من صفات عباد الرحمن: لا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق
لا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق
الحمد لله والصلاة والسلام على نيبينا محمد وآله وصحبه أجمعين؛ وبعد:
فإن من صفات عباد الرحمن التي ذكرها الله تعالى في سورة الفرقان أنهم لا يسفكون الدم الحرام، ولا يعتدون على النفس المعصومة، قال سبحانه: ﴿ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ﴾ [الفرقان: 69].
وحاشا عباد الرحمن أن يقعوا في هذا الذنب العظيم الذي نهى الله عنه، وتوعد من يقدم عليه بالوعيد الشديد، قال سبحانه: ﴿ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ﴾.
وقال سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ﴾ [الفرقان: 69]، وقال سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 93].
فأخبر الله تعالى أن جزاء القاتل جهنم وأنه مغضوب عليه، وأنه ملعون – أي: مطرود من رحمة الله - وأنه أعد له عذابًا عظيمًا، فأي وعيد أشد من هذا الوعيد، وكيف يتجرأ بعض الناس على القتل بعد كل هذا التهديد من الجبار المنتقم سبحانه.
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن قتل النفس من أكبر الكبائر فقال صلى الله عليه وسلم: "أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَوْلُ الزُّور"؛ رواه البخاري ومسلم.
أيها الأحبة الكرام...
النفس البشرية هي إحدى المقاصد والضروريات الخمس التي أتت جميع الشرائع برعايتها والمحافظة عليها، وهي: الدين والنفس والنسل والعقل والمال.
ولن تجد دينا يحترم النفس البشرية ويصونها كدين الإسلام، فقد جعل من قتل نفسًا بغير نفس كمن قتل الناس جميعًا، ومن أنقذها فكأنما أنقذ الناس جميعًا، قال سبحانه: ﴿ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ﴾ [المائدة: 32].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه "؛ متفق عليه. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ في فُسْحَةٍ مِن دِينِهِ -أي: في سَعَةٍ من دِينِهِ - ما لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا"؛ رواه البخاري في صحيحه.
ولعظم حرمة المسلم فإن زوال هذه الدنيا أهون من قتله؛قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ"؛ رواه النسائي.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ومن حمل علينا السلاح فليس منا"؛ رواه الشيخان.
حتى نفسك التي بين جنبيك ليس لك الحق في التعدي عليها بالقتل، فمن قتل نفسه دخل النار وعذب بما قتل به نفسه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن تَرَدَّى مِن جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهو في نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فيه خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَن تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُمُّهُ في يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَن قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ في يَدِهِ يَجَأُ بِهَا في بَطْنِهِ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا"؛ رواه البخاري ومسلم.
فإذا كان محرمًا على الإنسان أن يقتل نفسه فكيف بالتعدي على الغير وقتل نفسٍ أخرى وحرمانها من حق الحياة؟!.
أيها الأحبة في الله...
وللحفاظ على النفس البشرية شرع الله تعالى حكم القصاص في القتل العمد، قال سبحانه: ﴿ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ﴾ [المائدة: 45].
وبين سبحانه أن في القصاص حياة فهو حياة للنفوس البريئة، يحميها من تعدي المجرمين عليها، حيث أنه يزجر كل من يخطر في باله ارتكاب هذه الجريمة.
قال سبحانه: ﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 17].
وإذا كان الإسلام قد حرم قتل المعاهد وهو كافر لأنه دخل ديار المسلمين بعهد وأمان فكيف بقتل المسلم الذي يوحد الله ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
بل حذر النبي صلى الله عليه وسلم من مجرد الإشارة إلى المسلم بحديدة، وأخبر أن من فعل ذلك فإن الملائكة تلعنه حتى يدع الحديدة، كما في الحديث الذي رواه مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى يدعها". وفي الرواية الأخرى: "من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى ينزع، وإن كان أخاه لأبيه وأمه".
وكم يقع هذا الفعل بين الأصدقاء لا سيما عند بعض الشباب على سبيل المزاح، فتراه يشير إلى صديقه بالسلاح أو يوهمه أنه سيدوسه بسيارته، وهذا لا يجوز ولو كان من باب المزح واللعب فالأرواح لا مزح فيها لأنه ربما وقع الخطأ ووقع ما لم يكن بالحسبان، وحدث القتل وأزهقت روح المسلم، وحينها لا ينفع الندم ولا يقبل التبرير لهذا الفعل الشنيع.
أيها الأحبة في الله..
ديننا دين الرحمة، والله تعالى أمرنا بالتراحم وعدم التعدي على الإنسان بل نهينا عن التعدي على الحيوان، وقد ذكر لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأة تدخل النار بسبب حبسها لهرة ولم تطعمها حتى ماتت، وفي المقابل غفر الله تعالى لامرأة زانية لأنها سقت كلبًا، مع أنها إنما سقت حيوانًا نجسًا، فكيف بمن يرحم الإنسان الذي كرمه الله تعالى وسخر الكون كله لخدمته.
أيها الأحبة في الله..
للأسف الشديد استهان كثير من الناس في هذا الزمان بالدماء وقتل الأنفس البريئة المؤمنة.
فاتقوا الله يا عباد الله واحذروا من الوقوع في سخط الله، وغضبه مهما تكن الدوافع والمبررات، واحذروا من خطوات الشيطان التي تهون كبائر الذنوب وتستسهل الجرائم، فكم استدرج الشيطان من أناس حتى أوقعهم في هذه الموبقات، وما كان لهم أن يقعوا فيها، ولم يكن يخطر لهم على بال أن يفعلوها، وبعدها ندموا حيث لا ينفعهم الندم.
أخي الكريم...
مهما وقع بينك وبين أحد خلاف أو مشكلات ومهما وقع عليك من ناحيته من أذىً أو ضرر أو سوء معاملة أو تعمد أحدٌ أن يستفزك فلا تفكر أبدًا في إزهاق روحه ولا تظننَّ لحظة أنك بهذه الطريقة سوف تتخلص منه، بل ستجده أمامك يوم القيامة يريد أخذ حقه، يقول ابن عباس: سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: "يأتي المقتول متعلقًا رأسه بإحدى يديه، متلببًا قاتله باليد الأخرى، تشخب أوداجه دمًا، حتى يأتي به إلى العرش فيقول المقتول: يا رب: هذا قتلني، فيقول للقاتل: تعست -أي هلكت- ويذهب به إلى النار"؛ رواه الامام أحمد وغيره وصححه الألباني.
وفي رواية: "يجيء المقتول متعلقًا بالقاتل يقول: يا رب سل هذا فيم قتلني؟"؛ صححه الألباني.
أخي الكريم..
إذا سلم الله يدك من قتل النفس التي حرم الله فاحذر أن تكون معينًا لقاتل بتحريض أو تأييد أو إشادة به أو بعمله فينالك مثل إثمه بتعاونك معه على الإثم والعدوان وتشجيعك له.
فنفس المؤمن غالية والتعدي عليها خسران مبين، صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لو أن أهل السماوات والأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار"؛ صححه الألباني في المشكاة.
ولذلك جاء عن ابن عمر أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أمر بقتل سبعة من أهل صنعاء قتلوا رجلا، وقال: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به جميعًا. صححه الألباني في "إرواء الغليل".
ولإن أفلت القاتل من عقوبة الدنيا فإن عذاب الآخرة أشد وأخزى، وعند الله تجتمع الخصوم، ولا يظلم ربك أحدًا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|