حديث: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة إلا لميقاتها
نْ عَبْدِاللهِ بن مسعود قَالَ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم صَلى صَلاَةً إِلا لِمِيقَاتِهَا، إِلا صَلاَتَيْنِ: صَلاَةَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ، وَصَلى الْفَجْرَ يَوْمَئِذٍ قَبْلَ مِيقَاتِهَا.
زاد البخاري قال: رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إن هاتين الصلاتَينِ حُوِّلَتا عن وَقتِهما في هذا المكانِ: المغرِبَ والعِشاءَ، فلا يَقدَمُ الناسُ جَمعًا حتى يُعتموا، وصلاةَ الفجرِ هذِه الساعةَ»، قال عبدالرحمن: ثم وقفَ عبدالله حتى أسفرَ، ثم قال: لو أن أميرَ المؤمنينَ أفاضَ الآنَ أصابَ السنَّةَ، فما أدري أقولُه كان أسرعَ أم دَفعُ عثمانَ رضيَ اللهُ عنه.
تخريج الحديث:
الحديث أخرجه مسلم حديث ( 1289 )، وأخرجه البخاري في "كتاب الحج"، "باب متى يصلي الفجر بجمع"، حديث ( 1682 )، وأخرجه أبو داود في "كتاب المناسك"، "باب الصلاة بجمع"، حديث ( 1934 )، وأخرجه النسائي في "كتاب مناسك الحج"، "باب الجمع بين الظهر والعصر بعرفة"، حديث ( 3010 ).
شرح ألفاظ الحديث:
♦ ((صَلى الْفَجْرَ يَوْمَئِذٍ قَبْلَ مِيقَاتِهَ)): أي قبل وقتها المعتاد، وليس المقصود قبل وقتها المشروع؛ لأن الصلاة قبل دخول وقتها لا تصح، فدخول الوقت شرط لها، فالمقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم بالغ في التبكير لصلاة الفجر، فصلاها في أول وقتها الذي لا يظهر لكثير من الناس، ولكن بعد تحقق طلوع الفجر، بدليل أنه ثبت في بعض روايات البخاري أن ابن مسعود رضي الله عنه صلى الفجر في المزدلفة، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الفجر في هذه الساعة.
♦ ((إن هاتين الصلاتَينِ حُوِّلَتا عن وَقتِهما في هذا المكانِ)): والمقصود بهما المغرب والعشاء؛ حيث تصلَّى جمع تأخير في المزدلفة.
♦ ((فلا يَقدَمُ الناسُ جَمعًا حتى يُعتموا))؛ أي: لا يقدمون مزدلفة حتى يدخل وقت العتمة، وهو شدة الظلمة، وهو وقت العشاء الآخرة حين يغيب الشفق الأحمر، وتأتي الظلمة.
♦ ((لو أن أميرَ المؤمنينَ أفاضَ)): المراد به عثمان بن عفان رضي الله عنه؛ أي: لو أنه أفاض حين أسفر قبل طلوع الشمس، لأصاب السنة.
♦ ((فما أدري أقولُه كان أسرعَ أم دَفعُ عثمانَ رضيَ اللهُ عنه))؛ قال ابن حجر رحمه الله: "فما أدري، هو من كلام عبدالرحمن بن يزيد الراوي عن ابن مسعود، وأخطأ من قال أنه من كلام ابن مسعود رضي الله عنه"؛ [انظر الفتح "كتاب الحج"، "باب متى يصلى الفجر بجمع" حديث (1682، 1683)].
من فوائد الحديث:
الفائدة الأولى: الحديث دليل على سنية تأخير صلاة المغرب والعشاء حتى يدخل وقت العشاء، وصلاتهما في المزدلفة جمعًا وقصرًا لصلاة العشاء؛ كما تقدم بيانه في الباب الذي سبق.
الفائدة الثانية: الحديث دليل على سنية صلاة الفجر في أول وقتها زيادة في التبكير، فالصلاة في أول وقتها سنة لكل صلاة؛ قال النووي رحمه الله: "ولكن في هذا اليوم أشد استحبابًا"؛ [انظر شرحه لمسلم حديث ( 1289 )], والحكمة من ذلك والله أعلم ليتفرغ بعدها للذكر والدعاء عند المشعر الحرام قبل الإسفار.
الفائدة الثالثة: زيادة البخاري فيها دلالة على سنية الدفع من مزدلفة عند الإسفار، فهذا هو الوقت الذي دفع فيه النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم في حديث جابر رضي الله عنه، وهو الذي أرشده إليه ابن مسعود رضي الله عنه في حديث الباب، فقال حين أسفر: ((لو أن أميرَ المؤمنينَ أفاضَ الآنَ، لأصابَ السنَّةَ))، ولما في ذلك من مخالفة المشركين؛ حيث إنهم لا يفيضون إلا بعد طلوع الشمس ويقولون: "أشرق ثبير كيما نغير"، وثبير اسم لجبل تشرق منه الشمس، والحديث في الصحيحين من حديث عمر رضي الله عنه، فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم، ودفع قبل طلوع الشمس.
الفائدة الثالثة: الحديث فيه حرص الصحابة على تطبيق السنة، فها هو ابن مسعود رضي الله عنه بينها بقوله، وها هو أمير المؤمنين عثمان يطبقها بفعله، حتى إن الراوي لا يدري أيهما أسبق، وفي هذا دلالة على حرصهم وتعظيمهم للسنة.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|