من معاني الهجرة: استشعار المعية الإلهية (1)
مع بداية كل عام هجري جديد، تطيف بنا ذكرى نبيين كريمين من أولي العزم من الرسل، طيف محمد صلى الله عليه وسلم وطيف موسى عليه السلام.
محمد صلى الله عليه وسلم وهو شارد مطارد فار بدينه مهاجر نحو يثرب، يموه وجهته على أعداءه الذين يطلبون رأسه حيًّا أو ميتًا، فيتجه الى جهة عكس المدينة، ويصعد إلى جبل عال ويختبئ داخل غار حراء فيتقصى أعداءه أثره ويصلون إلى الغار وليس بينهم وبينه إلا أن ينظر أحدهم إلى موضع قدميه فيراه هو وصاحبه الذي يقول له: والله يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى موضع قدمه لرآنا، فيقول الواثق بربه صلى الله عليه وسلم: «يا أبا بكر ما ظنُّك باثنين الله ثالثهما، ﴿ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: 40].
وموسى عليه السلام يخرج بقومه هاربين من فرعون وجنوده، فارين بدينهم، فيتبعهم فرعون وجنده حتى يحاصرهم عند البحر فلا يجدون سبيلا للنجاة؛ البحر من أمامهم، والعدو من خلفهم، فأين المهرب؟ فيقول قوم موسى إنا لمدركون.... هالكون لامحالة، فيقول موسى عليه السلام الواثق بربه: ﴿ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 62].
﴿ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ إنها المعية الإلهية التي تجلت في الموقفين وفي حال كلا النبيين الكريمين رغم أن بينهما آلاف السنين، ولكن المعتقد واحد.
﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ قالها محمد صلى الله عليه وسلم في أحلك موقف مر عليه، الموت يحيط به من كل جانب.
﴿ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ قالها موسى عليه السلام ولا مفر من الموت الذي يحاصره من أمامه ومن خلفه.
فماذا كانت نتيجة استصحاب هذه المعية؟
إنها النجاة.
إنها المعية الإلهية التي إن استشعرت بصدق ويقين اجتثت كل المخاوف.
السبب الأكبر لكيلا تحزن أن تشعر أن الله معك.
قل للهم الذي يصاحبك والحزن الذي يرافقك والضيق الجاثم على صدرك: إن الله معي.
لا تقل الهم ثقيل والمصاب كبير والخطب جلل والأعداء كثر، ولكن قل بصدق ويقين: ( إن الله معنا).
لن تُغلب والله معك.
لن تترك للمهالك والآلام والأحزان والله معك.
لن تترك للضيق يجثم على صدرك ولا الكرب يقتل فؤادك والله معك.
لن يضيعك الله إن كنت تستشعر معيته.
لن يتخلى عنك ما دمت توقن بمعيته.
لن تضل ما دمت تستشعر بصدق ويقين معيته وحفظه وتثبيته ورعايته.
لو فقدت ما فقدت من الدنيا لا تحزن فالله معك.
إن الله معنا ينجينا من كل خطر ومن كل كرب ومن كل ضيق ومن كل حزن ومن كل بلاء.
إن الله معنا ينجينا من الحساد والماكرين والمتربصين والخونة والظالمين والمتآمرين، إن الله معنا ينجينا من الأعداء كل الأعداء.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|