01-10-2023, 09:20 AM
|
|
SMS ~
[
+
]
|
|
|
|
بشارات لأهل المساجد (خطبة)
الحمد لله الذي جعل المساجد بيوته التي أُذن أن ترفع ويذكر فيها اسمه، يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وصالح الأعمال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله انفرد بالعظمة والعزة والجلال، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، حث على بناء المساجد وتطهيرها من الشرك وعقائد الضلال، وصلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه صلاة وتسليمًا يتجددان بتجدد الغدو والآصال، أما بعد عباد الله، فإن التبشير بثواب العمل الصالح من دواعي الاغتباط به، والمداومة عليه، والقليل الدائم كثير؛ لما في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا عمل عملًا أثبتَه - أي دوام عليه - وكان صلى الله عليه وسلم يخبر أن أحبَّ العمل إلى الله تعالى أدْوَمُه وإنْ قلَّ، ولهذا تواترَت نصوصُ الكتاب والسُّنَّة في التبشير بثواب الأعمال الصالحة، والثناء على أهلها، وبيان حُسن عاقبتِهم في الدنيا والآخرة، تهنئة لأهل تلك الأعمال بكريم ما ادخَرَ اللهُ تعالى لهم عنده مِن الأجر الكريم، وحفزًا لهِمَم الغافلين والمُتساهلين؛ لأن يستبِقوا الخيراتِ، ويُنافسوا في جليل القربات قبل الشغل، أو انقطاعِ العمل بحلول الأجل.
ومن البشارات التي تشرح الصدور، وتحبِّب الأعمال الصالحة إلى العقلاء، وتملأ قلوبهم من الغبطة والسرور، وتجعلهم يحسنون الظن بربهم، ما جاء بشأن أهل المساجد مِن البشارات العظيمة التي واحدةٌ منها خيرٌ مِن الدنيا وما فيها؛ فمِن تلك البشارات:
♦ فرح الباري جل وعلا، بزوار المساجد.
قال رسول الله: ((مَا تَوَطَّنَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ الْمَسَاجِدَ لِلصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ، إِلَّا تَبَشْبَشَ اللَّهُ لَهُ، كَمَا يَتَبَشْبَشُ أَهْلُ الْغَائِبِ بِغَائِبِهِمْ إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِمْ))؛ رواه ابن ماجه وابن خزيمة وغيرهما وإسناده صحيح.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يتوضأ أحدكم فيحسن وضوءه فيسبغه، ثم يأتي المسجد لا يريد إلا الصلاة فيه، إلا تبشبش الله إليه، كما يتبشبش أهل الغائب بطلعته»؛ (رواه ابن خزيمة وصححه الألباني).
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله لينادي يوم القيامة: أين جيراني، أين جيراني؟ فتقول الملائكة: ربنا، ومن ينبغي أن يجاورك؟ فيقول: أين عُمَّار المساجد؟»؛ (أبو نعيم في حلية الأولياء، وصححه الألباني في صحيحه).
♦ ومنها حصول الرحمة، والجوازُ على الصراط؛ عن أبى الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((المسجد بيت كل تقِيٍّ، وتكفَّل الله لمن كان المسجد بيته بالرَّوح والرحمة، والجواز على الصراط إلى رضوان الله إلى الجنة))؛ الطبراني في المعجم.
وفي مسند البزار: (كَتَبَ سَلْمَانُ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ: يَا أَخِي عَلَيْكَ بِالْمَسْجِدِ فَالْزَمْهُ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: الْمَسْجِدُ بَيْتُ كُلِّ تَقِيٍّ).
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشِيتهم الرحمة، وحملتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده".
ومن البشارات تكفير السيئات ورفع الدرجات:
أيها المسلمون: إن لأهل المساجد الساعين إليها والمتعلقين بها والمرتبطين بها لفضيلة أي فضيلة، تلك التي تمحو السيئات وترفع الدرجات، وتزين بالمكرمات، فبين خطى تمحو الخطايا، وبين ركعات تذيب الذنوب، وبين رحمة من الله أُعِدَّت لهم، ففي الحديث عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من راح إلى مسجد الجماعة، فخطوة تمحو سيئة وخطوة تكتب له حسنة، ذاهبًا وراجعًا»"؛ (رواه أحمد).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من تطهر في بيته ثم مضى إلي بيت من بيوت الله، ليقضي فريضة من فرائض الله، كانت خطواته إحداها تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة»؛ [رواه مسلم].
