يوم التلاق
1- لقاءات يوم القيامة.
2- ثمرات الإيمان بيوم التلاق.
الهدف من الخطبة:
معرفة هذا الاسم من أسماء اليوم الآخر، وما يكون فيه من لقاءات؛ لترقيق القلوب وإيقاظها من غفلتها.
مقدمة ومدخل للموضوع:
• أيها المسلمون، عباد الله؛ يقول الله تعالى: ﴿ رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ ﴾ [غافر: 15].
• يوم التلاق: اسم من أسماء يوم القيامة، والعرب في لغتهم يعددون الأسماء للأشياء العظيمة.
• ︎فهو يوم الفصل، ويوم الدين، والبعث، والخروج، والحسرة، والخلود، والحساب، والجمع، والآزفة، والتغابن، والتنادِ، والوعيد، واليوم الآخر.
وسُمِّيَ يوم التلاق كما ذكر أهل العلم والتفسير:
• لأنه يلتقي فيه الخالق والمخلوق، والعابدون مع معبوداتهم.
• يلتقي فيه آدم عليه السلام مع ذريته، والأنبياء مع أممهم.
• يلتقي فيه أهل السماء وأهل الأرض، والأولون والآخرون؛ فترى الملائكة الذين آمنتَ بهم إيمانًا غيبيًّا وتلتقي بهم.
• يلتقي فيه الظالم والمظلوم، والقاتل والمقتول، ويلتقي فيه الخصماء.
• يلتقي فيه العامل مع عمله من خير أو شر، ويلقى كل إنسان جزاء عمله.
• يلتقي فيه أهل الجنة بعضهم بعضًا، وأهل النار بعضهم بعضًا.
• فهيا بنا مع مشاهد من ذلك اليوم العظيم، مع لحظات الحضور، التواجد، اللقاءات؛ نوقظ قلوبنا من غفلتها، ونُعلي من الهِمَمِ، ونزيد الإيمان في القلوب؛ بذكر أحوال اليوم الآخر، ولقاءات يوم القيامة.
1- لقاء الله تعالى.
• فإن بيننا وبين الله جل جلاله موعدًا ولقاءً جديرًا بالتأمل والتفكر، حدَّثنا عنه الله تعالى في كتابه؛ كما قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ﴾ [الانشقاق: 6]، وقال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة: 223].
• هذا اللقاء الذي كذَّب به أقوام فلم يستعدوا له، ولم يعملوا له؛ فخسِروا الخسران المبين؛ كما قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ ﴾ [يونس: 7]، وقال تعالى: ﴿ وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [يونس: 11]، وقال تعالى: ﴿ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ [التوبة: 77].
• فذكر الله تعالى من أحوالهم أدق التفاصيل في هذا اللقاء؛ كما قال تعالى: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 12]، وقال تعالى: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ﴾ [الأنعام: 30]، وقال تعالى: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ ﴾ [سبأ: 31].
• أما أهل الإيمان، فقد آمنوا بهذا اللقاء الحتمي؛ كما قال الله تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [العنكبوت: 5]، وقال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [البقرة: 46]، وقال تعالى: ﴿ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ﴾ [الحاقة: 20].
• فعمِلوا واستعدوا له بالباقيات الصالحات؛ قال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110].
• فنالوا الفلاح في الدنيا والآخرة وكان من ثمرة هذا الاستعداد والعمل؛ قال الله تعالى: ﴿ تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا ﴾ [الأحزاب: 44].
• نعم، إنه يوم التلاقِ؛ يوم أن يسألنا الله تعالى عن كل صغيرة وكبيرة؛ فلا يخفى عليه من أعمال العباد شيٌ؛ قال الله تعالى: ﴿ يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾ [غافر: 16]، وقال تعالى: ﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ﴾ [الحاقة: 18].
وفي الصحيحين عن عدي بن حاتم رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما منكم أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمنَ منه فلا يرى إلا ما قدَّم من عمله، وينظر أشأمَ منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاءَ وجهه، فاتقوا النار ولو بشقِّ تمرة)).
2- لقاء الأنبياء والمرسلين مع أقوامهم.
• سنلتقي الحبيب محمدًا صلى الله عليه وسلم؛ كما في حديث السبعين الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا سابقة عذاب؛ وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((عُرِضت عليَّ الأمم، فرأيت النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد...))؛ [الحديث].
