من هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع أصوله (والده وأعمامه)
أولًا: مع والده وطيب نسبه صلى الله عليه وسلم:
أثنى الله تعالى على طهارة مولد النبي صلى الله عليه وسلم، ونقله من أصلاب طاهرة إلى أرحام أمه، قال الله تعالى ﴿ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ﴾ [الشعراء: 219] قال ابن عباس: " مازال النبي يتقلب في أصلاب الأنبياء حتى ولدته أمه"[1].
جاء العباس، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكأنه سمع شيئا، فقام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال: ((مَنْ أَنَا))؟ فقالوا: أنت رسول الله عليك السلام. قَالَ: (( أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الخَلْقَ فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ فِرْقَةً، ثُمَّ جَعَلَهُمْ فِرْقَتَيْنِ فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ فِرْقَةً، ثُمَّ جَعَلَهُمْ قَبَائِلَ فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ قَبِيلَةً، ثُمَّ جَعَلَهُمْ بُيُوتًا فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ بَيْتًا وَخَيْرِهِمْ نَفْسًا))[2].
قال القاري: " هذا كله تعريف لنسبه الشريف المنضم بحسبه المنيف"[3].
ثانيًا: من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في تعامله مع أعمامه:
مع عمه أبو طالب:
من مشاهد برُّ النبي صلى الله عليه وسلم بعمه أبي طالب، إذ بقي عند رأسه وهو في اللحظات الأخيرة، يناديه بأحب الاسماء إليه، يقدم له النصيحة، يكررها ويجتهد في قبولها، عن سعيد بن المسيب، عن أبيه أنه أخبره: أنه لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد عنده أبا جهل بن هشام، وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طالب: (( يَا عَمِّ، قُلْ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ ))، فقال أبو جهل، وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه، ويعودان بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَمَا وَاللَّهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ» فأنزل الله تعالى فيه: ﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ ﴾ [التوبة: 113] [4].
قوله: ((كلمة أشهد لك بها عند الله)) قال القاضي عياض: " هذا لتطييب قلب عمه إن قالها؛ لما يرجوه من الخير بشهادته له وطلبه بها له من ربه جزيل ثوابه، مع ما تقدم له من نصره والذب عنه... وقد نالته بركته مع موته على الكفر وخفف عذابه بذلك، فكيف لو أسعده الله باتباعه؟!"[5].
مع عمه العباس بن عبدالمطلب:
وقد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم العباس بأنه عمه إعلامًا على تفخيمه واستحقاق إكرامه، عن أبي هريرة، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر على الصدقة، فقيل: منع ابن جميل، وخالد بن الوليد، والعباس عم رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنَاهُ اللهُ، وَأَمَّا خَالِدٌ فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا، قَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتَادَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَأَمَّا الْعَبَّاسُ فَهِيَ عَلَيَّ، وَمِثْلُهَا مَعَهَا)) ثم قال: ((يَا عُمَرُ، أَمَا شَعَرْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ))[6]. صنو أى شقيقه الذى أَصله أَهله.
ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه العباس قام إليه فقبل بين عينيه، ثم أقعده عن يمينه ثم قال: «هذا عمي، فمن شاء فليباه بعمه»، قال العباس: بعض القول يا رسول الله، قال: «وَلِمَ لَا أَقُولُ وَأَنْتَ عَمِّي وَبَقِيَّةُ آبَائِي، وَالْعَمُّ وَالِدٌ»[7].
قال المناوي: " العم والد أي هو نازل منزلته في وجوب الاحترام والإعظام لتفرعهما عن أصل واحد وهذا خرج مخرج الزجر عن عقوقه"[8].
وعن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس: ((إِذَا كَانَ غَدَاةَ الِاثْنَيْنِ فَأْتِنِي أَنْتَ وَوَلَدُكَ حَتَّى أَدْعُوَ لَهُمْ بِدَعْوَةٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا وَوَلَدَكَ))، فغدا وغدونا معه فألبسنا كساء ثم قال: (( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْعَبَّاسِ وَوَلَدِهِ مَغْفِرَةً ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً لَا تُغَادِرُ ذَنْبًا، اللَّهُمَّ احْفَظْهُ فِي وَلَدِهِ))[9].
وعن ابن عباس قال: لما أمسى القوم يوم بدر والأسارى محبوسون في الوثاق، فبات رسول الله صلى الله عليه وسلم ساهرا أول ليله فقال له أصحابه: يا رسول الله ما لك لا تنام؟ فقال: ((سَمِعْتُ أَنِينَ الْعَبَّاسِ فِي وَثَاقِهِ)) فقاموا إلى العباس فأطلقوه فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم[10].
مع عمه حمزة بن عبدالمطلب:
حزن صلى الله عليه وسلم على قتله، عن أنس بن مالك قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمزة يوم أحد، فوقف عليه فرآه قد مثل به، فقال: (( لَوْلَا أَنْ تَجِدَ صَفِيَّةُ فِي نَفْسِهَا، لَتَرَكْتُهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ العَافِيَةُ[11]، حَتَّى يُحْشَرَ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ بُطُونِهَا))، قال: ثم دعا بنمرة، فكفنه فيها، فكانت إذا مدت على رأسه بدت رجلاه، وإذا مدت على رجليه بدا رأسه. قال: فكثر القتلى، وقلت الثياب. قال: فكفن الرجل والرجلان والثلاثة في الثوب الواحد، ثم يدفنون في قبر واحد، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عنهم: ((أَيُّهُمْ أَكْثَرُ قُرْآنًا )) قال: فدفنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يصل عليهم[12].
قال الخطابي: "فيه جواز أن تدفن الجماعة في القبر الواحد وأن أفضلهم يقدم إلى القبلة وإذا ضاقت الأكفان وكانت الضرورة جاز أن يكفن الجماعة منهم في الثوب الواحد"[13].
لقبه صلى الله عليه وسلم بسيد الشهداء، عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَرَجُلٌ قَالَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ فَقَتَلَهُ"[14].
قال الصنعاني: " سمي الشهيد شهيدًا لأن روحه شهدت أي حضرت دار السلام عند موته وروح غيره إنما يشهدها يوم القيامة أو لأنه تعالى شهد له بالجنة أو لأن ملائكة الرحمة يشهدونه أو لكونه شهد ما أعد الله له من الكرامة أو لكل ذلك أو لغيره"[15].
ختامًا:
أسأل الله تعالى لكم التوفيق، والسداد، والصلاح، والفوز في الدارين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|