وعن عثمان رضي الله عنه أنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من توضأ فأسبغ الوضوء، ثم مشى إلى صلاة مكتوبة، فصلاها مع الإمام غفر له ذنبه»؛ (رواه ابن خزيمة وصححه الألباني).
وقال صلي الله عليه وسلم: «ألا أَدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط»؛ [رواه مسلم]، وفي الحديث أيضًا: «إسباغ الوضوء في المكاره، وإعمال الأقدام إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة يغسل الخطايا غسلًا»؛ [صحيح الجامع الألباني]، وفي رواية: «الكفارات: مشي الأقدام إلى الجماعات، والجلوس في المساجد بعد الصلاة، وإسباغ الوضوء في المكروهات»؛ [رواه المنذري في الترغيب، وقال: إسناده صحيح]، قال ابن رجب: "يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم: والجلوس في المساجد بعد الصلاة، الجلوس للذكر والقراءة وسماع العلم وتعليمه ونحو ذلك، لا سيما بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، فإن النصوص قد وردت بفضل ذلك، وهو شبيه بمن جلس ينتظر صلاة أخرى؛ لأنه قد قضى ما جاء المسجد لأجله من الصلاة وجلس ينتظر طاعة أخرى".
♦ ومن البشارات أن الجالس قبل الصلاة في المسجد انتظارًا لتلك الصلاة هو في صلاة - أي له ثوابها - ما دامت الصلاة تحبسه، ففي الصحيحين عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه لَما أخر صلاة العشاء الآخرة ثم خرج فصلَّى بهم، قال لهم: "إنكم لم تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة"، وفي الصحيحين أيضًا من حديث أبي هريرة أن رسول الله قال: "ولا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة".
وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: "صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب، فرجع من رجع وعقب من عقب، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرعًا قد حفزه النفس، وقد حسر عن ركبتيه، فقال: «أبشروا هذا ربكم قد فتح بابًا من أبواب السماء يباهي بكم الملائكة، يقول: انظروا إلى عبادي قد قضوا فريضة وهم ينتظرون أخرى»؛ [صحيح ابن ماجه للألباني].
♦ ومن البشارات أن الملائكة تدعو له ما دام في انتظار الصلاة، ففي الحديث: "ومن ينتظر الصلاة صلَّت عليه الملائكة، وصلاتهم عليه اللهم: اغفر له وارحمه"، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الملائكة تصلِّي على أحدكم ما دام في مُصلاه مالم يُحدث: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه"، قوله: "مصلاه": المراد به موضع الصلاة التي صلاها في المسجد دون البيت؛ كما يدل عليه آخر الحديث.
أما المرأة فقال أهل العلم: (لو صلت في مسجد بيتها، وجلست فيه تنتظر الصلاة، فهي داخلة في هذا المعنى إذا كان يحبسها عن قيامها لأشغالها انتظار الصلاة).
♦ ومنها العلاقة الخاصة بالملائكة: عن عبدالله بن سلام رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن للمساجد أوتادًا هم أوتادها، لَهُم جُلَسَاء من الملائكة، فإن غابوا سَأَلُوا عنهم، وإن كانوا مرضى عادوهم، وإن كانوا في حاجة أعانوهم))، فأي مكرمة تلك المكرمة؟ وأي فضيلة تلك الفضيلة؟
♦ ومن البشارات الأجر العظيم والثواب الكبير، لقوله تعالى: ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [النور: 36 - 38].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلًا كلما غدا أو راح»؛ (رواه مسلم).
وعن أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه أَن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَهِّرًا إِلَى صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ، فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ الْمُحْرِمِ، وَمَنْ خَرَجَ إِلَى تَسْبِيحِ الضحَى لاَ يُنْصِبُهُ إِلا إِيَّاهُ؛ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْمُعْتَمِرِ، وَصَلاَةٌ عَلَى أَثَرِ صَلاَةٍ لاَ لَغْوَ بَيْنَهُمَا كِتَابٌ فِي عِلِّيِّينَ»؛ (أبو داود، وحسنه الألباني)، فلينظر المحب لعِظم الأجر المعدِّ له عند خروجه من بيته متطهرًا؛ ليؤدي فريضة من فرائض الله، مخلصًا لا يخرج رياء ولا سمعة، بل يؤديها خالصًا بها قلبه متوجهًا إليه وحده، راغبًا فيما عنده، فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن خرج إلى سُنة الضحى يعود بأجر المعتمر، فأبشِروا بأجر كهذا؟!
