من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم ومعانيها ومنزلتها
الحمدُ لله الذي وفَّقَنا لحمده، ورغَّبَنا فيما عنده، حمدًا لا يُبلَغُ مَداهُ، ولا تَنفَصِمُ عُراه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ على محمدٍ خاتَمِ النبيين، وزَيْنِ المرسلين، وشفيعِ خلقِ اللهِ يومَ الدِّين، الذي نُدبَ للأمر العظيم فاضطلع، وبُعثَ للخلقِ كافةً فَصَدَع، حتى أقام قناةَ الدِّينِ بعد اعوجاجها، فعليه وعلى آله وصحبه صلواتُ الله ورحمتُه وبركاتُه.
أمَّا بعدُ: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنَّ أحقَّ النعم بالتعظيم، وأولاها بالتبجيل، نعمة ظهر في الدين والدنيا أثرها، وإنَّ من أعظم ما مَنَّ الله جَلَّ ثناؤُه به علينا أن بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم إلينا، وجعلنا من أُمته التي هي خيرُ أُمةٍ أُخرجت للناس، وإن أحقَّ الأشياءِ بالإدامة بعد ذكر الله جلَّ ثناؤُه ذكر نبيِّنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وأولى الأسماء بتعرُّف معانيها أسماءُ الله جلَّ ثناؤه، ثمَّ أسماءُ نبيِّنا صلى الله عليه وسلم، إذ كان لكلِّ اسمٍ من أسمائه صلى الله عليه وسلم معنى، فأول أسمائه صلى الله عليه وسلم وأشهرُها المذكورة في الكتاب والسنة:
محمدٌ: قال اللهُ تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ)، وقال تعالى: ﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ﴾ [الأحزاب: 40]، وهو اسمٌ مأخوذٌ من الحمدِ، ويُقالُ: رجلٌ محمودٌ، فإذا بلغ النهاية في ذلكَ وتكاملت فيه المحاسنُ والمناقبُ فهو محمد، فسُمِّي صلى الله عليه وسلم محمدًا لذلك.
ومن أسمائه صلى الله عليه وسلم: أحمد، قال تعالى في قصة عيسى عليه السلام: ﴿ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ﴾ [الصف: 6]، وهو أيضًا اسمٌ مشتقٌ من الحمدِ، قال ابنُ القيِّم: (وأحمَدُ: هوَ الذي يُحمَدُ أفْضَلَ مما يُحْمَدُ غيرُهُ... فيَستحِقُّ من الحمدِ أكثَرَ مما يَستَحِقُّ غيرُهُ، وأفضَلَ مما يَستحِقُّ غيرُهُ، فيُحْمَدُ أكثرَ حَمْدٍ وأفضَلَ حَمْدٍ حَمِدَهُ البَشَرُ... وهو الذي يَحْمَدُهُ أهلُ السماءِ وأهلُ الأرضِ وأهلُ الدنيا وأهلُ الآخرةُ؛ لكَثْرَةِ خصائِلِهِ الْمَحمُودةِ التي تَفُوقُ عَدَّ العادِّينَ وإحصاءَ الْمُحْصِينَ) انتهى.
ومن أسمائه صلى الله عليه وسلم: الْمُتوكِّل، فعن (عبدِ اللهِ بنِ عمرِو بنِ العاصِ رضيَ اللهُ عنهما: أنَّ هذهِ الآيةَ التي في القُرآنِ: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﴾ [الأحزاب: 45]، قالَ في التوراةِ: يا أيُّها النبيُّ إنا أرسلناكَ شاهدًا ومُبَشِّرًا وحِرْزًا للأُمِّيِّينَ، أنتَ عَبْدِي ورسُولِي، سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ، ليسَ بفَظٍّ ولا غَلِيظٍ، ولا سَخَّابٍ بالأسْوَاقِ، ولا يَدْفَعُ السَّيِّئَةَ بالسَّيِّئَةِ، ولكِنْ يَعْفُو ويَصْفَحُ، ولن يَقْبضَهُ اللهُ حتى يُقِيمَ بهِ الْمِلَّةَ العَوْجَاءَ، بأنْ يَقُولُوا: لا إلهَ إلاَّ اللهُ، فَيَفْتَحَ بها أَعْيُنًا عُمْيًا، وآذَانًا صُمًّا، وقُلُوبًا غُلْفًا) رواه البخاري، قال الإمام ابنُ القيم: (وهُوَ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ أَحَقُّ الناسِ بهذا الاسْمِ؛ لأنهُ تَوَكَّلَ على اللهِ في إقامةِ الدِّينِ تَوَكُّلًا لم يُشْرِكْهُ فيهِ غَيْرُهُ) انتهى.
