﴿ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً ﴾ "لو" هنا للتمني، أي: ليت لنا كرة.
والكرة: الرجعة، أي: ليت لنا رجعة وعودة إلى الدنيا نحن وإياهم.
﴿ فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ ﴾ الفاء: للسببية، "ونتبرأ": مضارع منصوب بـ"أن" مضمرة بعد الفاء، كما في قوله تعالى: ﴿ فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 102]، والمعنى: فنتخلى عنهم، وعن عبادتهم إذا رجعنا إلى الدنيا، ونعبد الله وحده، وهم في هذا كاذبون.
﴿ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا ﴾ الكاف للتشبيه، بمعنى "مثل" صفة لمصدر محذوف، أي: تبرؤ مثل تبرئهم منا، أي: مثل ما تبرءوا منا وتخلوا عنا في الآخرة فنجازيهم بمثل صنيعهم.
وهيهات وأنى لهم الرجوع إلى الدنيا!
وأيضاً فإنهم لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه كما قال تعالى:
﴿ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ [الأنعام: 27، 28].
﴿ كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ﴾ الكاف كسابقتها للتشبيه بمعنى "مثل". والإشارة بـ "ذلك" إلى إراءتهم العذاب وتلك الأهوال، والتقدير: مثل إراءتهم الأهوال يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم.
﴿ يُرِيهِمُ ﴾ من "أَرى يُري"؛ لهذا نصبت ثلاثة مفاعيل، الأول: الضمير "هم"، والثاني: "أعمالهم"، والثالث: "حسرات"، وهذا على اعتبار الرؤية علمية، وعلى اعتبار الرؤية بصرية وهو أقرب يكون ﴿ حَسَرَاتٍ ﴾ منصوباً على الحال من أعمالهم.
و﴿ حَسَرَاتٍ ﴾ جمع حسرة، وهي شدة الندم والأسى والحزن، لما مُنوا به من حبوط أعمالهم والخيبة والخسران، فلا تكاد تتصور مدى ما يعتلج في صدور هؤلاء الأتباع من الحسرات والندم والحزن والأسى والآهات على أعمال اجتهدوا فيها تحبط وتبطل وتذهب سدى، ويعترفون بما كانوا عليه من الضلال بعد فوات الأوان، ويقولون كما ذكر الله تعالى عنهم: ﴿ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء: 97، 98].
وهذا بخلاف من كانوا أتباعاً على الحق ومحبتهم في الله ولله فإنها تبقى ولا تزول، كما قال تعالى: ﴿ لْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف: 67].
قال الشاعر:
سيبقى لكم في مضمر القلب
سريرة حب يوم تبلى السرائر
وقال الآخر:
وإذا تقطع حبل الوصل بينهم
فللمحبين حبل غير منقطع
وإن تصدع شمل القوم بينهم
فللمحبين شمل غير منصدع[1]
وقال الآخر:
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى
ما الحب إلا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الفتى
وحنينه دوماً لأول منزل
﴿ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴾ أي: أنهم خالدون فيها؛ لأن النار لا تفنى ولا يفنى عذابها ولا يموت أهلها، وفي هذا تيئيس لهم من الرجعة إلى الدنيا كما يتمنون.