حدث في السنة العاشرة من الهجرة (1)
1- في ربيع الأوَّل من هذه السنة: كانت سرية خالد بن الوليد - رضي الله عنه - إلى بني عبد المدان بنجران.
الشرح:
أرسل - عليه الصلاة والسلام- خالد بن الوليد في جمع لبني عبد المدان بنجران من أرض اليمن، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام ثلاث مرات، فإن أبوا قاتلهم، فلما قدم إليهم بعث الركبان في كل وجه يدعون إلى الإسلام، ويقولون: أسْلِموا تسلموا، فأسلموا ودخلوا في دين الله أفواجًا، فأقام خالد بينهم يعلمهم الإسلام والقرآن، وكتب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذلك فأرسل إليه أن يقدم بوفدهم ففعل[1].
وذكر ابن إسحاق هذه السرية وقال: سرية خالد بن الوليد إلى بني الحارث بن كعب بنجران في شهر ربيع الآخر أو جمادى الأولى سنة عشر[2].
2- وفي ربيع الأول من هذه السنة: جاء وفد الحارث بن كعب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
الشرح:
فأقبل خالد إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأقبل معه وفد بني الحارث بن كعب، منهم قيس بن الحصين، ويزيد بن عبد المَدَان، ويزيد بن المحجَّل، وعبد الله بن قُراد الزيادي، وشداد بن عبد الله القَناني، وعمرو بن عبد الله الضِّبابي، وأمَّر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على بني الحارث بن كعب قيسَ بن الحصين، فرجع وفد بني الحارث إلى قومهم في بقية من شوال، أو في صدر ذي القعدة[3].
3- وفي شعبان من هذه السنة: قدم عدي بن حاتم الطائي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأسلم.
الشرح:
عَنْ عَدِيِّ بن حَاتِمٍ قَالَ أَتَيْتُ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ الْقَوْمُ هَذَا عَدِيُّ بن حَاتِمٍ وَجِئْتُ بِغَيْرِ أَمَانٍ وَلَا كِتَابٍ فَلَمَّا دُفِعْتُ إِلَيْهِ أَخَذَ بِيَدِي وَقَدْ كَانَ قَالَ قَبْلَ ذَلِكَ: «إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَ الله يَدَهُ فِي يَدِي» قَالَ: فَقَامَ فَلَقِيَتْهُ امْرَأَةٌ وَصَبِيٌّ مَعَهَا، فَقَالَا: إِنَّ لَنَا إِلَيْكَ حَاجَةً، فَقَامَ مَعَهُمَا حَتَّى قَضَى حَاجَتَهُمَا ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي حَتَّى أَتَى بِي دَارَهُ فَأَلْقَتْ لَهُ الْوَلِيدَةُ وِسَادَةً فَجَلَسَ عَلَيْهَا وَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَحَمِدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «مَا يُضرُّكَ أَنْ تَقُولَ لَا إِلَهَ إِلَّا الله؟ فَهَلْ تَعْلَمُ مِنْ إِلَهٍ سِوَى الله؟» قَالَ: قُلْتُ: لَا، قَالَ: ثُمَّ تَكَلَّمَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّمَا تَفِرُّ أَنْ تَقُولَ الله أَكْبَرُ وَتَعْلَمُ أَنَّ شَيْئًا أَكْبَرُ مِنْ الله؟»، قَالَ: قُلْتُ: لَا، قَالَ: «فَإِنَّ الْيَهُودَ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ وَإِنَّ النَّصَارَى ضُلَّالٌ»، قَالَ: قُلْتُ: فَإِنِّي جِئْتُ مُسْلِمًا، قَالَ: فَرَأَيْتُ وَجْهَهُ تَبَسَّطَ فَرَحًا، قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ بِي فَأُنْزِلْتُ عِنْدَ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ جَعَلْتُ أَغْشَاهُ آتِيهِ طَرَفَيْ النَّهَارِ، قَالَ: فَبَيْنَمَا أَنَا عِنْدَهُ عَشِيَّةً إِذْ جَاءَهُ قَوْمٌ فِي ثِيَابٍ مِنْ الصُّوفِ مِنْ هَذِهِ النِّمَارِ، قَالَ: فَصَلَّى وَقَامَ فَحَثَّ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَالَ: «وَلَوْ صَاعٌ وَلَوْ بنصْفِ صَاعٍ وَلَوْ بِقَبْضَةٍ وَلَوْ بِبَعْضِ قَبْضَةٍ يَقِي أَحَدُكُمْ وَجْهَهُ حَرَّ جَهَنَّمَ أَوْ النَّارِ وَلَوْ بِتَمْرَةٍ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَاقِي الله وَقَائِلٌ لَهُ مَا أَقُولُ لَكُمْ أَلَمْ أَجْعَلْ لَكَ سَمْعًا وَبَصَرًا فَيَقُولُ: بَلَى فَيَقُولُ أَلَمْ أَجْعَلْ لَكَ مَالًا وَوَلَدًا؟ فَيَقُولُ: بَلَى، فَيَقُولُ: أَيْنَ مَا قَدَّمْتَ لِنَفْسِكَ؟ فَيَنْظُرُ قُدَّامَهُ وَبَعْدَهُ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ لَا يَجِدُ شَيْئًا يَقِي بِهِ وَجْهَهُ حَرَّ جَهَنَّمَ لِيَقِ أَحَدُكُمْ وَجْهَهُ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ فَإِنِّي لَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الْفَاقَةَ فَإِنَّ الله نَاصِرُكُمْ وَمُعْطِيكُمْ حَتَّى تَسِيرَ الظَّعِينَةُ فِيمَا بَيْنَ يَثْرِبَ وَالْحِيرَةِ أَوْ أَكْثَرَ مَا تَخَافُ عَلَى مَطِيَّتِهَا السَّرَقَ»، قَالَ: فَجَعَلْتُ أَقُولُ فِي نَفْسِي: فَأَيْنَ لُصُوصُ طَيِّيءٍ؟[4].
