الآية: ﴿ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا..)
♦ الآية: ﴿ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾.
♦ السورة ورقم الآية: الأعراف (150).
♦ الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي: ﴿ ولما رجع موسى إلى قومه غضبان ﴾ عليهم ﴿ أسفاً ﴾ حزيناً لأنَّ الله تعالى فتنهم ﴿ قال بئسما خلفتموني من بعدي ﴾ بئسما عملتم من بعدي حين اتَّخذتم العجل إلهاً وكفرتم بالله ﴿ أعجلتم أمر ربكم ﴾ أسبقتم باتخاذ العجل ميعاد ربِّكم؟ يعني: الأربعين ليلة وذلك أنَّه كان قد وعدهم أن يأتيهم بعد ثلاثين ليلةَ فلمَّا لم يأتيهم على رأس الثَّلاثين قالوا: إنَّه قد مات ﴿ وألقى الألواح ﴾ التي فيها التَّوراة ﴿ وأخذ برأس أخيه ﴾ بذؤابته وشعره ﴿ يجرُّه إليه ﴾ إنكاراً عليه إذ لم يلحقه فَيُعرِّفه ما فعل بنو إسرائيل كما قال في سورة طه: ﴿ قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضلوا * أن لا تتبعنِ ﴾ الآية فأعلمه هارون أنَّه أَنَّما أقام بين أظهرهم خوفاً على نفسه من القتل وهو قوله: ﴿ قال ابن أمَّ ﴾ وكان أخاه لأبيه وأُمِّه ولكنَّه قال: يا ابنَ أمَّ ليرقِّقه عليه ﴿ إنَّ القوم استضعفوني ﴾ استذلُّوني وقهروني ﴿ وكادوا ﴾ وهمُّوا أن ﴿ يقتلونني فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ ﴾ يعني: أصحاب العجل بضربي وإهانتي ﴿ ولا تجعلني ﴾ في موجدتك وعقوبتك لي ﴿ مع القوم الظالمين ﴾ الذين عبدوا العجل فلمَّا عرف براءة هارون ممَّا يوجب العتب عليه إذ بلغ من إنكاره على عبدة العجل ما خاف على نفسه القتل.
♦ تفسير البغوي "معالم التنزيل": قوله تعالى: ﴿ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً ﴾، قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: الأسف: الشديد الْغَضَبِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيُّ: أَسِفَا أَيْ حَزِينًا. وَالْأَسَفُ أَشَدُّ الْحُزْنِ. ﴿ قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي ﴾، أَيْ: بِئْسَ مَا عَمِلْتُمْ بَعْدَ ذَهَابِي، يُقَالُ: خَلَفَهُ بِخَيْرٍ أَوْ بَشَرٍّ إِذَا أَوْلَاهُ فِي أَهْلِهِ بَعْدَ شُخُوصِهِ عَنْهُمْ خَيْرًا أَوْ شَرًّا، ﴿ أَعَجِلْتُمْ ﴾، أَسَبَقْتُمْ ﴿ أَمْرَ رَبِّكُمْ ﴾، قَالَ الْحَسَنُ: وَعْدُ رَبِّكُمُ الَّذِي وَعَدَكُمْ مِنَ الْأَرْبَعِينَ لَيْلَةً. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: أَعَجِلْتُمْ بِعِبَادَةِ الْعِجْلِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمْ أَمْرُ رَبِّكُمْ. ﴿ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ ﴾، الَّتِي فِيهَا التَّوْرَاةُ وَكَانَ حَامِلًا لَهَا، فَأَلْقَاهَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ شِدَّةِ الْغَضَبِ. قَالَتِ الرُّوَاةُ: كَانَتِ التَّوْرَاةُ سَبْعَةَ أَسْبَاعٍ فَلَمَّا أَلْقَى الْأَلْوَاحَ تَكَسَّرَتْ فَرُفِعَتْ سِتَّةُ أَسْبَاعِهَا وَبَقِيَ سُبْعٌ، فَرُفِعَ مَا كَانَ مِنْ أَخْبَارِ الْغَيْبِ وَبَقِيَ مَا فِيهِ الْمَوْعِظَةُ وَالْأَحْكَامُ وَالْحَلَالُ وَالْحَرَامُ، ﴿ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ ﴾، بِذَوَائِبِهِ وَلِحْيَتِهِ ﴿ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ﴾، وَكَانَ هَارُونُ أَكْبَرَ مِنْ مُوسَى بِثَلَاثِ سِنِينَ وَأَحَبَّ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مُوسَى، لِأَنَّهُ كَانَ لَيِّنَ الْغَضَبِ. ﴿ قالَ ﴾ هَارُونُ عِنْدَ ذَلِكَ، ﴿ ابْنَ أُمَّ ﴾، قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ وَالشَّامِ هَاهُنَا وَفِي طَهَ بِكَسْرِ الْمِيمِ، يُرِيدُ: يَا ابْنَ أُمِّي فَحَذَفَ يَاءَ الْإِضَافَةِ وَأُبْقِيَتِ الْكَسْرَةُ لِتَدُلَّ عَلَى الْإِضَافَةِ كَقَوْلِهِ: ﴿ يَا عِبادِ ﴾ [الزمر: 10- 16]، وَقَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ وَحَفْصٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ عَلَى مَعْنَى يَا ابْنَ أُمَّاهُ. وَقِيلَ: جَعَلَهُ اسْمًا وَاحِدًا وَبَنَاهُ عَلَى الْفَتْحِ، كَقَوْلِهِمْ: حَضْرَمَوْتَ وَخَمْسَةَ عَشَرَ وَنَحْوُهُمَا، وَإِنَّمَا قال ابن أمّ وَكَانَ هَارُونُ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ لِيُرَقِّقَهُ وَيَسْتَعْطِفَهُ. وَقِيلَ: كَانَ أَخَاهُ لِأُمِّهِ دُونَ أَبِيهِ، ﴿ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي ﴾، يَعْنِي: عَبَدَةَ الْعِجْلِ، ﴿ وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي ﴾، هَمُّوا وَقَارَبُوا أَنْ يَقْتُلُونِي، ﴿ فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي ﴾، فِي مُؤَاخَذَتِكَ عَلَيَّ ﴿ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾، يَعْنِي: عَبَدَةَ الْعِجْلِ.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|