مؤامرات على الرسول في حياته وبعد مماته
ما كاد محمد صلى الله عليه وسلم يجهر بدعوته حتى انبرت له قريش وبدأت بالحط من شأنه وتكذيبه، ولما ازداد أتباعه اشتد إيذاء قريش له ولمن أسلموا، وحاول رجل قرشي قتله عند الكعبة، ولما عظم ما ينزل بالمسلمين من الأذى هاجر بعضهم مؤقتًا إلى الحبشة، ثم رأت قريشٌ مقاطعة بني هاشم وحصار المسلمين، وانتهى الأمر بفض ذلك الحصار بعد سنوات.
وجاء إلى مكةَ في موعد الحج نفرٌ من أهل يثرب، فالتقوا بالرسول صلى الله عليه وسلم في العقبة، وبايعوه، ثم بايعه نفر آخر في العام التالي، وعلمت قريش بأمر البيعة، بينما أمر محمد صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يتركوا مكة متفرقين، وفطنت قريش للأمر، فحاولت إيقاف تلك الهجرات الفردية، ولكن دون جدوى.
وأخيرًا رأت قريش في هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يثرب خطرًا عليها؛ لكثرة المسلمين بها، وخشِيت قريش أن يدهم اليثربيون مكة، أو أن يقطعوا طريق تجارة الشام، وإذا بقي محمد صلى الله عليه وسلم بمكة وحاولوا منعه من الخروج، فهم معرَّضون لقتال اليثربيين دفاعًا عن رسولهم صلى الله عليه وسلم، فلم يبقَ إلا أن يقتلوه، وخشية مطالبة بني هاشم بدمه انتهوا إلى أن يأخذوا من كل قبيلة فتى شابًّا، وأن يضربه هؤلاء الفتيان جميعًا ضربة رجل واحد، فيتفرق دمه بين القبائل، ولا تقدر بنو عبدمناف على قتالهم جميعًا، فيرضَوا بالديَة، فأُوحي إليه أن يهاجر.
وكانت الهجرة، بعد التخطيط لها تخطيطًا يبهر الألباب، وبعد أن غادر الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر مكة، وعلمت قريش بذلك - أرصدت جائزة لمن يردهما، أو يدل عليهما، ولو جاء ذلك عن طريق الجريمة.
وانبرى "سراقة" ليفوز بالنوق المائة، واستطاع أن يصبح منهما قيد البصر، فكبَا جواده مرتين، ثم كبا به كبوة عنيفة ألقى بها الراكب من فوق ظهره يتدحرج، وتطيَّر سراقة وألقي في روعه أن الآلهة مانعة منه ضالته، وأنه معرض نفسه لخطر داهم إذا همَّ مرة رابعة بإنفاذ محاولته، وهنا نادى: "أنا سراقة بن جشعم، أنظروني أكلمكم، فوالله لا أرييكم ولا يأتيكم مني شيء تكرهونه"، ثم طلب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكتب له كتابًا يكون آية بينه وبينه، فكتب له أبو بكر بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم كتابًا على عَظْم أو خزف، وألقى به إليه، فعاد أدراجه، وأخذ على نفسه تضليل من يطاردون المهاجِر العظيم بعد أن كان هو يطارده.
ووصل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يثرب (المدينة)، التي ترامت إليها الأخبار بهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان استقبال أهلها له ولصاحبه أبهى استقبال.
وفي المدينة آخى محمدٌ صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، أما اليهود فقد اتفق معهم صلى الله عليه وسلم على أساس متين من الحرية والتحالف، وأقرَّهم على دِينهم وأموالهم.
