قوة التأثير عند الخطيب
أخي الخطيب، إن أساس التأثير والقبول يكمن في ثلاثة أمور: التوفيق من الله، والإخلاص، والقدوة.
وقبل أي شيء أُوصيك أن تجدِّد نيتك وتتفقد إخلاصك؛ حتى يكون لكلماتك وخطبك أثر في قلوب الناس، ثم تأمل معي كم لك من الأجور والحسنات وأنت تقوم في مسجدك خطيبًا كل جمعة، وكم هو النفع الذي ينتشر بين الناس بسبب كلماتك ونصائحك عبر الخُطبة، إن استشعارك أخي لهذه الفضائل يدفعك إن شاء الله إلى السعي الجاد للرقي بخطبتك قالبًا ومضمونًا، فلا بد أخي أن توقظ في نفسك حس الدعوة إلى الله وتتلمس حاجة مجتمعك وأمتك إلى نصحك ووعظك وتغييرك.
أخي الخطيب، اعلم أن الإخلاص لله روح الدين ولباب العبادة وأساس أي داع إلى الله وهو في حقيقته قوة إيمانية، وهو يدفع صاحبه بعد جذب وشد إلى أن يتجرد من المصالح الشخصية، وأن يترفع عن الغايات الذاتية، وأن يقصد من عمله وجه الله لا يبغي من ورائه جزاءً ولا شكورًا.
والناس ينظرون إلى سلوك الخطيب، ويدققون النظر فيه، ولذا ينبغي أن تتطابق أفعاله مع أقواله، فالتزام الخطيب بأحكام الإسلام بوجه عام، وتطبيق ما يدعو إليه في خطبته، يجعل كلامه مقبولًا عند المستمعين.
وأسوتنا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان قائدًا فذًّا، شيَّد أمَّةً، وأبًا عطوفًا، وزوجًا، تحققت فيه المودة، والرحمة، والسكن، وصديقًا حميمًا، وقريبًا كريمًا، وجارًا تشغله هموم جيرانه، ومع هذا كله فهو قائم على أعظم دعوة شهدتها الأرض، الدعوة التي حققت للإنسان وجوده الكامل، وتغلغلت في كيانه كله، ورأى الناس الرسول الكريم تتمثل فيه هذه الصفات الكريمة كلها، فصدقوا تلك المبادئ التي جاء بها كلها، ورأوها متمثلة فيه، فتحركت لها نفوسهم، وهفت لها مشاعرهم، وحاولوا أن يقتبسوا قبسات من الرسول الكريم، كل بقدر ما يُطيق، فكان أكبر قدوة للبشرية في تاريخها الطويل، وكان هاديًا ومربيًا بسلوكه الشخصي، قبل أن يكون بالكلم الطيب الذي ينطق به.
ولأن القدوة هي أعظم وسائل التربية، لذلك كانت مواقف النبي وشمائله وفضائله ومكارمه قدوةً صالحة، وأسوة حسنة، ومثلًا يُحتذى، وهي ليست للإعجاب السلبي، ولا للتأمل التجريدي، ولكن لنحققها في ذوات أنفسنا، كل بقدر ما يستطيع.
قد يستطيع الإنسان أن يكون عالِمًا جهبذًا في أحد العلوم البحتة ربما دون أن تتطلب هذه العلوم ممن يتعلمها قيدًا سلوكيًّا، إلا علم الدين والشريعة، فإنك إن كنت من المتدينين المخلصين، أو من علمائه أو الداعين إليه، فلا بد أن تكون قدوة حسنة لمن تدعوهم إليه، وتروي كتب السيرة أن الجلندي ملك غسان قال: لقد دَلَّنِي على هذا النبي الأمي أنه لا يأمر بخير إلا كان أول آخذ به، ولا ينهى عن شر إلا كان أول تارك له.
الخطيب القدوة هو الذي يعامل الناس ويدعوهم بالقول والعمل، فيصبح مؤثرًا أشد التأثير تلتف حوله القلوب، وتحوم حوله الأفئدة، وفي صورة مؤثرة يُبين النبي حال من خالف عمله قوله، فيقول: «يؤتى بالرجل يوم القيامة، فيلقى في النار، فتندلق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار في الرحى، فيجتمع عليه أهل النار، ويقولون: يا فلان، ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: نعم، كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه»؛ [رواه البخاري].
أسال الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلنا ممن توافق أقوالهم أفعالهم، وأن يجعل هذا العمل صالحًا ولوجهه خالصًا.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|