التوكل في زمن الابتلاء
الخطبة الأولى الحمد لله المستحق للحمد والثناء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله أفضل الرسل وخاتم الأنبياء صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه البررة الأتقياء، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فأوصيكم أخوتي ونفسي بتقوى الله... ﴿ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾[1].
أيها الإخوة في الله:
ما زلنا نعيش في زمن الابتلاء، وشبح الخوف من المرض يطارد الكثيرَ منّا، ونحن والحالة هذه بحاجةٍ ماسةٍ إلى ترسيخ معنىً عقديٍ مهم، لا أن نجعله نظريةً من غير تطبيق، ألا وهو تتويج حياتنا كلِّها بالتوكل على الله تعالى.. التوكل الذي هو: صدق الاعتماد على الله في استجلاب المصالح ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة، وكِلَةُ الأمور كلِّها إليه، وتحقيقُ الإيمانِ بأنه لا يعطي ولا يمنع ولا يضر ولا ينفع سواه سبحانه [2]. وذلك يكون مع فعل الأسباب المشروعة.. تحقيقاً لمبدأ الأثر الوارد: "اعقلها وتوكل"[3] فقد بدأ بالسبب، وكما هو دأب الأنبياء عليهم السلام فمع قوة توكلهم على الله تعالى أخذوا بالأسباب فنوح عليه السلام صنع السفينة، ويعقوب عليه السلام أمر أولاده أن لا يدخلوا من باب واحد، ووضع يوسف عليه السلام خطة لإنقاذ مصر من المجاعة، واقتدى الخلفاء بهم فقد أنكر عمر رضي الله عنه على بعض أهل اليمن لما تركوا الزاد وسموا أنفسهم المتوكلين.
أيها الإخوة:
لقد بلغت آيات التوكل والأمر به حوالي ثنتين وخمسين آية [4]وذلك لعظم شأنه. منها قوله تعالى: ﴿ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [5].﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴾ [6].﴿ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ ﴾ [7].
ولقد نص العلماء رحمهم الله على أن للتوكل مواطن، وهو مطلوب في كل شؤون الحياة، ومن ضمن تلك المواطن في القرآن الكريم ما يلي:
إذا طلبتم النصر والفرج فتوكلوا عليه.. ﴿ إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [8].
إذا أعرضت عن أعدائك فليكن رفيقك التـوكل.. ﴿ فَأَعْـرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً ﴾ [9].
إذا أعرض عنك الخلق فتوكل على الله.. ﴿ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾ [10].
ورفقة القران تزيد التوكل ﴿ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾[11].
وحال الصلح والإصلاح والسلم والسلام لا تكون إلا بالتوكل.. ﴿ وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [12].
واستقبل قوافل القضاء والقدر بالتوكل.. ﴿ قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [13]أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿ وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ [14].. أقول قولي هذا وأستغفر الله..
الخطبة الثانية الحمد لله.. أمّا بعد:
فاتقوا الله عباد الله.. يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين..
أيها الأخ المبارك: في أزمنة البلاء أكثر من العبادة وتوكل على الله ﴿ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [15].﴿ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ ﴾ [16].وإياك والركونَ إلى وساوسِ الشيطان ﴿ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [17].وتذكر دائماً قوله سبحانه ..﴿ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾[18] [19]، أي كافيه... و "احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإذا أصابك شيءٌ فلا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل: قدَّر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان " رواه مسلم [20].[21]
عباد الله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|