ومن أسمائه صلى الله عليه وسلم: الماحي والحاشرُ والعاقبُ، فعن جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ أن النبيَّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ قالَ: (أنا محمدٌ، وأنا أحْمَدُ، وأنا الْمَاحِي الذي يُمْحَى بيَ الكُفْرُ، وأنا الحَاشِرُ الذي يُحْشَرُ الناسُ على عَقِبِي، وأنا العَاقِبُ، والعاقِبُ الذي ليسَ بَعْدَهُ نَبيٌّ) رواه البخاري ومسلم، قال ابنُ القيم: (فالْمَاحِي: هو الذي مَحَا اللهُ بهِ الكُفْرَ، ولم يَمْحُ الكُفْرَ بأَحَدٍ مِنَ الخلْقِ ما مُحِيَ بالنبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ، فإنهُ بُعِثَ وأهلُ الأرضِ كُلُّهُمْ كُفَّارٌ إلاَّ بَقَايَا مِن أهلِ الكتابِ.. فَمَحَا اللهُ سُبحانهُ برسولهِ ذلكَ حتى ظَهَرَ دِينُ اللهِ على كُلِّ دِينٍ، وبَلَغَ دِينُهُ ما بَلَغَ اللَّيْلُ والنهَارُ) انتهى، وأما الحاشرُ: فقال ابنُ فارس: (معناه أنه يقدمهم وهُم خلفه، لأنه أولُ مَن يَنشَقُّ عنه القبر، ثم تَجيءُ بنو آدم فيتبعونه) انتهى.
ومن أسمائه صلى الله عليه وسلم: الْمُقَفِّي، قال صلى الله عليه وسلم: (فواللهِ إني لأَنا الحَاشِرُ، وأنا العَاقِبُ، وأنا الْمُقَفِّي) رواه ابنُ حبَّان وصحَّحه الألبانيُّ، قال ابنُ القيم: (هُو الذي قَفَّى على آثارِ مَنْ تَقَدَّمَهُ، فَقَفَّى اللهُ بهِ على آثارِ مَنْ سَبَقَهُ مِنَ الرُّسُلِ) انتهى.
ومن أسمائه صلى الله عليه وسلم: نبي التوبة ونبي الرحمة ونبي الملحمة: (عن أبي مُوسى الأشعريِّ قالَ: كانَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ يُسَمِّي لَنَا نَفْسَهُ أَسْمَاءً، فقالَ: «أنا محمدٌ، وأحْمَدُ، والْمُقَفِّي، والحاشِرُ، ونبيُّ التوبَةِ، ونبيُّ الرَّحْمَةِ») رواه مسلم، وفي روايةٍ لابنِ عوانةَ: (ونبي الملحمة)، قال ابنُ القيِّم: (فهوَ الذي فَتَحَ اللهُ بهِ بابَ التوبةِ على أهلِ الأرضِ فَتَابَ اللهُ عليهِم تَوْبَةً لمْ يَحْصُلْ مِثْلُها لأهلِ الأرضِ قَبْلَهُ، وكانَ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ أكْثَرَ الناسِ استغفارًا وتَوْبَةً.. وكذلكَ تَوْبَةُ أُمَّتِهِ أكْمَلُ مِنْ توبةِ سائرِ الأُمَمِ وأَسْرَعُ... وأمَّا نَبيُّ الْمَلْحَمَةِ، فهوَ الذي بُعِثَ بجِهَادِ أعداءِ اللهِ، فلَمْ يُجَاهِدْ نَبيٌّ وأُمَّتُهُ قَطُّ ما جاهَدَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ وأُمَّتُهُ، والْمَلاحِمُ الكِبَارُ التي وقَعَتْ وتَقَعُ بينَ أُمَّتِهِ وبينَ الكُفَّارِ لمْ يُعْهَدْ مِثْلُها قبْلَهُ، فإنَّ أُمَّتَهُ يَقْتُلُونَ الكُفَّارَ في أقْطَارِ الأرضِ على تَعَاقُبِ الأعصارِ، وقد أَوْقَعُوا بهِمْ مِنَ الْمَلاحِمِ ما لم تَفْعَلْهُ أُمَّةٌ سِوَاهُمْ، وأمَّا نبيُّ الرَّحْمَةِ، فهوَ الذي أرسَلَهُ اللهُ رحمةً للعالَمِينَ، فَرُحِمَ بهِ أهلُ الأرضِ كُلُّهُمْ مُؤْمِنُهُمْ وكافِرُهُم، أمَّا المؤمنُونَ فَنَالُوا النصيبَ الأوْفَرَ من الرَّحْمَةِ، وأما الكُفَّارُ فأهلُ الكتابِ منهُم عاشُوا في ظِلِّهِ وتحتَ حَبْلِهِ وعَهْدِهِ، وأما مَنْ قَتَلَهُ مِنهُم هُوَ وأُمَّتُهُ فإنهُم عَجَّلُوا بهِ إلى النارِ، وأَرَاحُوهُ مِنَ الحَيَاةِ الطويلَةِ التي لا يَزدادُ بها إلاَّ شِدَّةَ العَذَابِ في الآخرةِ) انتهى.