وذكره الطبري[5]، ضمن أحداث السنة العاشرة.
4- وفي شعبان من هذه السنة: قدم وفد خولان على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مؤمنين مُصَدِّقين.
الشرح:
قدم وفد خولان في شعبان سنة عشر، وهم عشرة نفر، فسألهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن صنمهم الذي يقال له: عَمُّ أَنَس، فقالوا: أُبدلنا به خيرًا منه، ولو قد رجعنا لهدمناه، وتعلَّموا القرآن والسنة، فلما رجعوا هدموا الصنم، وأحلوا ما أحل الله، وحرموا ما حرم الله[6].
5- وفي رمضان من هذه السنة: قدم وفد غامد على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
الشرح:
قدم وفد غامد على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شهر رمضان، وهم عشرة، فنزلوا ببقيع الغرقد، ثم لبسوا من صالح ثيابهم، ثم انطلقوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فسلَّموا عليه وأقرُّوا بالإسلام، وكتب لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كتابًا فيه شرائع الإسلام، وأتوا أبي بن كعب فعلَّمهم قرآنًا، وأجازهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما يجيز الوفد وانصرفوا[7].
6- وفي رمضان من هذه السنة: اعتكف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشرين يومًا، وعارضه جبريل - عليه السلام - بالقرآن مرَّتين.
الشرح:
عَنْ أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَعْتَكِفُ كُلَّ عَامٍ عَشْرَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْمًا، وَكَانَ يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ عُرِضَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ[8].
7- وفي رمضان من هذه السنة: قدم وفد غسَّان على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
الشرح:
عن عدي بن بكير الغساني عن قومه غسان قالوا: قدمنا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شهر رمضان سنة عشر، المدينة، ونحن ثلاث نفر، فنزلنا دار رملة بنت الحارث، فإذا وفود العرب كلهم مصدقون بمحمد -صلى الله عليه وسلم-، فأتينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأسلمنا وصدقنا، وشهدنا أن ما جاء به الحق، ولا ندري أيتبعنا قومنا أم لا، فأجاز لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بجوائز وانصرفوا راجعين، فقدموا على قومهم فلم يستجيبوا لهم، فكتموا إسلامهم حتى مات منهم رجلان مسلمين وأدرك واحد منهم عمر بن الخطاب عام اليرموك، فلقي أبا عبيدة فخبَّره بإسلامه فكان يكرمه[9].
8- وفي رمضان من هذه السنة: كانت سرية عليِّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - إلى اليمن، فأسلمت على يده هَمْدان كلُّها في يوم واحد.
الشرح:
عن البراء بن عازب قال: بعث رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإسلام، قال البراء: فكنت فيمن خرج مع خالد بن الوليد، فأقمنا ستة أشهر يدعوهم إلى الإسلام، فلم يجيبوه، ثم إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث عليَّ بن أبي طالب، وأمره أن يُقفل خالدًا، إلا رجلاً كان ممن مع خالد فأحبَّ أن يُعَقب مع عليٍّ فَلْيُعَقِب معه، قال البراء: فكنت فيمن عَقَّب مع عليٍّ، فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا فصلَّى بنا عليٌّ، ثم صفنا صفًا واحدًا، ثم تقدم بين أيدينا، وقرأ عليهم كتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأسلمت همدان جميعًا، فكتب عليٌّ إلى رسول الله بإسلامهم، فلما قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الكتاب خَرَّ ساجدًا، ثم رفع رأسه فقال: «السلام على همْدان، السلام على همْدان»[10].
