، وعزائم شامخة، يكفي في الدَّلالة على ذلك حفرهم للخندق في وقت قياسي في ظروف شديدة الصعوبة.
كان الخندق يمتد من أم الشيخين طرف بني حارثة شرقًا حتى المداد غربًا، وكان طوله خمسة آلاف ذراع، وعرضه تسعة أذرع، وعمقه من سبعة أذرع إلى عشرة، وكان على كل عشرة من المسلمين حفر أربعين ذراعًا[7].
وقد تَمَّ الحفر في ظروف شديدة الصعوبة؛ فقد كان الجو شديد البرودة، عاصف الرياح، والمدينة قد أصابتها مجاعة[8]، وكان الجيش يلبث ثلاثة أيام لا يذوقون طعامًا، ورغم كل الظروف الصعبة تَمكَّن المسلمون من إنجاز الخندق في ستة أيام فقط[9].
لقد طغت الهمة العالية والعزيمة الصلبة المستمدة من الإيمان الراسخ على آثار الجوع القارص، والبرد العاصف، والتعب المضني.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|