من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في السلام (1)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
أخي القارئ أختي القارئة/ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام اسم من أسماء الله تعالى، وخلق من أخلاق النبيين والصالحين، والجنة سميت بدار السلام والسلام تحية أهل الجنة، وأول درجات البر، وأشرف التحيات، ودليل التواضع والتواصل، وأدب من الآداب العظيمة التي حث الإسلام على إفشائه وبذله لجميع المسلمين، شُرِعَ بين العباد لكمال الدين وإعلاء كلمة الإسلام، وليستأنسوا به، ولتسود الألفة، وتزداد المحبة، وينمو الود والتآلف، وتسلم القلوب.
تعريف الهدي:
الهاء والدال والياء (هـ د ي): الهدى الرشاد والدلالة... يقال: هدى هدي فلان أي سار سيرته[1].
الهدى: السيرة السوية يقال: هدى هدي فلان إذا سار سيرته[2].
وهدي النبي صلى الله عليه وسلم: أي السيرة الحسنة والطريقة المستقيمة من أقواله وأفعاله التي أمرنا الله تعالى بالتأسي بها؛ رجاء ثواب الله تعالى وحصول شفاعته صلى الله عليه وسلم.
تعريف السلام:
السلام في الأصل السلامة. يقال سلم يسلم سلامة وسلاما. ومنه قيل للجنة دار السلام؛ لأنها دار السلامة من الآفات...السلام: التحية[3].
ومعنى السلام: الدعاء للإنسان بأن يسلم من الآفات في دينه ونفسه[4].
(من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في السلام) أمر الله تعالي رسوله صلى الله عليه وسلم بالسلام:
أَمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم، إِذَا رَأَى الذين آمنوا بالله سبحانه، وصدقوا رسوله صلى الله عليه وسلم وأطاعوه، بدأهم بالسلام تشريفا وطمأنينة لهم، قال تعالى:﴿ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 54].
قال السعدي: لما نهى الله رسوله، عن طرد المؤمنين القانتين، أمره بمقابلتهم بالإكرام والإعظام، والتبجيل والاحترام... وإذا جاءك المؤمنون، فحيهم ورحب بهم ولقهم منك تحية وسلاما، وبشرهم بما ينشط عزائمهم وهممهم، من رحمة الله، وسعة جوده وإحسانه[5].
كان من هديه صلى الله عليه وسلم، أن يكرر السلام ثلاثا إذا خشى أن لا يسمع سلامه:
عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلَّم أنَّه كان: «إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلاَثًا، حَتَّى تُفْهَمَ عَنْهُ، وَإِذَا أَتَى عَلَى قَوْمٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، سَلَّمَ عَلَيْهِمْ ثَلاَثًا»[6].
قال الطيبي: معناه كان النبي صلى الله عليه وسلم أتى على قوم سلم تسليمه الاستئذان، وإذا دخل سلم تسليمة التحية، ثم إذا قام من المجلس سلم تسليمة الوداع، وهي في معنى الدعاء. وهذه التسليمات كلها مسنونة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يواظب عليها، ولا مزيد في السنة على هذه الأقسام[7].
وقال ابن القيم: هذا كان هديه في السلام على الجمع الكثير الذين لا يبلغهم سلام واحد، أو هديه في إسماع السلام الثاني والثالث، إن ظن أن الأول لم يحصل به الإسماع[8].
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه كيفية السلام وصيغته الكاملة:
عن عمران بن حصين، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم، فرد عليه السلام، ثم جلس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «عَشْرٌ» ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه، فجلس، فقال: «عِشْرُونَ» ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه، فجلس، فقال: «ثَلَاثُونَ»[9].
قال الطيبي: اعلم أن أفضل السلام أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فيأتي بضمير الجمع وإن كان المسلم عليه واحدا. ويقول المجيب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ويأتي بواو العطف في قوله: وعليكم السلام، وأقل السلام أن يقول: السلام عليكم[10].
كان صلى الله عليه وسلم يعلم الصحابة الجمع بين السلام والاستئذان:
عن ربعي، قال: حدثنا رجل من بني عامر أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت فقال: ألج[11]؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه: «اخْرُجْ إِلَى هَذَا فَعَلِّمْهُ الِاسْتِئْذَانَ، فَقُلْ لَهُ: قُلِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، أَأَدْخُلُ؟» فسمعه الرجل، فقال: السلام عليكم، أأدخل؟ فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل[12].
قال النووي: السنة أن يسلم ويستأذن ثلاثا فيجمع بين السلام والاستئذان كما صرح به في القرآن واختلفوا في أنه هل يستحب تقديم السلام ثم الاستئذان أو تقديم الاستئذان ثم السلام الصحيح الذي جاءت به السنة وقاله المحققون أنه يقدم السلام فيقول السلام عليكم أأدخل والثاني يقدم الاستئذان والثالث وهو اختيار الماوردي من أصحابنا إن وقعت عين المستأذن على صاحب المنزل قبل دخوله قدم السلام والاقدم الاستئذان[13].
ختامًا:
أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يوفقني وإياكم جميعًا للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|