برنامج بنيان مرصوص. د. رقية العلواني.(أقوال علماء غرب عن القرآن)
من أصعب الأشياء على الإنسان أن يفوّت أمراً غالياً نفيساً بين يديه ثم يضيّعه ثم يبحث عنه في كل مكان فلا يجده ولا يراه وهو أمام عينيه، القرآن الكريم.
القرآن هذا الكتاب العظيم الذي يصنع نفوساً يصنع أمماً يرفع مجتمعات يبني حضارات القرآن العظيم الذي وصفه الله سبحانه وتعالى في واحدة من أوصافه فقال (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16) المائدة)
اليوم ونحن هذه الأمة التي بين أيديها القرآن العظيم لم نعد قادرين على صنع السلام لم نعد نعرف طريقاً لصناعة السلام ولا حتى في بعض الأحيان في قلوبنا أو حتى في بيوتنا أو منازلنا. أصبحنا في حال من العجز عن رسم خارطة تصل بنا إلى بر الرضا والسعادة والراحة،
ترى هل القرآن العظيم فقد شيئاً من فاعليته؟!
حاشا لله.
القرآن الكريم حوّل العرب من أمم متفرقة متناحرة بل قبائل متناحرة تحدث بينها الحروب لأبسط وأتفه الأسباب كتلك التي حدثت بين داحس والغبراء على مدى أربعين سنة إلى أمة متماسكة أمة قوية موحّدة أعطت للعالم حضارة وأهدت الأدب والفنون وصنوف العلوم المختلفة في مختلف مجالات الحياة. هل فقد القرآن الكريم هذه الفاعلية؟! أبداً، ودعونا نتأمل بعض الإجابات من بعض العلماء غير العرب الذين قرأوا هذا الكتاب.
يقول آرثر مليستنس وهو دكتور في علم اللاهوت يقول: عندما قرأت القرآن أول مرة شعرت بصراع عنيف في أعماقي ثمة صوت يناديني ويحثني على اِعتناق هذا الدين الذي يجعل علاقة الإنسان بربه علاقة مباشرة لا تحتاج إلى وساطة قسيس ولا تباع فيها صكوك الغفران وفي يوم من الأيام توضأت ثم أمسكت بالقرآن فإذا بي أقرأ الآية (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) محمد) فأحسست بقشعريرة ثم قرأت الآية في سورة المائدة (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (3) المائدة) فحلّت السكينة في روحي الحيرى وشعرت أني قد خُلِقت من جديد، هذا الرجل لم تكن اللغة هي الحاجز بينه وبين القرآن إطلاقاً.
جفري لانج بروفيسور أمريكي في الرياضيات يقول عن القرآن: القرآن هذا الكتاب الكريم أسرني بقوة وتملّك قلبي وجعلني أستسلم لله. القرآن يدفع بقارئه إلى اللحظة القصوى حيث يتبدّى للقارئ أنه يقف بمفرده أمام خالقه وإذا ما اتخذت القرآن بجدية فإنه لا يمكنك أن تقرأه ببساطة فهو يحمل عليك وكأنه له حقوقاً عليك يجادلك ينتقدك يخجلك يتحداك، لقد كنت على الطرف الأخر وبدا واضحاً أن منزِّل القرآن كان يعرفني أكثر مما أعرف نفسي كان القرآن يسبقني في تفكيري يخاطب تساؤلاتي وحيرتي كنت في كل ليلة أضع أسئلتي وأكتشف الإجابة في اليوم التالي لقد قابلت نفسي وجهاً لوجه في صفحات القرآن.
هذه المعاني العظيمة من كلام هؤلاء العلماء تعطينا الإجابة الحقيقية على هذه المعاني أن القرآن العظيم لم يفقد بأي حال من الأحوال تلك الفاعلية العظيمة على إقامة الناس وبناء المجتمع وبناء النفوس.
ما الذي حدث اليوم؟
هناك فجوة وجفوة في واقعنا مع القرآن، حالنا اليوم مع القرآن كحال من ضيّع شيئاً ثميناً يطلبه ويبحث عن السعادة في أماكن متعددة ومختلفة ويظن أنها بعيدة وهي بين يديه، من بيننا أناس لا يعرفون القرآن ربما إلا في رمضان والبعض لا يعرف القرآن ولا حتى في رمضان. من الناس من يتم ختم القرآن في رمضان وهو لاهي القلب ساهي العقل، العقل يطوف في مطافات الدنيا وأوديتها المختلفة والقلب في مكان آخر والقراءة والشفاه تردد الكلمات فقط فإذا ما انسلخ شهر رمضان وُضِعَ المصحف على الرف وأُحكِم عليه الوثاق، هذا الهجر هذه الجفوة دفعنا لها اليوم الثمن غالياً وباهظاً.
يقول الله عز وجل في وصف هذه الحالة ووصف حال النبي عليه الصلاة والسلام الذي تنزّل على قلبه القرآن يشتكي إلى ربه يقول الله عز وجل في سورة الفرقان (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ) من الندم (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29) وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا (30) الفرقان) صحيح هجر القرآن له أشكال وأنواع مختلفة ولكن قطعاً تلك الحواجز والسحب الكثيفة التي وضعناها بأيدينا بيننا وبين القرآن هي نوع من أنواع هجر القرآن.