ولكن اليهود لم يلبثوا أن بدؤوا يكيدونه في بادئ الأمر بطائفة من الأسئلة، ولكن إجابات الرسول صلى الله عليه وسلم عليها كانت مفحمة لهم، ثم أخذوا يحرِّضون ويُعاوِنون قريشًا بمختلف الطرق، وأخيرًا وقعت الحرب بين المسلمين واليهود، وانتهت بخِذلان اليهود، وخلال هذا كله حاول اليهود أكثر من مرة قتل النبي صلى الله عليه وسلم، وفي طليعة تلك المؤامرات:
حَجَر بني النضير:
لما ذهب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يهود بني النضير على حدود المدينة ليفاوضهم في دفع ديَة اللذين قتلهما عمرو بن أمية خطأ، تنفيذًا للعهد الذي قطعه هؤلاء اليهود على أنفسهم، وذلك ليكشف عن طويتهم بعد أن تواترت أخبار ائتمارهم به، فأظهروا حسن الاستعداد لإجابته، وتبسَّط بعضهم معه ليشغلوه عن مؤامراتهم، بينما ذهب أحدهم ليُسقط حجَرًا كبيرًا من أعلى حائط استند إليه الرسول صلى الله عليه وسلم ليقع فوق رأسه، ولكن الله تعالى أوحى إليه بنيَّتهم في اغتياله، وما كاد الرسول صلى الله عليه وسلم ينسحب من مكانه حتى هوى الحجَر على مقربة من الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقد اعترف اليهود بمؤامرتهم، فعاقَبهم الرسول صلى الله عليه وسلم بإجلائهم عن المدينة.
مؤامرة الشاة المسمومة:
والتجأ اليهود إلى دس السم للرسول صلى الله عليه وسلم في طعامه، واختاروا زينب بنت الحارث؛ فهي صديقة لصفية زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم، واتفقوا معها على أن تذهب إلى بيته وتسأله عن أحب طعام تهديه إليه بمناسبة زواجه من صديقتها صفية، ولما علمت من الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يقبَل منها هديتها شاة مشوية، وأن أحب أجزائها إليه الذراع، جاءت زينب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بالشاة المسمومة الذراع، وقدمتها إليه، وكان معه بشر بن البراء، وما كاد الرسول صلى الله عليه وسلم يتذوق الذراع حتى أخبرته أنها مسمومة، أما بِشرٌ فقد مات متأثرًا بالسم، أما الرسول صلى الله عليه وسلم فقد ظل يعاني منه حتى توفاه الله تعالى.
وعلى أثر ذلك أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بإحضار زينب بنت الحارث فاعترفت، وبررت تصرفها بأنها موتورة؛ فقد مات كثير من أهلها في حرب المسلمين، فضلاً عن إذلال قومها، وضياع هيبتهم، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتلها قِصاصًا ببِشر بن البراء.
مؤامرة أبي سفيان:
وهذا أبو سفيان يبعث بأحد المشركين ليقتل الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن أمر هذا المشرك انكشف، فأسلم.
كسرى يطلب رأس الرسول صلى الله عليه وسلم:
ولما تلا كسرى كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يدعو فيه كسرى إلى الإسلام، استشاط كسرى غضَبًا، ومزَّق كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وكتب إلى عامله باليمن "باذان" يأمره أن يبعث إليه برأسه، فلما علم الرسول صلى الله عليه وسلم بما فعله وما انتواه، دعا الله أن يمزق مُلكه، وفي نفس الوقت بعث باذانُ برسالة إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وأخبر محمد صلى الله عليه وسلم رسلَ باذان بموت كسرى، ودعا باذانَ للإسلام، فأسلم.
أرناط الشيطان:
وقبل أن يحرر صلاح الدين بيت المقدس كان يحكمها صليبي يدعى أرناط الفرنسي، الذي أسماه مؤرخو الغرب: "الشيطان"؛ لعدم وفائه لما تعهد به لصلاح الدين من عدم مهاجمة القوافل والحجَّاج، وأسر النساء والرجال، يومئذ كان البحر الأحمر بحرًا إسلاميًّا آمنًا، ولكن أرناط هذا أنشأ أسطولاً كبيرًا، وحمل أجزاءه على الجِمال إلى أطراف خليج العقبة، ولما تم إعداد هذا الأسطول تحرك به نحو ثغر عميذاب الإفريقي تجاه ثغر جدة، ومنه يعبر الحجيج المصري والمغربي إلى جدة، فاستباحها أرناط، ثم اتجه نحو ينبع، وبينما كان أرناط في طريقه إلى ينبع علم صلاح الدين سنة 1138 - 1193، وكان في الشام، بما يقوم به، وأدرك نواياه؛ ولذلك أمر أخاه العادل في مصر بتأديب ذلك المغامر، فكلف حسام الدين لؤلؤًا قائد الأسطول المصري بتعقب أسطول أرناط.