• وعندما سُئل النبي صلى الله عليه وسلم كيف تعرف من لم يأتِ بعد من أمتك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ((أرأيت لو أن رجلًا له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دُهْمٍ بُهمٍ، ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فإنهم يأتون غرًّا محجَّلين من آثار الوضوء، وأنا فَرَطُهم على الحوض)).
• وهناك من سيلقى الحبيب محمدًا صلى الله عليه وسلم عند الحوض في عَرَصَات القيامة، وهناك آخرون سيُحرمون من ذلك؛ ففي الحديث الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألَا لَيُذادَنَّ رجالٌ عن حوضي كما يُذاد البعير الضالُّ، أناديهم: ألَا هلمَّ، فيُقال: إنهم قد بدلوا بعدك، فأقول: سحقًا سحقًا)).
3- لقاء الخصوم:
• هناك سيلتقي المظلوم مع مَن ظلمه، والمشتوم مع مَن شتمه، والمقتول مع من قتله، والمضروب مع من ضربه، وعند الله تجتمع الخصوم.
• قضية من أخطر القضايا؛ وهي قضية المظالم؛ ولذلك جاء الإرشاد النبوي في التحذير منها، وأهمية التحلل منها قبل يوم القيامة؛ ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من كانت له مظلمة لأخيه من عِرضه أو شيء، فليتحلله منه اليوم، قبل ألَّا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أُخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات، أُخذ من سيئات صاحبه فحُمل عليه)).
والمظلمة قد تكون:
• إما بمنع ما يجب من الحقوق؛ أي: حجب حقوق الآخرين.
• أو فعل ما يضر من العدوان؛ أي: الاعتداء على حقوق الآخرين.
• أمر خطير يستلزم أن يراجع أحدنا سنوات ماضية من العمر؛ كم ظلمت؟ وكم اغتبت؟ وكم ضربت وشتمت؟
فإن صحائف الأعمال يوم القيامة لا تغادر صغيرة ولا كبيرة؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 49].
• فالذي يظلم الناس ويعتدي عليهم هو في الحقيقة ظالم لنفسه معتدٍ عليها؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 57].
• وظلم العباد له صور عديدة؛ منها:
• ظلم العباد في دينهم؛ بنشر الشهوات، وبث الشبهات، وصد الناس عن دينهم.
• ظلم العباد في أموالهم؛ بأكلها بالباطل، وبخس الناس أشياءهم في البيع والشراء، والمماطلة في الديون مع القدرة.
• ظلم الأجراء والعمال؛ إما ببخس حقوقهم أو تكليفهم بما لا يُطاق.
• ظلم العباد في أبدانهم؛ بالتعدي عليهم بالضرب والإيذاء والتعذيب.
وأما كيفية التحلل من هذه المظالم والحقوق؟
• فأما الحقوق العينية، فإنها تُرَدُّ بعينها.
• وأما الحقوق المعنوية من الغِيبة والشتم، فإن كان خصمه يعلمها، فإنه يستسمحه ويتحلل منه؛ وإلا فإنه يدعو ويستغفر له ويذكر محاسنه.
4- لقاء العامل مع عمله.
• فمن التلاقي في الآخرة أن يلتقي الإنسان بصحيفة أعماله التي أحصت عليه كل صغيرة وكبيرة؛ كما قال الله تعالى: ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 30]، وقال تعالى: ﴿ يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ ﴾ [الزلزلة: 6]؛ فحتمًا سيكون هناك لقاء بينك وبين أعمالك؛ فاختر لنفسك أعمالًا يسرُّك اللقاء بها يوم القيامة.
5- لقاءات أهل النار.
• حيث يجتمعون وينادون على أهل الجنة؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [الأعراف: 50].
• ويشتد بهم العذاب والألم والحسرة؛ فترتفع أصواتهم؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ﴾ [فاطر: 37].
• فيقترح بعضهم على بعض الصبر وعدم الجزع؛ قال الله تعالى: ﴿ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ ﴾ [إبراهيم: 21].
