فضائل الصحابة وحقوقهم رضي الله عنهم
الخطبة الأولى
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فيا عباد الله، يقول الله تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100]؛ يقول ابن كثير رحمه الله في تفسيره: "يخبر تعالى عن رضاه عن السابقين من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان، ورضاهم عنه بما أعد لهم من جنات النعيم، والنعيم المقيم"، إلى قال رحمه الله: "فقد أخبر الله العظيم أنه قد رضي عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، فيا ويل من أبغضهم أو سبهم أو أبغض أو سب بعضهم، ولا سيما سيد الصحابة بعد الرسول وخيرهم وأفضلهم؛ أعني: الصديق الأكبر، والخليفة الأعظم أبا بكر بن أبي قحافة، رضي الله عنه، فإن الطائفة المخذولة من الرافضة يعادون أفضل الصحابة ويبغضونهم ويسبونهم، عياذًا بالله من ذلك، وهذا يدل على أن عقولهم معكوسة، وقلوبهم منكوسة، فأين هؤلاء من الإيمان بالقرآن؟ إذ يسبون من رضي الله عنهم؟ وأما أهل السنة، فإنهم يترضون عمن رضي الله عنه، ويسبون من سبه الله ورسوله، ويوالون من يوالي الله، ويعادون من يعادي الله، وهم متبعون لا مبتدعون، ويقتدون ولا يبتدعون؛ ولهذا هم حزب الله المفلحون وعباده المؤمنون".
عباد الله، أما من السنة؛ فيقول صلى الله عليه وسلم: ((لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده، لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا، ما أدرك مد أحدهم، ولا نصيفه))؛ [صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 2540]، فـ"النَيل من الصحابة رضوان الله عنهم بسبٍّ أو قذف أو أي أذًى ليس من الإسلام في شيء؛ لذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم - كما في هذا الحديث - عن سب أصحابه، وحلف بالله لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ من الفضيلة والثواب مد أحدهم من الطعام الذي أنفقه ولا نصيفه؛ أي: نصف المد؛ وذلك لما كان يقارن عمل الصحابة من السبق، ومزيد الإخلاص، وصدق النية، وكمال النفس، بخلاف غيرهم"؛ [https://www.dorar.net/hadith/sharh/17112].
عباد الله:
وأما عقيدة أهل السنة والجماعة تجاه الصحابة رضوان الله عليهم، فيقول الطحاوي رحمه الله: "ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم: كفر ونفاق وطغيان"؛ [ينظر: متن العقيدة الطحاوية، بيان عقيدة أهل السنة والجماعة، للإمام أبي جعفر الطحاوي الحنفي، دار ابن حزم، الطبعة الأولى، 1416هـ، 1995م، ص29].
عباد الله:
ومن مناقب الصحابة رضي الله تعالى عنهم أولًا: أن الله تعالى زكى ظاهرهم وباطنهم، فمن تزكية ظواهرهم: وصفهم بأعظم الأخلاق الحميدة؛ ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الفتح: 29]، وقوله سبحانه: ﴿ وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ [الحشر: 8]، وقوله تعالى: ﴿ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾ [الحشر: 9]، أما بواطنهم، فأمر اختص به الله عز وجل، وهو وحده العليم بذات الصدور، فقد أخبرنا عز وجل بصدق بواطنهم وصلاح نياتهم؛ ومن ذلك: قوله تعالى: ﴿ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ ﴾ [الفتح: 18]، وقوله تعالى: ﴿ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ ﴾ [الحشر: 9]، وقوله عز وجل: ﴿ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا ﴾ [المائدة: 2]، وقوله سبحانه: ﴿ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ ﴾ [التوبة: 117]، ثانيًا: بسبب توفيق الله عز وجل لهم لأعظم خلال الخير ظاهرًا وباطنًا، أخبرنا أنه رضي عنهم، وتاب عليهم، ووعدهم بالحسنى، ثالثًا: وبسبب كل ما سبق أمرنا بالاستغفار لهم، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإكرامهم، وحفظ حقوقهم، ومحبتهم، ونهينا عن سبهم، وبغضهم، بل جعل حبهم من علامات الإيمان، وبغضهم من علامات النفاق، رابعًا: ومن الطبيعي بعد ذلك كله أن يكونوا خير القرون، وأمانًا لهذه الأمة، وأن يكون اقتداء الأمة بهم واجبًا، بل هو الطريق الوحيد إلى الجنة؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((... فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ...))؛ [صحيح أبي داود، الصفحة أو الرقم: 4607، وينظر: اعتقاد أهل السنة في الصحابة رضي الله عنهم، تأليف: د. محمد بن عبدالله الوهيبي، الطبعة الثالثة: وزارة الشؤون الإسلامية، المملكة العربية السعودية، 1428هـ، ص 17، 18].
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 117].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم، إنه تعالى جواد كريم، ملك بر، رؤوف رحيم، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
فيا عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، ولنعلم أن من حقوق الصحابة رضي الله عنهم: أن نحبهم، ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ولا نذكرهم إلا بالخير، ونشهد لجميع المهاجرين والأنصار بالجنة والرضوان، والتوبة والرحمة من الله، يجب علينا الترضي والترحم على جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، صغيرهم وكبيرهم، أولهم وآخرهم، وذكر محاسنهم، ونشر فضائلهم، والاقتداء بهديهم، والاقتفاء بآثارهم، والكف عما شجر بينهم، فقد شهدوا المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسبقوا الناس بالفضل، غفر الله لهم، وأمر بالاستغفار لهم، والسكوت عما شجر بينهم، فلا يتتبع هفوات أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وزللهم، إلا مفتون القلب في دينه، فاتقوا الله عباد الله، وصلوا على خير البرية، وأزكى البشرية؛ محمد بن عبدالله؛ كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر صحابة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين، اللهم إنا نسألك رحمةً من عندك تهدي بها قلوبنا، وتجمع بها أمرنا، وتلم بها شعثنا، وتصلح بها غائبنا، وترفع بها شاهدنا، وتزكي بها عملنا، وتلهمنا بها رشدنا، وتعصمنا بها من كل سوء، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واخذل الشرك والمشركين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لما تحب وترضى، وهيئ له البطانة الصالحة التي تعينه على الحق يا رب العالمين، اللهم وفق ولي عهده الأمير محمد بن سلمان لكل خير وهيئ له البطانة الصالحة، اللهم وفق علماءنا وشيبنا، وشبابنا ونساءنا وذرياتنا لكل خير، اللهم وفق جنودنا ورجال أمننا، وسدد رميهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
عباد الله، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [النحل: 90، 91]، واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|