ويزاد هذا الأجر يوم الجمعة، فعَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ يَقُولُ: «مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ، فَدَنَا مِنْ الْإِمَامِ، وَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ، كَانَ لَهُ بِكُل خُطْوَةٍ أَجْرُ سَنَةٍ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا»؛ (أحمد، والترمذي، وابن ماجه، وصححه الألباني)، هذا الأجر العظيم في إتيان المساجد يوم الجمعة، حتى صارت الخطوة الواحدة تعدل أجر سنة، تُحصِّل أجر صيام (360 يومًا، وقيام 360 ليلة) بماذا؟ بالاغتسال قبل الغدو إلى المساجد، والتبكير إلى المساجد، والاستماع والإنصات عند الموعظة، وصلاة ما كتب الله لك، وكلما كان المنزل أبعد مِن المسجد كان الأجر أعظم، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ((أعظَمُ الناسِ أجرًا في الصلاة، أبعَدُهم إليها مَمْشًى، فأبعَدُهم)).
أيها المسلمون، أما الذين يكابدون آلام الدنيا ومشاقها في سبيل الله، فلهم البشري العظيمة، فإن ربهم سيخلف عليهم خير إخلاف، وسيبدلهم بخوفهم أمنًا، وببذلهم عطاء، وبالظلام الذي عانوه نورًا وحبورًا، فعن بريدة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بشِّر المشَّائين في الظُّلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة»؛ (رواه أبو داود، قال الألباني رحمه الله: والحديث يعنى العشاء والصبح؛ لأنها تقام بغلس (يعني بظلمة))، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله ليضيء للذين يتخللون إلى المساجد في الظلم بنور ساطع يوم القيامة»؛ (رواه الطبراني وحسنه الألباني في الترغيب).
ولنا أن نلحَظ أن جميع تعبيرات الأحاديث تدل على شدة النور وعمومه وسطوعه وتمامه، فضلًا من الله ونعمة، وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من مشى في ظلمة الليل إلى المسجد لقي الله عز وجل بنور يوم القيامة»؛ (رواه ابن حبان وصححه الألباني).
قال ابن عثيمين رحمه الله: "لا شك أن الذي يذهب إلى المسجد في الظُّلم، فإن جزاءه من جنس العمل، يعني كما تجشم الظلم وأتى إلى المساجد، فإنه يكتب له النور يوم القيامة"؛ (شرح رياض الصالحين).
بل إن هناك صنفًا من الناس من الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، هم من كانوا متعلقين بالمساجد، روى الإمام مالك في موطئه بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ منهم: (وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُتعَلِّقٌ بالْمَسْجِدِ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى يَعُودَ إِلَيْه): كَأَنَّهُ شَبَّهَهُ بِمِثْلِ الْقِنْدِيلِ إِشَارَةً إِلَى طُولِ الْمُلَازَمَةِ بِقَلْبِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْعَلَاقَةِ وَهِيَ شِدَّةُ الْحُبِّ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ أَحْمَدَ: مُعَلَّقٌ بِالْمَسْجِدِ، فَجُوزِيَ لِدَوَامِ مَحَبَّةِ رَبِّهِ وَمُلَازَمَتِهِ بَيْتَهُ بِظِلِّ عَرْشِهِ، فالمؤمن في المسجد كالسمك في الماء، والمنافق في المسجد كالطير في القفص.
وهكذا أخي المسلم يتبيَّن لك كرَم الله لأهل المساجد، وما أعد اللهُ لهم عنده من الكرامة، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، ومَن سَابَقَ إلى الخير سَبَقَ؛ قال الله تعالى: ﴿ أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ [المؤمنون: 61] جعلَنا اللهُ تعالى مِن الفائزين بذلك.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله علي نبينا محمد وسلم تسليمًا كثيرًا.