قال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم: "إن أهل النار قال بعضهم لبعض: تعالَوا، فإنما أدرك أهل الجنة الجنةَ ببكائهم وتضرعهم إلى الله عز وجل، تعالَوا نبكِ ونتضرع إلى الله فبكَوا وتضرعوا، فلما رأوا ذلك لا ينفعهم، قالوا: تعالَوا، فإنما أدرك أهل الجنة الجنةَ بالصبر، تعالَوا حتى نصبر فصبروا صبرًا لم يُرَ مثله، فلم ينفعهم ذلك؛ فعند ذلك قالوا: ﴿ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ ﴾ [إبراهيم: 21]".
• ثم ينادون على من كان سببًا في إضلالهم وإغوائهم؛ حتى يخفف عنهم العذاب؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ ﴾ [إبراهيم: 21]، وقال تعالى: ﴿ وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ ﴾ [غافر: 47].
• ثم يختصمون ويتبرأ بعضهم من بعض، ويلعن بعضهم بعضًا، وتبدأ العداوة بينهم؛ كما قال الله تعالى: ﴿ قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ * تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء: 96 - 98]، وقال تعالى: ﴿ قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا ﴾ [الأعراف: 38]، وقال تعالى: ﴿ قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ ﴾ [ص: 60].
• ويطلبون زيادة العذاب لمن كان سببًا في إضلالهم؛ كما قال الله تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 38]، وقال تعالى: ﴿ قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ ﴾ [ص: 61].
• وهنا يبدأ التوبيخ والمنع من الكلام، واليأس من الخروج من النار؛ كما قال الله تعالى: ﴿ قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ ﴾ [المؤمنون: 108]، وقال تعالى: ﴿ هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ * وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ﴾ [المرسلات: 35، 36].
6- لقاءات أهل الجنة:
• أما لقاءات أهل الجنة فأنْعِمْ بها وأكرم من لقاءات؛ قال الله تعالى عن أحوالهم: ﴿ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ ﴾ [الصافات: 27].
• ووصف الله تعالى أحوالهم وهم في سعادة وفرح وسرور؛ فقال تعالى عنهم: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ﴾ [الحجر: 47]، وقال تعالى: ﴿ مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ ﴾ [الطور: 20].
• ووصف لنا النبي صلى الله عليه وسلم أحوالهم؛ كما في حديث أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن في الجنة سوقًا يأتونها كل جمعة، فتهب ريح الشمال، فتحثُو في وجوههم وثيابهم، فيزدادون حسنًا وجمالًا، فيرجعون إلى أهليهم، وقد ازدادوا حسنًا وجمالًا، فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم حسنًا وجمالًا، فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسنًا وجمالًا))؛ [رواه مسلم].
نسأل الله العظيم أن يجعلنا من أهل الجنة، وأن يجمعنا جميعًا في أعلى درجات الجنة، إخوانًا على سرر متقابلين.
الخطبة الثانية: ثمرات الإيمان بيوم التلاقِ:
1- الانتفاع بالموعظة؛ كما قال الله تعالى: ﴿ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 232]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا ﴾ [النازعات: 45]، وقال تعالى: ﴿ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ ﴾ [ق: 45]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ﴾ [هود: 103].
• فالذي لم يستقر الإيمان والخوف من لقاء الآخرة في قلبه، لا تنفع فيه الموعظة؛ لأن الموعظة هي تذكير بالله تعالى وتخويف من لقائه وعقابه.
• ولذلك فإن المجرمين من أهل النار عندما ضعُف وازع الخوف من لقاء الآخرة في قلوبهم، كانت لا تنفع فيهم المواعظ، بل كانوا يفرون منها؛ كما قال الله تعالى: ﴿ فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ ﴾ [المدثر: 49 - 51].
• ثم بيَّن سرَّ هذا الفرار من الموعظة: ﴿ كَلَّا بَلْ لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ ﴾ [المدثر: 53].
2- تحقيق الخشية والخوف من الله تعالى؛ والذي يترتب عليه فعل الخيرات؛ كما قال الله تعالى في وصف عباده الأبرار: ﴿ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا ﴾ [الإنسان: 7]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾ [التوبة: 18].
• فإذا تحقق الإيمان باليوم الآخر، كان ذلك وازعًا ومحركًا للمسارعة إلى الطاعات والقربات، وعمارة المساجد بالصلوات والذكر؛ فإن الإيمان باليوم الآخر أقوى باعث إلى فعل الخيرات، وترك المحرمات.
