بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة
• عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي، يقول: يا ويله - وفي رواية أبي كريبٍ: يا ويلي - أُمِر ابن آدم بالسجود فسجد، فله الجنة، وأُمِرت بالسجود فأبيتُ، فلي النار))؛ رواه مسلم.
أولًا: ترجمة راوي الحديث:
أبو هريرة - رضي الله عنه وأرضاه، تقدمت ترجمته في الحديث الأول من كتاب الإيمان.
ثانيًا: تخريج الحديث:
الحديث أخرجه مسلم، حديث (81)، وانفرد به عن البخاري، وأخرجه ابن ماجه في "كتاب إقامة الصلاة والسنية فيها" "باب سجود القرآن" حديث (1052).
ثالثًا: شرح ألفاظ الحديث:
(إذا قرأ ابن آدم السجدة): (ابن آدم) لفظ عام، ولكن المراد به مخصوص، وهو المؤمن، والمقصود بالسجدة: آيةُ سجدة التلاوة.
(اعتزل الشيطان يبكي)؛ أي: اعتزل الشيطان مِن ابن آدم.
(يا ويلي): يجوز فيها كسر اللام وفتحها، الويل: هو الهلاك، وويل: كلمة تقال لمن وقع في هلكة يستحقها، بخلاف (ويح)، فهي لمن وقع في هلكة لا يستحقها، فيُترحَّم عليه ويرثى له، هكذا ذكر الهروي؛ [انظر: شرح النووي لمسلم حديث (65)].
وفي اللفظ الآخر: (يا ويله)، قال النووي: "وهو من آداب الكلام، وهو أنه إذا عرض في الحكاية عن الغير ما فيه سوءٌ، واقتضت الحكاية رجوعَ الضمير إلى المتكلم، صرف الحاكي الضمير عن نفسه؛ تصاونًا عن صورة إضافة السوء إلى نفسه".
رابعًا: من فوائد الحديث:
الفائدة الأولى:
الحديث دليل على أفضلية السجدة، وأنها سببٌ في حسرة الشيطان.
الفائدة الثانية:
الحديث دليل على أن الشيطان يبكي:
قال القرطبي: "وبكاء إبليس المذكور في الحديث ليس ندمًا على معصيته، ولا رجوعًا عنها، وإنما ذلك لفَرْطِ حسده وغيظه وألمه مما أصابه من دخول أحدٍ من ذرية آدم الجنةَ، ونجاتِه، وذلك نحو ما يعتريه عند الأذان والإقامة، ويوم عرفة"؛ [انظر: المفهم (1/274) حديث (64)].
الفائدة الثالثة:
استدل أصحاب أبي حنيفة بحديث الباب على وجوب سجود التلاوة على التالي والسامع، ووجه ذلك: أن ابن آدم أُمِر بالسجود، كما في حديث الباب، والأمر يقتضي الوجوب، ولأن عدم سجوده عصيانٌ يجعله يشابه إبليسَ في ذلك؛ حيث قال: "وأمرتُ بالسجود، فأبَيْتُ، فلي النار".
ونوقش هذا الاستدلال: بأن عصيان إبليس عن السجود إنما كان استكبارًا وتسفيهًا لأمر الله تعالى، وليس كذلك ابن آدم حينما يترك سجود التلاوة.
والقول الثاني: أن سجود التلاوة سنة، وبه قال الجمهور، وهو الأظهر، والله أعلم.
ويدل على ذلك:
• حديث زيد بن ثابت قال: "قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم ﴿ وَالنَّجْمِ ﴾ ولم يسجد فيها"؛ رواه البخاري.
• قول عمر - رضي الله عنه -: "إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء"؛ رواه البخاري، وفي لفظ آخر عند البخاري أيضًا قال: "يا أيها الناس، إنا نمرُّ بالسجود، فمن سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه"، ولم يسجد عمر.
والجواب عن الأمر في حديث الباب في قوله: "أُمِر ابن آدم بالسجود"، قيل: إن تسمية هذا أمرًا إنما هو من كلام إبليس، فلا حجة فيه، ولا يقويها أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم حكاها؛ فقد حكى غيرها من أقوال الكفار وهي باطلة.
وقيل: إن المراد بالأمر أمرُ الندب لا أمر الإيجاب؛ [انظر: شرح النووي لمسلم حديث (81)].
مستلة من إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم (كتاب الإيمان)
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|