قوله تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [البقرة: 131].
قوله: ﴿ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ﴾ "إذ" ظرف بمعنى "حين" متعلق بقوله: ﴿ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ ﴾ [البقرة: 130]أي: ولقد اصطفيناه في الدنيا حين ﴿ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ﴾.
وقد تكون "إذ" متعلقة بمحذوف، أي: واذكر يا محمد حين قال الله لإبراهيم عليه السلام: أسلم، فيكون أمراً للرسول صلى الله عليه وسلم أن يذكر ذلك بنفسه ويذكره لأمته.
وفي الآية تنويه بفضل إبراهيم عليه السلام وإثبات ربوبية الله عز وجل الخاصة له، بل خاصة الخاصة، وهي ربوبيته عز وجل لرسوله وأنبيائه.
﴿ أَسْلِمْ ﴾ أي: أسلم نفسك لي؛ بدليل قول إبراهيم: ﴿ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾أي: استسلم بالتوحيد والطاعة والإخلاص.
﴿ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾. أي: استسلمت لرب العالمين ظاهراً وباطناً، بالتوحيد والطاعة والمحبة والإخلاص من الشرك، فبادر عليه السلام وسارع على الفور بالاستسلام والانقياد لربه والخضوع له، والإقرار بأنه مربوب لرب العالمين، فأتى بالإسلام ودليله.
واللام في قوله:﴿ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾. للقصر، أي: لرب العالمين وحده.
و"رب العالمين": خالقهم ومالكهم والمتصرف فيهم ومربيهم بنعمه التي لا تحصى، و"العالمين": جمع "عالَـم" بفتح اللام، اسم جمع لا واحد له من لفظه كرهط وقوم.
و"العالمين" كل موجود سوى الله تعالى، وقد جمع ليشمل كل جنس مما سمي به، فيعم جميع المخلوقات في السماوات والأرض وما بينهما؛ عالم الملائكة، وعالم الإنس، وعالم الجن والشياطين، وعالم الحيوانات، وعالم الجمادات وغير ذلك.
وهو مشتق من العلامة؛ لأن كل ما في الوجود من المخلوقات علامة على وجود الله ووحدانيته، وعلى ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته.
وجمع "العالمين" جمع من يعقل علماً أنه يتناول العقلاء وغيرهم من باب تغليب العقلاء؛ لأنهم هم المعنيون بالخطاب والتكليف؛ لما ميزهم الله به من العقل على غيرهم من المخلوقات.
المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»