الانحراف: أسبابه وعلاجه
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله، فلا مضلَّ له، ومن يضلل، فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]؛ أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسنَ الهَدْيِ هَدْيُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إن الله سبحانه خلق الناس لعبادته: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، وأن يسلكوا الطريقة والمنهج الذي أمر الله عز وجل به نبيه صلى الله عليه وسلم، والأمة تَبَعٌ له في الاستقامة على دين الله عز وجل: ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [هود: 112].
ولتعلموا - عباد الله - أن تنكُّبَ كثيرٍ من الناس عن الاستقامة، وانحراف كثير منهم عن الصراط المستقيم، ولا سيما شباب هذه الأمة؛ حيث وقعوا فيما يُبْعِد عن الله عز وجل وعن الصراط المستقيم، وفيما يفرح الشيطان وأولياءه؛ من ترك الصلوات المكتوبات، والتهاون بها، هذه الصلاة التي هي شعار الإسلام، وحقيقة الإيمان، ومن الوقوع في عقوق الآباء والأمهات، ومن ارتكاب الفواحش والمنكرات، وما ابتُلِيَ به كثير من الشباب من إدمان المخدرات والْمُسْكِرات، ومن اختلال عقول كثير من شبابنا، وذهاب مروءته، ونقصان رجولته: ((لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبِّهين من الرجال بالنساء، والمتشبِّهات من النساء بالرجال))[1].
عباد الله:
إن لهذا الانحراف أسبابًا لا بد أن تطْرُق الآذان، وأن ينتبه لها الجَنان، وأن يبتعد عنها الإنسان، الإنسان الذي يريد سعادة الدنيا، وكرامة الآخرة، ومن أعظم هذه الأسباب:
• الجهل بالله والاغترار به: ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ﴾ [الانفطار: 6، 7].
• واتباع الهوى: ﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ﴾ [الفرقان: 43].
• والبعد عن دين الله عز وجل، لا يتعلمه ولا يعمل به: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا *قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ﴾ [طه: 124 - 126].
• والتشبُّه بما عليه المنحرفون من فَسَقَةِ الكافرين، فمن تشبَّه بقومٍ فهو منهم، وإن مشابهة الظاهر تدعو إلى مشابهة الباطن، ومن أسباب الانحراف رِقَّةُ الدين، وضعف الإيمان، ولا سيما بوعد الله ووعيده، وما يكون في اليوم الآخر من أهوال عظيمة، وأحوال عديدة، وأحداث مفزعة: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ [الحج: 1، 2].
ومن الأسباب - عباد الله - انشغال الآباء والأمهات عن أبنائهم وبناتهم؛ فالرجل راعٍ في بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، فكلُّكم راعٍ ومسؤول عن رعيته.
فلا بد - عباد الله - من العناية بالأبناء والبنات، فلا يشغلهم شيء عن تربيتهم، ولا يتذرع بكثرة الأعمال وضيق الأوقات، أو يتركهم لأقدار الله تعالى، بل عليه أن يجِدَّ ويجتهد في تربيتهم، وغرس القيم العظيمة في نفوسهم، ويشغل أوقاتهم فيما ينفع، ويُلْحِقهم في حِلَقِ تحفيظ القرآن، والبرامج الإيمانية في المساجد والمعاهد المنتشرة والمتيسرة في بلادنا، بحمد الله وفضله.
عباد الله: إن من أشكل المشكلات، وأعضل المعضلات، وأعظم المصائب رفقةَ السوء؛ فإن أصحاب السوء أعداءُ الفضائل، وأصحاب الرذائل، يبعدون من يخالطهم عن الله تعالى وعن المسجد وعن القرآن، يزيِّنون له الباطل، ويضيعون أوقاته، ويُوقِعونه في المهالك والموبقات.
قال عليه الصلاة والسلام: ((المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يُخَالِل))[2].
ومن آفات العصر الحاضر ذلك الانفتاحُ الإعلامي الذي صبَّ فساده صبًّا، وانتشر شرُّه انتشارًا واسعًا عظيمًا متيسرًا في كل وقت وحين، ذلكم الفضاء الواسع - وهو ما يسمى بالنت - الذي يلقط كل شيء من حسن وقبيح، وما يكون فيه من الشر أعظم وأفظع، فالمقصود توقِّي الحذر مما يضر منه، فلا يكون في أيدي الأبناء والبنات بلا قيود ولا ضوابط، ولا عناية ولا متابعة، ولا ملاحظة، فإن كثيرًا منها - بل أعظمها - يجلب الشر، ويزين المنكر، ويُوقِع في الفساد والضلال.
نسأل الله العافية والسلامة والصلاح لنا ولأبنائنا وبناتنا.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم؛ فاستغفروه من كل ذنب يغفر لكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛ نبينا محمد وعلى آله وصحبه؛ أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، واعملوا صالحًا، واعلموا أنكم ملاقو الله؛ ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8].
فإن مما يعين على الاستقامة ولزوم الطاعة، والبعد عن الانحراف عن دين الله تعالى، وعن الصراط المستقيم:
• تقوية العلاقة برب العالمين؛ فإن أعظم العبادة هي تقوية العلاقة برب العالمين.
• وأن يرجو المرء ما عند الله عز وجل من الأجر والثواب العظيم.
• وأن يخاف مما عند الله تعالى من العذاب الأليم، والنَّكال الشديد، وأن يؤمن الإيمان المثْمِرَ يومَ القيامة: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ [فاطر: 5].
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من كانت الدنيا همَّه، فرَّق الله عليه أمره، وجعل فقرَه بين عينيه، ولم يأتِه من الدنيا إلا ما كُتب له، ومن كانت الآخرة نيته، جمع الله له أمره، وجعل غِناه في قلبه، وأتَتْهُ الدنيا وهي راغمة))[3].
وأن يعتَبِرَ المرء بحال الأشقياء ممن انحرفوا عن دين الله عز وجل، وما أحل الله بهم من عذابه الأليم، وانتقامه الأكيد، وأن ينظر إلى مَنْ مَنَّ الله عليهم بالهداية والتوبة، بعد أن عاش في ضياع وبُعْدٍ عن الله عز وجل، تَرَكَ المعاصي وأقبل على الله بالإيمان والعمل الصالح، وكيف أذاقه الله حلاوة الإيمان، وطمْأَنَ قلبه، وبسط نفسه، وأراح باله، وأن المعصية ولذَّتَها وقت سريع الانقضاء، وبعدها إحراق وضيق، ووحشة وضنك.
نسأل الله العافية والسلامة.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|