قال الله تعالى: ﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ * الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 25 - 29].
الوقفات التدبرية:
١- ﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ [البقرة: 25] فيه استحباب بشارة المؤمنين وتنشيطهم على الأعمال بذكر جزائها ومثيراتها؛ فإنها بذلك تخفُّ وتسهُل. [السعدي].
٢- ﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾ [البقرة: 25] [رُوِيَ] أن العمل الصالح هو الذي فيه أربعة أشياء: العلم، والنية، والصبر، والإخلاص. [البغوي].
٣- ﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾ [البقرة: 25] أكمل محاسن الجنات جريان المياه في خلالها؛ وذلك شيء اجتمع البشر كلُّهم على أنه من أنفس المناظر. [ابن عاشور].
٤- ﴿ وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ ﴾ [البقرة: 25]، فلم يقل: «مطهرة من العيب الفلاني»؛ ليشمل جميع أنواع التطهير؛ فهن مطهَّرات الأخلاق، مطهَّرات الخَلْق، مطهَّرات اللسان، مطهَّرات الأبصار. [السعدي].
٥- ﴿ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 25] هذا هو تمام السعادة؛ فإنهم مع هذا النعيم في مقام أمين من الموت والانقطاع، فلا آخرَ له ولا انقضاء، بل في نعيم سرمديٍّ أبدي على الدوام. [ابن كثير].
٦- ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ ﴾ [البقرة: 26] ذم لمن يَضِلُّ به؛ فإنه فاسق...؛ ولهذا تأولها سعد بن أبي وقاص في الخوارج، وسماهم «فاسقين»؛ لأنهم ضلُّوا بالقرآن؛ فمن ضلَّ بالقرآن فهو فاسق. [ابن تيمية].
٧- ﴿ وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ﴾ [البقرة: 26]؛ أي: ببركة اعتقادهم الخيرَ، وتسليمهم [لله] الأمر، يهديهم ربُّهم بإيمانهم؛ فيفهمهم المراد منه، ويشرح صدورهم لما فيه من المعارف؛ فيزيدهم به إيمانًا وطمأنينة وإيقانًا. والمهديون كثير في الواقع، قليلٌ بالنسبة إلى الضالين. [البقاعي].
التوجيهات:
١- السكن، والرزق، والزوجة، والأمن من الموت؛ هذه أمنيات الإنسان، واكتمالها ودوامها لا يكون إلا في الجنة، ﴿ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 25].
٢- المؤمن إذا جاءه أمرٌ عن الله تعالى قابله بالتسليم والامتثال، وأما المنافق فيكثر الجدال بقصد التعطيل والعصيان، ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا ﴾ [البقرة: 26].
العمل بالآيات:
١- اكتب ثلاث صفات تتمناها وقد ذكرها القرآن في الجنة، ﴿ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 25].
٢- تذكَّر عهدًا قطعته على نفسك وأخَّرتَ الوفاء به، وبادر بذلك، ﴿ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ﴾ [البقرة: 27].
٣- قم اليوم بزيارة بعض أرحامك، أو إرسال هدية لهم، أو الاتصال والسؤال عنهم، ﴿ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ﴾ [البقرة: 27].
معاني الكلمات:
﴿ مُتَشَابِهًا ﴾: فِي اللَّوْنِ وَالْمَنْظَرِ، لَا فِي الطَّعْمِ وَالْحَقِيقَةِ.
﴿ اسْتَوَى ﴾: قَصَدَ.