من أخلاق معركة بدر: الصدق
الصدق يحتلُّ مكانًا رئيسًا في منظومة الأخلاق الإسلامية، ومنه ما يتعلَّق بالقول، ومنه ما يتعلَّق بالعمل[1].
فمن المواقف التي تُظهِر جانبَ الصدقِ وأهميته ومراعاته لأقصى درجة - الموقف التالي:
التقى رسول الله صلى الله عليه وسلم والصدِّيق قبل الغزوة على مَقرُبة من بدر مع شيخ من العرب يقال له: سفيان الضمري، فسأله الرسول عن قريش وعن محمد وأصحابه وما بلغه من أخبارهم، فقال الشيخ: لا أخبركما حتى تُخبِراني ممن أنتما؟ فقال الرسول: ((إذا أخبرتَنا أخبرناك))، قال: ذاك بذاك؟ قال: ((نعم))، قال الشيخ: فإنه بلغني أن محمدًا وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان صدق الذي أخبرني، فهم اليوم بمكان كذا وكذا، للمكان الذي به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبلغني أن قريشًا خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان الذي أخبرني صدقني، فهم اليوم بمكان كذا وكذا، للمكان الذي به قريش، فلما فرغ من خبره، قال: ممن أنتما؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نحن من ماء))، ثم انصرف عنه، فقال الشيخ ما (من ماء)؟ أمن ماء العراق؟ [2].
فقوله صلى الله عليه وسلم: ((نحن من ماء)) من التوريات البديعة، وهو يَحتمِل معنيين معنى قريب، وهو المكان المعروف بهذا الاسم، والثاني بعيد، وهو الماء الذي خُلِق منه الإنسان، وهو ما قصده الرسول صلى الله عليه وسلم.
قال أبو بكر الجزائري فيما يُستفاد من الغزوة: "مشروعيَّة استعمال الرموز والمعاريض والتورية في الكلام في حالة الحرب، والتعمية على العدو" [3].
ففي مقام الحرب والقتال قد يَضطرُّ الإنسانُ إلى عدم التزام الصدق في كلِّ ما يقول؛ مراعاة لمصالح أعلى تتعلَّق بحفظ النفوس والأموال والنَّسل، بل حِفْظ الدين نفسه.
وقد كان إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم الشيخَ عن حقيقة هُويَّته يُشكِّل خطرًا على المسلمين، رُغم ذلك لم يلجأ النبي إلى الكذب، بل استخدم التورية والتعريض، وفي المعاريض مندوحةٌ عن الكذب، وبذلك حفِظ الرسول صلى الله عليه وسلم جنابَ الصدقِ في قوله بلا إضرار بالمصلحة العامة.
ومن مواقف الصدق العملي قصة عُمير بن الحُمَام:
لما دنا المشركون من المسلمين في الغزوة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قوموا إلى جنَّة عَرْضُها السموات والأرض)).
قال عمير بن الحمام الأنصاري: يا رسول الله، جنَّة عَرْضها السموات والأرض؟! قال: ((نعم))، قال: بخ بخ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما يَحمِلك على قولك: بخ بخ؟))، قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاءة أن أكون من أهلها، قال: ((فإنَّك من أهلها))، فأخرج تمرات مِن قَرَنِه فجعل يأكل منهن ثم قال: لئن أنا حييتُ حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، قال: فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتَلهم حتى قُتِل[4].
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|