تفسير قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِ
قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة: 137].
ذكر الله عز وجل في الآيات السابقة دعوة اليهود والنصارى للمسلمين باتباعهم، وأمر المسلمين باتباع ملة إبراهيم والإيمان بما أنزل إليهم وما أنزل إلى إبراهيم وغيره من النبيين، ثم بيَّن في هذه الآية أن اليهود والنصارى إن آمنوا بهذا فقد اهتدوا، وفي هذا تعريض بأنهم ليسوا على هدى، وأن الهداية ليست فيما يدعون إليه كما يزعمون، ولهذا قال بعده: ﴿ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ﴾.
قوله: ﴿ فَإِنْ آمَنُوا ﴾ الفاء: للتفريع، أي: فإن صدق وأقر اليهود والنصارى وغيرهم من الكفار، وجاء الشرط بـ "إن" المفيدة للشك إيذاناً بأن إيمانهم غير مرجو.
﴿ بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ ﴾ أي: بمثل الذي آمنتم به أيها المؤمنون، من الإيمان بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم قولاً واعتقاداً وعملاً، والإيمان بما أنزل على الأنبياء والرسل جميعاً، ولم يفرقوا بين أحد منهم.
﴿ فَقَدِ اهْتَدَوْا ﴾ جواب الشرط وقرن بالفاء لاتصاله بـ "قد"، أي: فقد وفقوا أو سلكوا طريق الهداية والرشد وأصابوا الحق.
﴿ وَإِنْ تَوَلَّوْا ﴾أي: وإن أعرضوا عن الإيمان بمثل ما آمنتم به، أي: تولوا عن الحق إلى الباطل، والتولي إذا أطلق شمل التولي بالبدن والإعراض بالقلب.
﴿ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ﴾ الفاء: رابطة لجواب الشرط لأنه جملة اسمية، وجاء الجواب جملة اسمية للدلالة على استمرارهم وثبوتهم على هذه الحال، وهي حال الشقاق.
وبين قوله: ﴿ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا ﴾ وقوله: ﴿ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ﴾ مقابلة ومشاكلة، و"إنما": أداة حصر، أي: ما حالهم إلا الشقاق.
﴿ فِي شِقَاقٍ ﴾ ﴿ فِي ﴾للظرفية تفيد تمكن الشقاق منهم، وإحاطته بهم من كل جانب وانغماسهم فيه، والشقاق: شدة المخالفة والعداوة، مأخوذ من الشق، وهو الجانب، فالمخالف يأخذ شقاً وجانباً غير شق صاحبه وجانبه.
والمعنى: فإنما هم في مخالفة ومحادة وعداوة لله ورسوله والمؤمنين، وليسوا من طلب الهداية والحق في شيء، وقد تولى القوم وأعرضوا، ولهذا قال الله عز وجل مخاطباً الرسول صلى الله عليه وسلم: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [المائدة: 59].
﴿ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ ﴾ الفاء: للتفريع والسين للتنفيس تفيد تحقق الوقوع وقربه. فهي هنا تفيد تحقق وعد الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بكفايته إياهم وقرب ذلك.
و"يكفى": فعل مضارع ينصب مفعولين، الأول هنا: كاف الخطاب، والثاني: ضمير الغائب الهاء، ولفظ الجلالة فاعل، أي: فسيكفيك الله إياهم، أي: يكفيك شقاقهم ويحفظك من شرهم.
وفي هذا وعد من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بكفايته إياهم، وتسلية له وتطمين لقلبه، وإرشاد له إلى التوكل على الله عز وجل كما قال تعالى: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ﴾ [الحجر: 95].
كما أن فيه وعيداً شديداً وتهديداً أكيداً لهؤلاء المتولين المعرضين.
﴿ وَهُوَ السَّمِيعُ ﴾ السميع: اسم من أسماء الله عز وجل، يدل على إثبات صفة السمع الواسع لله عز وجل الذي يسمع الدعاء، ويجيبه، ويسمع جميع الأقوال والأصوات.
﴿ الْعَلِيمُ ﴾ اسم من أسماء الله عز وجل يدل على إثبات صفة العلم الواسع لله عز وجل الذي وسع كل شيء.
أي: وهو السميع- سبحانه وتعالى- لجميع أقوال العباد، ولما يدبره هؤلاء المعرضون عن الإيمان من الأذى بأقوالهم؛ "العليم" بضمائرهم وأفعالهم، وفي هذا تأكيد لوعده بكفايته إياهم، وتأكيد لوعيدهم وتهديدهم.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|