وكان هدف الصليبين أن يسلكوا الطريق إلى المدينة المنورة ويعبثوا بقبر النبي عليه الصلاة والسلام، فسلكوا الطريق إليها من ثغر ينبع، ولحق بهم لؤلؤ وأدركهم ولم يبقَ بينهم وبين المدينة إلا بعض يوم، وكانوا بضع مئات من فرسان الإفرنج المختارين، فلما أحسوا به صعدوا إلى رأس جبل، وخارت قواهم، وأخيرًا استسلموا، ولكن أرناط تمكن من الفرار، أما لؤلؤ فقد سجد لله شكرًا حيث صان حرم رسوله صلى الله عليه وسلم الكريم من عبث أولئك الفاسقين، فحملهم إلى القاهرة، وتولى قتلهم رجال الصدفية والفقهاء، وساق رجلين من أعيانهم إلى مكة، فنُحِرا في منى كما تنحر البدن، ومجد الشعراء لؤلؤًا فقال بعضهم:
يا حاجب المجد الذي ماله
ليس عليه في الندى حجبه
ومن دعوه لؤلؤًا عندما
أضحت من البحر له نسبه
لله ما تعمل من صالح
فيه وما تظهر من حسبه
كفيت أهل الحرمين العدا
وذُدْتَ عن أحمد والكعبه
وفي موقعة حطين كان أرناط هذا من أسرى صلاح الدين فقتله بيده؛ لنذرٍ نذره، ولم يقتل أحدًا من الملوك غيره.
جثمان الرسول صلى الله عليه وسلم مقابل التخلي عن فلسطين:
في عام 1506 أبحر البوكرك البرتغالي بأسطول بحري للقيام بعدة مغامرات في الشرق، استطاع خلالها الاستيلاء على أجزاء في الهند، وجزر الهند الشرقية وغيرها، كما قام باحتلال هرمز ومسقط؛ ليضمن سيطرة البرتغال على تجارة التوابل، وبينما هو في الهند قدم إليه مبعوث من الحبشة يعرض عليه إرسال الجنود والمؤن لكسر شوكة السلطان في القاهرة، وتحطيم مدينة مكة، ورحَّب البوكرك بما قدمته الحبشة، ورسم خطة سير سريع من مكة إلى المدينة لاختطاف جثمان الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم عرضه على المسلمين بعد ذلك مقابل التخلي عن فلسطين، ولكن الحبشة كانت تنقصها الوسائل لإرسال الجنود والمؤن، ولم تمضِ أيام قلائل حتى أصيب البوكرك بخيبة أمل وقنوط، وأصابته العِلل فمات بعد قليل.
محاولات البرتغاليين:
ومن هذه المحاولات لغزو الأماكن المقدسة في الحجاز عن طريق خليج العقبة، ما قام به البرتغاليون عام 948هـ - 1541م حين هاجموا جدة بقصد النفاذ منها إلى مكة، لولا أن تصدت لهم قلعتها، فأصلتهم نارًا حامية، واضطرتهم إلى الفرار بمراكبهم، وكان أسطولهم يتألف من 85 قطعة، بعد أن تركوا وراءهم جميع ما كان معهم من الذخائر.
روسيا تفكر في غزو بلاد الحجاز وتدمير مقدساتها:
بعد أن استتب الحكم لكاترين الثانية إمبراطورة روسيا (1729 - 1796) كان أقصى أمانيها الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط، وأحس السفير البريطاني في تركيا بما يدور في خَلَد تلك الإمبراطورة وحكومتها من أطماع استعمارية في ذلك البحر وفي البحر الأحمر؛ ولذلك أرسل إلى حكومته من القسطنطينية (إستانبول اليوم) تقريرًا يخبرها فيه بعزم الروس على غزو مصر.
والواقع أن هذا العزم كان يتضمن خطة وضعت لإرسال ثماني سفن حربية تتخذ طريقها حول رأس الرجاء الصالح، وتنفذ إلى البحر فتهدم جدة وينبغ، وتخرب مكة والمدينة وقبر الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم تهدد مصر ذاتها، وعندما بدأت الدراسة الجدية لهذه الخطة ظهرت صعوبات كثيرة.
وعلى الرغم من وضع الحلول لتلك الصعوبات لم يجد الروس في أنفسهم الشجاعة الكافية لتنفيذها[1].
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|