ترانا هل بالإمكان اليوم أن نتخلص من هذه السحب الكثيفة من هذه الحواجز؟ أعظم حاجز أو سحابة ممكن أن تقف بيننا وبين القرآن هي القلوب علينا أن نصقل مرآة القلوب. النبي عليه الصلاة والسلام يقول في حديث: “قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أفضل؟ قال: كُلُّ مخموم القلب صدوق اللسان، قالوا صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب يا رسول الله؟ قال هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غِلّ ولا حسد” هذه الحجب الكثيفة تمنع نور القرآن من الدخول إلى القلوب، هذه الحجب وضعناها بأيدينا بإمكاننا أن نقوم بإزالتها في أي وقت بل نحتاج إلى إزالتها لكي ينفذ نور القرآن من جديد في قلوبنا فيغيّر ويصحّح ويعدّل ويبدّل ويعيد الأمور إلى نصابها.
نقطة مهمة كذلك نحن بحاجة إليها اليوم حب القرآن، التعامل مع القرآن بحبّ. وقد يقول قائل كلنا نحب القرآن، حب من نوع خاص. النبي عليه الصلاة والسلام ذات يوم يحدثونه الأصحاب فيقولون له أن رجلاً من أصحابه لا يقرأ في كل ركعة إلا بسورة قل هو الله أحد فيأتي النبي عليه الصلاة والسلام ويسأله عن ذلك فيقول: يا فلان ما يمنعك عن ذلك مما يأمر به أصحابك وما يحملك أن تقرأ هذه السورة في كل ركعة؟ فقال: يا رسول الله إني أحبها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن حبها أدخلك الجنة.
نحن بحاجة إلى أن نحب القرآن، أن نؤثِر القرآن على ما سواه، أن يعود القرآن في حياتنا من جديد، أن يعود القرآن في حياتنا يحكم ويأمر وينهى، أن يعود القرآن إلى المكان الطبيعي في حياتنا منهج حياة، منهج نستشيره ونسأله في ما يعرض لنا من أزمات ومحن ومشاكل وأسئلة مختلفة بتنا اليوم نعاني منها ولا نجد لها إجابة.
النبي عليه الصلاة والسلام نبّه أمته إلى هذه الحقيقة في حديث عظيم ذات يوم خاطب به أصحابه من أهل الصُفّة قال فيه: “أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم ولا قطع رحم؟ شيء نفيس غالٍ ثمين! فقلنا يا رسول الله نحب ذلك، قال: أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خيرٌ له من ناقتين وثلاث خير له من ثلاث وأربع خير له من أربع ومن أعدادهن من الإبل”. النبي عليه الصلاة والسلام في هذه الوقفة أراد أن ينبه أصحابه وأمته إلى عظمة القرآن الكريم إلى عظمة الكنوز المتوافرة في هذا الكتاب العظيم، هذا الكتاب الذي يجعل الإنسان يقف مع نفسه وقفة جادة فيصحّح ويعدِّل ويغيّر ويبني ويعمُر يجعل الحياة لها طعم آخر طعم لا نستطيع أن نجده في الأسواق أو المجمعات التجارية، طعم من نوع خاص لا يمكن ان يتذوقه أو يشعر به إلا من ذاق حلاوة القرآن، تلك الحلاوة التي لم تكن فقط مقصورة على الجيل الأول الذي ذاق حلاوة القرآن وأحبّ القرآن من كل قلبه وإنما حتى الأمثلة التي ذكرناها في بداية الحلقة أمثلة لأناس لا يعرفون اللغة العربية ولكن اللغة لم تقف حاجزاً بينهم وبين القرآن الكريم لأن نور القرآن وعظمة القرآن تنفذ إلى القلب فتُبدّد كل الحواجز وتطغى على كل القيود وتتهاوى أمامها كل الأسوار لأن القرآن هو كلام الله عزّ وجل.
أبو هريرة يقول في أثر جميل: إن البيت ليتّسع على أهله وتحضره الملائكة وتهجره الشياطين ويكثُر خيره. هذا بالضبط ما نحتاج إليه اليوم، بيوت واسعة في المساحة ولكنها ضيقة في العواطف والمشاعر والأحاسيس والحنان العاطفي الذي بتنا نفتقد الكثر منه، يقول إن البيت ليتسع على أهله وتحضره الملائكة وتهجره الشياطين ويكثر خيره أن يقرأ فيه القرآن، وإن البيت ليضيق على أهله وتهجره الملائكة وتحضره الشياطين ويقلّ خيره ألا يقرأ فيه القرآن.
جعلنا الله وإياكم من أهل القرآن ونلقاكم في اللقاء القادم بإذن الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
اسلاميات
برنامج بنيان مرصوص
الحلقة الثالثة
د.رقية العلواني
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|