تفسير قوله تعالى: ﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ ا
قوله تعالى: ﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 163].
قوله: ﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾ الخطاب لجميع الخلق، الإنس والجن.
و"الإله": المعبود، "واحد" أي: فرد لا معبود بحق سواه، كما قال تعالى: ﴿ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [الزمر: 4]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [ص: 65].
والمعنى: ومعبودكم أيها الخلق، الذي يستحق العبادة- محبة وتعظيماً- معبود واحد، متفرد في ذاته، وأسمائه وصفاته، وأفعاله، وهو الله- عز وجل- فلا تعبدوا سواه.
﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ هذه الجملة تأكيد لما قبلها، فيها إثبات كمال ألوهيته- عز وجل- ونفي الألوهية عن غيره، كما في كلمة التوحيد ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ ففيها نفي العبادة عما سوى الله- عز وجل، وإثباتها له، وحصرها فيه، وحده لا شريك له.
أي: لا إله بحقٍ إلا هو، كما قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ ﴾ [الحج: 62]، وقال تعالى: ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ [الحشر: 22]، وقال تعالى: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [البقرة: 255].
﴿ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ اسمان من أسماء الله- عز وجل- "الرحمن" على وزن "فعلان"، و"الرحيم" على وزن "فعيل"، و"فعلان" أبلغ من "فعيل"، ولهذا قدم "الرحمن" على "الرحيم" هنا وفي البسملة والفاتحة، وفي قوله تعالى: ﴿ تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [فصلت: 2]، وفي قوله تعالى: ﴿ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ [الحشر: 22].
ويدل كل من "الرحمن" و"الرحيم" في حال انفرادهما على إثبات صفة الرحمة الواسعة لله- عز وجل، رحمة ذاتية ثابتة له- عز وجل- ورحمة فعلية، يوصلها من شاء من خلقه، رحمة عامة لجميع الخلق، ورحمة خاصة بالمؤمنين.
وحيث اقترنا في هذه الآية، فإنه يؤخذ من "الرحمن" إثبات صفة الرحمة الذاتية الثابتة لله- عز وجل- كما يؤخذ منه إثبات صفة الرحمة العامة، لجميع الخلق مؤمنهم وكافرهم، ناطقهم وبهيمهم، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 143، الحج: 65].
ويؤخذ من "الرحيم" إثبات صفة الرحمة الفعلية لله- عز وجل- التي يوصلها من شاء من خلقه، كما قال عز وجل: ﴿ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ ﴾ [العنكبوت: 21]. وإثبات صفة الرحمة الخاصة بالمؤمنين، كما قال تعالى: ﴿ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 43].
و"الرحمن" اسم خاص بالله لا يسمى به غيره، بل هو ثاني اسم من أسمائه- عز وجل- كما قال تعالى: ﴿ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ ﴾ [الإسراء: 110].
و"الرحيم" قد يسمى أو يوصف به غير الله، كما قال- عز وجل- عن رسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].
ومن اسمه- عز وجل- "الرحمن" اشتق اسم الرحم- التي بها يتراحم الناس، قال تعالى في الحديث القدسي: "أنا الله، وأنا الرحمن، خلقت الرحم، وشققت لها اسماً من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته"[1].
المصدر: « عون الرحمن في تفسير القرآن »
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|