ذكرى الهجرة وكيفية الاستفادة منها
تمر بنا هذه الأيام ذكرى هجرة الحبيب محمد - صلى الله عليه وسلم - من مكة إلى المدينة، وهي ذكرى تُجدِّد في المسلم علاقته بتاريخه وبأحداث سيرة نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -. ولا يختلف اثنان في أن ذكرى هجرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ذكرى عظيمة تستحق أن نتذكرها وأن نتدارس دواعيها ودروسها حيث أن المسلمين في مكة كانوا قد مروا طيلة ثلاثة عشر عاما في أنواعٍ من الابتلاءات والقمع والاستبداد والظلم، واجهوها بالصبر والتضحيات حتى أتت مشروعية الهجرة.
فإيذاء قريش للنبي - صلى الله عليه وسلم - قد بلغ مداه وفاق المتوقع وأمعنتْ في ذلك سيما بعد وفاة عمه أبي طالب، وزوجته خديجة رضي الله عنها. وشمل الإيذاء جميع أصحابه ولم يستثن أحداً فكان لابد أن يتركوا المال والأهل والوطن ليسلموا بدينهم وذلك بعد أن أذن لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بها فكان من أواخر من هاجر.
ولما فشلت جهود قريش المتتالية في الحد من انتشار الدعوة وإيقاف تزايد أعداد المنتمين إليها عمدت إلى خطة خطيرة وهي تدبير اغتيال النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان آخر سبب من أسباب الهجرة.
لم تنجح حادثة الاغتيال وخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - منها سالما وتوجه إلى خليله أبي بكر الصديق لتتم الخطوات العملية الأولى للهجرة فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - وفلت من يد قريش وخرجت قريش بغية الظفر به والقبض عليه، فاختفى في الغار ثلاث أيام ثم واصل سيره حتى وصل إلى المدينة بعد معاناة ومشقة ومخاطرة ومعجزات كانت تؤمِّنه بين الفترة والأخرى حتى وصل إلى أصحابه في المدينة وبدأ يرسى قواعد الدولة الإسلامية هناك.
وللوقوف على ذلك بالتفصيل يمكنك أخي القارئ العودة إلى كتب السيرة وفقهها حتى تقف على تلك الأحداث بالتفصيل وتستق منها الدروس والعبر.
ولكن لا مندوحة لي هنا أن أ مر على هذا الحدث بصورة سريعة والوقوف على مدلولاته ودروسه بصورة إجمالية من خلال هذه الخطوات العملية للاستفادة من ذكرى الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.
أولاً: إحياء التاريخ الهجري وإظهار رمزيته باعتباره تاريخ إسلامي متعلق بهجرة نبينا محمد صلى الله عليه وباعتبار أن الأشهر الهجرية هي الأشهر القمرية المرتبطة بسير القمر، وهي الأشهر العربية في جاهليتها وإسلامها، ولا يخفى أن المعتبر في الشريعة الإسلامية في العبادات وغيرها هي الأشهر القمرية فوقت النبي - صلى الله عليه وسلم - العبادات بالأشهر القمرية من الصيام والحج والكفارات وغير ذلك كالعدد، وفضل الله الأزمنة بعضها على بعض باعتبار الأشهر القمرية.
ثانيا: تذكير الناس بأحداث الهجرة وربطهم بدروسها ليدركوا سنن الله في هذه الدعوة وطبيعة طريقها.
ثالثا: توضيح كيد أعداء الإسلام قديما وحديثا حيث أنهم يبذلون الغالي والرخيص في سبيل صد الناس عن هذه الدعوة والانتماء إليها.
رابعاً: توعية النشء بالأحداث البطولية لفتية الصحابة وشبابهم في الهجرة النبوية وفي غيرها من أحداث التاريخ الإسلامي وبما كان للشاب علي ابن أبي طالب رضي الله عنه من دور مهم رغم سنه المبكر من تضحيات حيث أقعده النبي - صلى الله عليه وسلم - على فراشه الذي كان المتوقع أن تكون عليه مسرح الجريمة فكأنه كبش فداء؛ وكيف وكله بمهمة إعادة الودائع والأمانات التي كانت مستودعة عنده - صلى الله عليه وسلم.
خامساً: التأكيد على المنزلة الخاصة التي احتلها أبوبكر وأسرته في قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - وما كان له من دور في الهجرة وما قبلها وما بعدها وكذلك فضل سائر الصحابة وخاصة العشرة المبشرين بالجنة وبالأخص الخلفاء الراشدين.
سادساً: إدراك مدى اهتمام النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأسباب حيث بذل جهدا رائعا في التخطيط والتجهيز مع صاحبه أبي بكر رضي الله عنه ولكنه مع ذلك متوكل على ربه لا على الأسباب.
سابعاً: مدى عناية الله ورعايته لرسول - صلى الله عليه وسلم - في تلك الرحلة والتي قدر الله أن تكون على السمة البشرية مغايرة لتلك الرحلة التي كرمه الله وأمته بها وهي رحلة الإسراء والمعراج.
ثامناً: ثقة المسلم بصدق ما يحمل من فكر مستقيم وعقيدة سليمة وعدم المبالاة ببعض المثبطات التي تعمل على إيقاف امتداد الدعوة هنا وهنالك، فقد كان النبي صلى الله واثقا بنجاح الهجرة والدعوة وبوصوله إلى أصحابه رغم ما تخلل الهجرة من مخاوف ومخاطر وعقبات.
تاسعاً: مدى مراعاة التشريع الإسلامي للبيئة وتهيئتها ووضع حالها عين الاعتبار فقد كان المسلمون يدركون خطورة اجتماعهم في مؤتمرٍ أسبوعي يصلون فيه الجمعة في مكة بيد أن النبي صلى الله وفور وصوله اطراف المدينة أقام أول جمعة مع مجموعة من الصاحبة.
عاشراً: التأكيد على إحياء دور المسجد وتقوية الارتباط به وتكوين كوادر قادرة على إداراته وإعادة دوره المنشود لإدارة مشاكل المجتمع وتربيته وتوعيته وعلى تفعيل دوره في إقامة الدين وبناء القيم الإسلامية..
حادي عشر: ضرورة إحياء روح الأخوة الإسلامية في أوساط المسلمين والتأكيد على ارتباطها المتين بالإيمان بالله عز وجل وإحياء روح امتداد تلك الأخوة بالتكافل والتعاون على الخير.
ثاني عشر: ضرورة إحياء فقه التعامل مع الآخرين وغرس الآداب المتعلقة بالتعامل بين الناس مسلمهم وكافرهم.
اللهم اجزِ عنا نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - خيرا اللهم اجز عنا نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ما هو أهله.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|