من معجزاته الباهرة صلى الله عليه وسلم تسابق الإبل إليه كي ينحرها بيده الشريفة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الاوّلين والآخرين وعلى آله وأصحابه الغر الميامين، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين.
فمن المعلوم بداهة أن الحيوان الذي أجاز الله ذبحه يفر من ذابحه، واستثني من ذلك حالة واحدة؛ أن إبلاً تتسابق إلى من ينحرها بيده إذا كان الناحر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لتنال بركة يده الشريفة، علما أن من أصعب الحيوانات ذبحا الإبل؛ فهي تنحر وعندما تنحر تبكي من شدة ذلك ومع هذا الألم كله تريد ان تنال هذا الشرف العظيم وهذا السبق المبارك؛ من هنا جاءت فكرة هذا المقال الذي وسمته بوسم "من معجزاته الباهرة -صلى الله عليه وسلم- تسابق الإبل إليه كي ينحرها بيده الشريفة" لعلها تكون لفتة جديدة تضاف إلى معجزاته -صلى الله عليه وسلم-، وقد انتهجت في ذلك طريقة الحديث التحليلي في البحث راجيا من الله القبول والتوفيق.
قال الإمام أحمد:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ ثَوْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي رَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ لُحَيٍّ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ قُرْطٍ[1]، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: " أَعْظَمُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ ". وَقُرِّبَ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- خَمْسُ بَدَنَاتٍ أَوْ سِتٌّ يَنْحَرُهُنَّ فَطَفِقْنَ يَزْدَلِفْنَ إِلَيْهِ، أَيَّتُهُنَّ يَبْدَأُ بِهَا، فَلَمَّا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا، قَالَ كَلِمَةً خَفِيَّةً لَمْ أَفْهَمْهَا، فَسَأَلْتُ بَعْضَ مَنْ يَلِينِي: مَا قَالَ؟ قَالُوا: قَالَ: " مَنْ شَاءَ اقْتَطَعَ "[2].
تخريجه:
أخرجه أبو داود بلفظ: " إِنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ". قَالَ عِيسَى، قَالَ ثَوْرٌ: وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّانِي[3]، وابن خزيمة في صحيحه[4]، والطبراني في الأوسط، والشاميين بلفظ: فَجَعَلْنَ يَزْدَلِفْنَ إِلَيْهِ، بِأَيَّتِهِنَّ يَبْدَأُ [5]، والحاكم في المستدرك[6]،والبيهقي في الكبرى[7].
حكمه:
قال الحاكم: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وقال الذهبي: صحيح [8]، والى هذا ذهب الأعظمي فقال: (إسناده صحيح) [9]،والألباني وقال: (صحيح) [10]، وشعيب الانؤوط فقال: (إسناده صحيح، رجاله ثقات. ثور: هو ابن يزيد الرَّحَبي، وراشد بن سعد: هو المَقْرائي) [11]، وعليه فالحديث صحيح ولا غبار عليه [12].
بيان المعاني وغريب الألفاظ:
(يَوْمُ الْقَرِّ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي يَلِي يَوْمَ النَّحْرِ سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَقِرُّونَ فِيهِ بِمِنًى. وَقَدْ فَرَغُوا مِنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَالنَّحْرِ فَاسْتَرَاحُوا وَمَعْنَى قَرُّوا: اسْتَقَرُّوا وَيُسَمَّى يَوْمَ الْأَوَّلِ وَيَوْمَ الْأَكَارِعِ[13].
(فَطَفِقْنَ): بِكَسْرِ الْفَاءِ الثَّانِيَةِ أَيْ: شَرَعْنَ.
(يَزْدَلِفْنَ): قال ابن الأثير: الازدلاف: الاقتراب. زلف الشيء: إذا قرب[14]. أَيْ: يَتَقَرَّبْنَ، وَيَسْعَيْنَ،يَعْنِي يَقْصِدُ كُلٌّ مِنَ الْبَدَنَةِ أَنْ يَبْدَأَ فِي النَّحْرِ بِهَا وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنَ المعجزة الباهرة [15]، قَالَ الْخَطَّابِيُّ يَزْدَلِفْنَ مَعْنَاهُ: يَقْرَبْنَ مِنْ قَوْلِكَ زَلَفَ الشَّيْءُ إِذَا قَرُبَ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﭽ وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ ﭼ، ومَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الدُّنُوُّ وَالْقُرْبُ مِنَ الْهَلَاكِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتِ الْمُزْدَلِفَةُ لِاقْتِرَابِ النَّاسِ إِلَى مِنًى بَعْدَ الْإِفَاضَةِ عَنْ عَرَفَاتٍ[16].
(إِلَيْهِ بِأَيَّتِهِنَّ يَبْدَأُ): قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ: مُنْتَظِرَاتٌ بِأَيَّتِهِنَّ يَبْدَأُ لِلتَّبَرُّكِ بِيَدِ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- في نَحْرِهِنَّ. قِيلَ: وَهَذَا مِنْ مُعْجِزَاتِهِ[17].
(فَلَمَّا وَجَبَتْ جَنُوبُهَا) أَيْ سَقَطَتْ عَلَى الْأَرْضِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ ذَهَبَتْ أَنْفُسُهَا فَسَقَطَتْ عَلَى جَنُوبِهَا[18].
وصَلَّى اللهُ وسَلَّمَ على سيّدنا مُحمّدٍ، وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين، والحمد لله ربّ العالمين.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|