الخطبة الثانية الحمد لله وكفي، وصلاة وسلامًا على عباده الذين اصطفى، أما بعد:
فيا أيها المسلمون، لَما علم السلف الصالح هذه البشارات وغيرها، كان لهم مع المساجد شأن، وأيُّ شأن! ولقد سطر لنا التاريخ مآثر القوم، فهل سمعتم بالمسمَّى بحمامة المسجد؟ وهل أتاكم نبأ الربيع بن خُثَيْم الذي يقول: إني لآنَسُ بصوت عصفور المسجد أشدَّ من أُنْسِي بزوجتي! وهل سمعتم بمن يقول: إذا أذَّن المؤذن فإن لم تجدوني في المسجد، فاطلبوني في المقبرة، ولما أصيب الربيع بن خثيم بالشلل، كان يُهادَى بين رجلين إلى مسجد قومه، وكان أصحابه يقولون له: لقد رخص الله لك، لو صليت في بيتك، فيقول: "إنه كما تقولون، ولكني أستحيي أن أسمع منادي الله: حي على الصلاة، حي على الفلاح، فلا أجيبه".
هل سمعتم بعطاء قال ابن جريج: كان المسجد فراش عطاء عشرين سنة، وكان من أحسن الناس صلاة.
هل سمعتم بزياد مولى ابن عباس - أحد العباد الصالحين - كان يلازم مسجد المدينة، فسمعوه يومًا يعاتب نفسه ويقول لها: أين تريدين أن تذهبي! إلى أحسن من هذا المسجد! تريدين أن تبصري دار فلان ودار فلان.
♦ وسعيد بن المسيب يقول: (ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد).
وقال ربيعة بن يزيد: (ما أذن المؤذن لصلاة الظهر منذ أربعين سنة إلا وأنا في المسجد، إلا أن أكون مريضًا أو مسافرًا).
♦ وقال يحيى بن معين: (لم يفت الزوال في المسجد يحيى بن سعيد أربعين سنة).
هل سمعتم بمن مكث أربعين سنة، لا يؤذِّنُ المؤذن لصلاة إلا وهو في المسجد؟ وكم من أقوام في القديم والحديث قُبِضَت أرواحهم، وهم في المساجد، وكم في المساجد من هم في أشد أحوال المرض، وهم معذورون.
لقد حدَّثَ من رأى أحد كبار السن في إحدى القرى، وهو ضرير ولا يجد من يقوده، يخرج من بيته، ويضع يده على طرف حَبْل يوصله إلى المسجد، ولما سُئِلَ عنه أَخْبَر أنه ربط الحبل بين باب بيته والمسجد؛ ليصل إليه ويعود، ولا تفوته صلاة! ولم يترك المسجد يومًا بسبب أنه لم يجد من يوصله، فأين الأصحاء؟ إنها نماذج رائعة، وفي الأمة من ذلك الشيء الكثير.
السلف وعمارة المساجد هؤلاء هم الذين استحقوا أن يفرح بهم الرحمن، وأن يبش لهم، ويكرمهم، ويقبل عليهم، ويتلقاهم ببره وإحسانه وإنعامه، فليكن هدفنا في ما يقبل من الأيام التعلق ببيوت الله، بمحاولة التبكير إليها، وإدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام، والاهتمام بالصلاة في جماعة، وتَقَصُّد انتظار الصلاة بعد الصلاة ولو مرة في الأسبوع، فمن تعلق قلبه بالمساجد أحسَّ بالسكينة، يقول الطبيب النفسي الدكتور محمد عبدالفتاح المهدي: المسجد، يضع المريض في جو من السكينة والاطمئنان لا يتوافر في أي مكان آخر، قلت: ومن سكنت نفسه خفَّ قلقه وتوتره.
ومن تعلق قلبه بالمساجد أنِس بذكر الله وقراءة القرآن، فوجد طمأنينة في قلبه، قال الله عز وجل: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]، ومن اطمأن قلبه فلا غرو أن يذهب توتره وقلقه، أو يخف على أقل تقدير.
ومن تعلق قلبه بالمساجد أطال البقاء والمكث فيها، فابتعد عن أسباب القلق والتوتر، قولًا، وفعلًا، وفكرًا، ومن ابتعد عن أسباب الشيء حُفظ من آثاره.
اللهم تكرَّم علينا، واجعلنا ممن تعلق قلبه بالمساجد، فوجد الراحة والطمأنينة فيها، وأقم الصلاة.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
01-10-2023, 09:21 AM
|
#2
|
جزاك الله خير الجزاء
دمت برضى الله وحفظه ورعايته
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
01-10-2023, 03:31 PM
|
#3
|
بارك الله فيك وجزاك خير الجزاء..
على كل ما تقدم لنا من درر قيمة..
جعلها الله في موازين حسناتك..
مع كامل التحية والتقدير..
حفظك المولى وحماك..
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
01-12-2023, 08:02 PM
|
#4
|
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
الساعة الآن 12:51 AM
| | | |