9- وفي رمضان من هذه السنة: قدم جرير بن عبد الله البَجَليُّ - رضي الله عنه - على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسلمًا، فبعثه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى ذي الخلصة فهدمها.
الشرح:
عن جَرِير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: لَمَّا دَنَوْتُ مِنْ الْمَدِينَةِ أَنَخْتُ رَاحِلَتِي، ثُمَّ حَلَلْتُ عَيْبَتِي، ثُمَّ لَبِسْتُ حُلَّتِي، ثُمَّ دَخَلْتُ فَإِذَا رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يَخْطُبُ، فَرَمَانِي النَّاسُ بِالْحَدَقِ[11]، فَقُلْتُ: لِجَلِيسِي. يَا عبد الله ذَكَرَنِي رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قَالَ: نَعَمْ ذَكَرَكَ آنِفًا بِأَحْسَنِ ذِكْرٍ؛ فَبَيْنَمَا هُوَ يَخْطُبُ إِذْ عَرَضَ لَهُ فِي خُطْبَتِهِ، وَقَالَ: «يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ مِنْ هَذَا الْبَابِ - أَوْ مِنْ هَذَا الْفَجِّ- مِنْ خَيْرِ ذِي يَمَنٍ إِلَّا أَنَّ عَلَى وَجْهِهِ مَسْحَةَ مَلَكٍ»[12].
قَالَ جَرِيرٌ: فَحَمِدْتُ الله - عز وجل - عَلَى مَا أَبْلَانِي[13].
قال ابن حجر - رحمه الله -:
جزم الواقديُّ بأنه وَفِدَ على النبي -صلى الله عليه وسلم- في شهر رمضان سنة عشر....
وفيه عندي نظر؛ لأنَّ شريكًا حدَّث عن الشيباني، عن الشعبي، عن جرير؛ قال: قال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ أَخَاكُمْ النَّجَاشِيَّ قَدْ مَاتَ...» الحديث.
أخرجه الطبراني[14]، فهذا يدل على أن إسلام جرير كان قبل سنة عشر؛ لأن النجاشي مات قبل ذلك.اهـ[15].
قَالَ جَرِيرٌ - رضي الله عنه -: قَالَ لِي النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «أَلَا تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ؟» وَكَانَ بَيْتًا فِي خَثْعَمَ يُسَمَّى الْكَعْبَةَ الْيَمانِيَةَ فَانْطَلَقْتُ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةِ فَارِسٍ مِنْ أَحْمَسَ[16]، وَكَانُوا أَصْحَابَ خَيْلٍ وَكُنْتُ لَا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ فَضَرَبَ فِي صَدْرِي حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ أَصَابِعِهِ فِي صَدْرِي، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا»، فَانْطَلَقَ إِلَيْهَا فَكَسَرَهَا وَحَرَّقَهَا ثُمَّ بَعَثَ إِلَى رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ رَسُولُ جَرِيرٍ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا جِئْتُكَ حَتَّى تَرَكْتُهَا كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْرَبُ، قَالَ: فَبَارَكَ فِي خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ[17].
10- وفي رمضان من هذه السنة: كانت سرية عليِّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - إلى اليمن المرَّة الثانية.
الشرح:
قال ابن سعد - رحمه الله -:
يقال مرتين: إحداهما في رمضان سنة عشر من مهاجره -صلى الله عليه وسلم-، وعقد له لواءً وعمَّمه بيده، وقال: «امض ولا تلتفت، فإذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك»، فخرج في ثلاثمائة فارس، وكانت أوَّل خيل دخلت إلى تلك البلاد، وهي بلاد مَذْحج، ثم لقي جمعهم فدعاهم إلى الإسلام فأبوا، ورموا بالنبل والحجارة، فصفَّ أصحابه، ودفع لواءه إلى مسعود بن سنان السَّلِمي، ثم حمل عليهم عليٌّ بأصحابه، فقتل منهم عشرين رجلاً، فتفرَّقوا وانهزموا، فكف عن طلبهم، ثم دعاهم إلى الإسلام فأسرعوا وأجابوا، وتابعه نفر من رؤسائهم على الإسلام، وقالوا: نحن على من وراءنا من قومنا، وهذه صدقاتنا، فخذ منها حقَّ الله، ثم قفل عليٌّ فوافى النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- بمكة، وقد قدمها للحج سنة عشر[18].
الأغصان الندية
شرح الخلاصة البهية في ترتيب أحداث السيرة النبوية
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|