3- هوان الدنيا عند أهل الإيمان باليوم الآخر:
• وذلك عندما يعلم العبد المؤمن أن هناك دارًا غير هذه الدار، نعيمها لا ينفد، وأنه سيرتحل وينتقل من هذه الدار إلى تلك الدار، وأن الحياة الأبدية هي حياة الدار الآخرة؛ فإن النتيجة والثمرة المرجوة هي هوان الدنيا عليه، مهما كانت ملذاتها وشهواتها.
• وعلى مثل هذه المعاني ربَّى النبي صلى الله عليه وسلم الجيل الأول لهذه الأمة؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: ((ما لي وللدنيا؟ ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة، ثم راح وتركها)).
• ومرَّ يومًا على جِدْيٍ أسَكٍّ ميت، فقال لهم مبينًا أنها لا تساوي عند الله شيئًا: ((للدنيا أهون عند الله من هذا عليكم)).
• وفي حديث آخر: ((لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة، ما سقى كافرًا منها شربة ماء)).
• وكان يوصي ابن عمر رضي الله عنهما: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)).
• وكان صلى الله عليه وسلم يحذرهم من الاغترار بالدنيا، ويحذرهم من الركون إليها، مع ما كانوا عليه من قوة الإيمان والتقوى، ومع أنها لم تُفتَح عليهم كحالها الآن، فما ركبوا سيارات بماركات حديثة، ولا سكنوا القصور، ولا أكلوا أنواع المأكولات.
• ومع ذلك كان يقول صلى الله عليه وسلم: ((إن الدنيا حُلْوَة خَضِرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون؛ فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء))؛ [رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري].
• وتأمل: عندما تغلغل حب الدنيا في قلوبنا كنَّا أقلهم أعمالًا للآخرة، وأكثرهم حبًّا للدنيا، وكأننا مخلدون فيها؛ ولذلك تجد التنافس عليها الذي يفضي إلى الشحناء والعداوة والقطيعة.
4- تعجيل التوبة وسرعة الإقلاع عن الذنوب والآثام، بل ومن ثمرات الإيمان بلقاء الله تعالى عدم الوقوع في الذنب أصلًا؛ كما قال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [الأنعام: 15].
• وتأمل ما قصه الله تعالى في كتابه العزيز من خبر ابني آدم عليه السلام؛ كما قال تعالى: ﴿ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ﴾ [المائدة: 28]، فما هو السر مع أنه كان الأشد والأقوى؟ ﴿ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾ [المائدة: 28].
• فإذا تذكر المغتاب بأن له لقاءً مع من اغتابه، وأنه سيُحاسب ويُؤخذ من حسناته، فإنه سيبادر بالتوبة.
• وإذا تذكر الظالم أنه سيُقتَص منه.
• وإذا تذكر آكل أموال الناس بالباطل أنه يأكل في بطنه نارًا وسيصلى سعيرًا.
• وإذا تذكر الغادر أن له لواء يُنصَب يوم القيامة.
5- إن المؤمن يعمل بجدٍّ واجتهاد لهذا اليوم العظيم:
• فإن النفس إذا علِمت العِوَضَ، فإنها تستعد للبذل والعطاء، حتى ولو لم تَرَ ثمرة هذا العمل في الدنيا.
• عندما يعلم قارئ القرآن أنه سيزداد بكل آية يحفظها درجة في الجنة.
• وعندما يعلم المصلي أنه سيزداد درجات في الجنة بكل سجدة يسجدها.
• وعندما يعلم القائم ما أعده الله له من الغُرُف ومن النعيم في الجنة.
• وعندما يعلم الذاكر بأن له نخلةً في الجنة بكل تسبيحة.
• ويعلم الداعي إلى الله تعالى كم له من الخير والرفعة والدرجات العالية في الجنة.
• ويعلم الشهيد ما له عند الله تعالى من التكريم.
• فلا شك أن الإيمان بلقاء الله تعالى يوم القيامة هو أقوى باعث على فعل الخير.
نسأل الله العظيم أن يقوي إيماننا، وأن يجعلنا من عباده الصالحين.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|