هن قدوتي (5): أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها
هي زينب بنت جحش بن رئاب، أمها أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم "عمة النبي صلى الله عليه وسلم" من المهاجرات الأول، خالها سيد الشهداء وأسد الله ورسوله حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه.
كانت زينب قد عرض عليها الزواج من زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تكن راغبةً في الزواج من زيد لأنه مولى فنزل قوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36].
وهنا لم يسع زينب رضي الله عنها أن تخالف أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فامتثلت وتزوجها زيد، والتزمت زينب رضي الله عنها بمبدأ لا تفاضل بين الناس إلا بالتقوى.
وقد جاء زيد رضي الله عنه يشكو زينب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ»، فنزل قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ﴾ [الأحزاب: 37]، والذي أخفاه النبي صلى الله عليه وسلم هو إخبار الله إياه أنها ستصير زوجته وكان يحمله على ذلك خشية قول الناس تزوج امرأة ابنه، وأراد الله تعالى إبطال ما كان عليه أهل الجاهلية من أحكام التبني بأمر لا أبلغ في الإبطال منه، وهو تزوج امرأة الذي يدعى ابنًا، ووقوع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم ليكون أدعى لقبولهم، قالت عائشة رضي الله عنها: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتمًا شيئًا من الوحي لكتم هذه الآية.
فائدة: إذا استشير الإنسان في موضوع الطلاق، فعليه النصح وأن يشير بما فيه مصلحة المستشير، ولو كان له حظ نفس وهوى فيه لأن المستشار مؤتمن.
ثم طلقها زيد رضي الله عنه، فلما انقضت عدَّتُها، خطبها النبي صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله عز وجل: ﴿ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ﴾ [الأحزاب: 37]، « فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها بغير إذن »؛ أخرجه مسلم.
فلما تزوجها تكلم المنافقون فقالوا حرم محمد نساء الولد وقد تزوج امرأة ابنه؛ فأنزل الله عز وجل: ﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ ﴾ [الأحزاب: 40]. وقال تعالى: ﴿ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ ﴾ [الأحزاب: 5]؛ فدعي " زيد بن حارثة ".
ذكر فخر زينب على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: عن أنس رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية في زينب رضي الله عنها: ﴿ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا.. ﴾ كانت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: زوجكن آباؤكن وزوجني الله عز وجل من فوق سبع سماوات.
ذكر وليمته صلى الله عليه وسلم على زينب: عن أنس قال: ما أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة من نسائه أكثر وأفضل مما أولم على زينب، فقال له ثابت: ما أولم؟ قال: أطعمهم خبزًا ولحمًا حتى تركوه.
ذكر نزول الحجاب بسبب زينب رضي الله عنها: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب دعا القوم فطعموا ثم جلسوا يتحدثون فإذا هو كأنه يتهيأ للقيام فلم يقوموا فلما رأى ذلك خرج ثم رجع حتى إذا وضع رجله في أسكفة الباب "العتبة" أرخي الستر بيني وبينه ونزلت آية الحجاب.
ثناء عائشة رضي الله عنها عليها: عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت زينب هي التي تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ولم أرَ امرأة قطُّ خيرًا في الدين من زينب وأتقى لله وأصدق حديثًا وأوصل للرحم وأعظم صدقة وأشد ابتذالًا لنفسها في العمل الذي يتصدق به ويتقرب به إلى الله عز وجل، وكانت امرأةً صناعًا وكانت تعمل بيدها وتصدق به في سبيل الله.
ذكر وصف زينب رضي الله عنها بطول اليد كناية عن كثرة الصدقة: قالت عائشة رضي الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أسرعكُنَّ لحوقًا بي أطولكن يدًا »، قالت: فكنَّ يتطاولن أيتهن أطول يدًا، فلما ماتت زينب وكانت قصيرة ولم تكن أطولَنا فعرفتُ أن المقصود بطول اليد الصدقةُ.
ذكر كرمها وزهدها: عن برزة بنت رافع قالت: أرسل عمر رضي الله عنه إلى زينب بعطائها فقالت: غفر الله لعمر غيري كان أقوى على قسم هذا مني، قالوا: كله لكِ، قالت: سبحان الله واستترت منه بثوب، وقالت: صبوه واطرحوا عليه ثوبًا، وقالت لبرزة أدخلي يدك فاقبضي منه قبضة فاذهبي بها إلى آل فلان من أيتامها وذوي رحمها فقسمته حتى بقيت منه بقيه، فقالت لها برزة: غفر الله لك، والله لقد كان لنا من هذا حظ، قالت: فلكم ما تحت الثوب فرفعن الثوب فوجدنا خمسة وثمانين درهمًا ثم رفعت يدها وقالت: اللهم لا يدركني عطاء عمر بعد عامي هذا قالت: فماتت.
وقد عصمها الله في حادثة الإفك فلم تقل إلا خيرًا في عائشة.
ذكر وفاتها: توفيت سنة 20 للهجرة في خلافة عمر، فقالت عند وفاتها: إني قد أعددت كفني ولعل عمر سيبعث إليَّ بكفن فإن بعث بكفن فتصدقوا بأحدهما، وإن استطعتم إذا دليتموني في القبر أن تصدقوا بحقوي "إزاري" ففعلوا. رضي الله عنها وأرضاها!.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|