الخطبة الثانية إنَّ الحمدَ للهِ، نَحمَدُه ونستعينُه، مَن يَهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأنَّ محمدًا صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عبدُهُ ورسولُهُ.
أمَّا بعدُ: (فإنَّ خَيْرَ الحديثِ كِتابُ اللهِ، وخيرُ الْهُدَى هُدَى مُحمَّدٍ، وشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثاتُها، وكُلُّ بدعَةٍ ضَلالَةٌ)، و(لا إيمانَ لِمَن لا أَمانةَ لَهُ، ولا دِينَ لِمَنْ لا عَهْدَ لَهُ).
أما بعد: مِن أسمائه صلى الله عليه وسلم: الأمين، قال صلى الله عليه وسلم: (أَنا أَمِينُ مَنْ في السَّمَاءِ) متفقٌ عليه، قال ابنُ فارس: (وكانت العَرَبُ تُسمِّيه قبلَ أنْ يُبعث الأمين، لِما عاينُوا مِن أمانتهِ وحفظه لها) انتهى، قال ابنُ القيِّم: (وأمَّا الأمينُ: فهوَ أَحَقُّ العالَمِينَ بهذا الاسْمِ، فهوَ أمينُ اللهِ على وحْيهِ ودِينِهِ، وهوَ أمينُ مَنْ في السماءِ، وأمينُ مَنْ في الأرضِ، ولهذا كانُوا يُسَمُّونَهُ قبْلَ النُّبُوَّةِ: الأمينَ.
وأمَّا الضَّحُوكُ القَتَّالُ: فاسْمَانِ مُزْدَوِجانِ لا يُفْرَدُ أحَدُهُمَا عنِ الآخَرِ، فإنهُ ضَحُوكٌ في وُجُوهِ المؤمنينَ غيرُ عابسٍ ولا مُقَطِّبٍ ولا غَضُوبٍ ولا فَظٍّ، قَتَّالٌ لأعداءِ اللهِ لا تَأْخُذُهُ فيهِمْ لَوْمَةُ لائِمٍ.
وأَمَّا البَشِيرُ: فهوَ الْمُبَشِّرُ لِمَن أطاعهُ بالثوابِ، والنذيرُ الْمُنْذِرُ لِمَنْ عَصَاهُ بالعِقَابِ، وقدْ سَمَّاهُ اللهُ عبْدَهُ في مَوَاضِعَ مِنْ كِتابهِ، مِنْهَا قوْلُهُ: ﴿ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ ﴾ [الجن: 19].. وثبَتَ عنهُ في الصحيحِ أنهُ قالَ: «أَنا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يومَ القيامةِ ولا فَخْرَ»، وسَمَّاهُ اللهُ سِرَاجًا مُنِيرًا، وسَمَّى الشمسَ سِرَاجًا وهَّاجًا، والْمُنِيرُ: هوَ الذي يُنِيرُ مِنْ غيرِ إحراقٍ، بِخِلافِ الوَهَّاجِ فإنَّ فيهِ نَوْعُ إحراقٍ وتَوَهُّجٍ) انتهى.
اللهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ ورسُولِكَ، كَمَا صَلَّيْتَ على إبراهيمَ، وبارِكْ على محمَّدٍ وعلى آلِ محمَّدٍ، كَمَا باركْتَ على إبراهيمَ وآلِ إبراهيمَ.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|