شرح حديث: تصدقن يا معشر النساء
عن زينب الثقفية امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما قالت: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: تصدَّقنَ يا مَعْشَرَ النساءِ، ولو من حليكنَّ. قالت: فرجعت إلى عبد الله بن مسعود فقلت: إنك رجل خفيف ذات اليد، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالصدقة، فائته فاسأله فإن كان ذلك يجزئ عني وإلا صرفتها إلى غيركم؟ فقال عبد الله: بل ائته أنت، فانطلقتُ فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل حاجتها حاجتي، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ألقيت عليه المهابة، فخرج علينا بلال رضي الله عنه فقلنا له: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أن امرأتين بالباب يسألانك، أتجزئ الصدقة عنهما على أزواجهما وعلى أيتام في حجورهما؟ ولا تخبره من نحن. قالت: فدخل بلال على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: من هما؟ فقال: امرأة من الأنصار، وزينب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الزيانب؟ قال: امرأة عبد الله بن مسعود. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لهما أجران أجر القرابة وأجر الصدقة. [1]
من فوائد الحديث:
1- الحث على صلة الرحم.
2- جواز تبرع المرأة بمالها بغير اذن زوجها.
3- موعظة النساء.
4- ترغيب ولي الأمر في أفعال الخير للرجال والنساء.
5- الحديث مع النساء الأجانب عند أمن الفتنة.
6- التخويف من المؤاخذة بالذنوب، وأنه بسببها يوقع العذاب.
7- فتوى العالم مع وجود من هو أعلم منه.
8- طلب الترقي في تحمل العلم، فلم تكتف زينب من فتوى زوجها ابن مسعود رضي الله عنه، بل ذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، للتتأكد من الفتيا، وتتحمّلها بأقرب الطرق.
9- قال القرطبي: ليس إخبار بلال باسم المرأتين في الرواية الآتية بعد أن استكتمناه، بإذاعة سر، ولا كشف أمانة، لوجهين: أحدهما: أنهما لم تلزماه بذلك، وإنما علم أنهما رأتا أن لا ضرورة تحوج إلى ذكرهما. ثانيهما: أنه أخبر بذلك جوابا لسؤال النبي صلى الله عليه وسلم، لكون إجابته أوجب من التمسك بما أمرتاه بعرض الكتمان. وهذا كله بناء على أنه التزم لهما بذلك، ويحتمل أن تكونا سألتاه، ولا يجب اسعاف كل سائل. [2]
10- قولها: (رجل خفيف ذات اليد) كناية عن الفقر. [3]
11- قال ابن بطال: اختلفوا في المرأة هل تعطي زوجها الفقير من الزكاة؟ فأجازه الشافعي لهذا الحديث، ولأنه داخل في جملة الفقراء. وقال أبو حنيفة ومالك هذا ورد في التطوع لا في الزكاة. وقد أجمعوا على أنه لا يجوز أن تنفق على ولدها من الزكاة فلما كان انفاقها على الولد من غير الزكاة فكذا ما أنفقت على زوجها [4]. والقول الصحيح: جواز دفع المرأة زكاتها إلى زوجها مطلقًا، وذلك لقوة الأدلة التي استند إليها أصحاب هذا القول خاصة عموم آية دفع الصدقات قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [5] وحديث زينب هذا زوجة ابن مسعود رضي الله عنهما، ولم يوجد ما يخصص هذان الدليلان، واتفاقه مع الأصل وهو أن كل من لا تجب نفقته فإنه يجوز أن تدفع إليه الزكاة. [6]
12- زوجة ابن مسعود رضي الله عنه هي: زينب بنت معاوية، ويقال بنت عبد الله بن معاوية بن عتاب الثقفية ويقال لها أيضا رائطة.
13- قوله: (ولها أجران أجر القرابة وأجر الصدقة) أي: أجر صلة الرحم وأجر منفعة الصدقة. [7]
14- مشروعية استئذان النساء على الرجل وهو مع أهله وسؤاله قبل الإذن عمن يستأذن، وأنه إذا لم ينسب إليه من يستأذن، سأل أن ينسب، والزيانب: جمع زينب.
15- جواز اتخاذ الحليّ للنساء.
16- قوله صلى الله عليه وسلم لها: "زوجك وولدك أحقُّ من تصدقتِ به عليهم" قال ابن التين: لم يخص فرضا من تطوع. [8]
17- قوله صلى الله عليه وسلم: (تصدقن يا معشر النساء، ولو من حُلِيُكُنَّ) دليلٌ على عدم وجوب الزَّكاة في الحليِّ؛ إذ لو كانت واجبةً في الحليِّ لما جعله النبيُّ صلى الله عليه وسلم مضربًا لصدقة التطوُّع. [9]
18- لايجوز للرجل أن يدفع زكاة ماله لأبنائه. لأنّه بذلك يُسقط حقا واجبا عليه، وهو النفقة عليهم. لكن لو كان دينا على الابن، فلا بأس بسداده من زكاة أبيه، لأنّ الدين خارج عن النفقة. [10]
20- الاستئذان أدب إسلامي رفيع.
21- فقه ابن مسعود رضي الله عنه وعلمه.
22- فضيلة، ومنقبة لابن مسعود رضي الله عنه، حيث أفتى بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، وأقرّه على ذلك.
23- إصابة الحقّ توفيقٌ من اللَّه تعالى، فينبغي الشكر عليه، فابن مسعود رضي الله عنه بفتواه لزوجته، قد أصاب الحق.
24- الفتوى تحتاج لها جُرأة، مع وجود العلم.
25- أهمية السؤال في الفتيا، وفي طلب العلم.
26- على قدْر السؤال، وفَهْم المُفتي تكون الإجابة. لذا على السائل الدقّة في طرح السؤال.
27- ثِقة ابن مسعود رضي الله عنه واعتداده بنفسه.
28- من أوائل مفاتيح العلم السؤال.
29- هذه الصحابية كانت فاعلة، ومنتجة في مجتمعها.
30- حرص هذه الصحابية على بيتها، وزوجها.
31- فضل الصدقة، ومكانتها في الإسلام، فهي شعيرة عظيمة، ودعامة أساسية في التكافل الاجتماعي.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|