الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم في الزكاة
من المعلوم أن الإسلام يقوم على أركان خمسة معلومة من الدين بالضرورة، ولكل ركن من هذه الأركان أهميته، وتتعلق هذه الأهمية بوضع الشارع الحكيم لها، وتعد الزكاة الركنَ الثالث منها، وتتميز عن غيرها بكونها عبادة مالية وركنًا ركينًا من الاقتصاد الإسلامي، فضلًا عن أن الله تعالى كرر ذكرَها في القرآن الكريم اثنتين وثلاثين مرة، وقرنها بالصلاة في نحو سبع وعشرين آية[1]، وهي واجبة بكتاب الله تعالى، قال الله تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ﴾ [البقرة: 43].
وقد أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بجمع الزكاة، فقال تعالى: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 103].
فالأمر "موجَّه للنبي صلى الله عليه وسلم، ومن قام مقامه أن يأخذ من أموال المسلمين صدقة، وهي الزكاة" [2].
اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم يتخلق المسلم بأخلاق الكرَمِ والجودِ والإنفاق في سبيل الله تعالى؛ لأن في ذلك سعادة المجتمع وتكاتف أفراده وقوة بنيانه، وتربية للنفس تربية حسنة وتمحيصها من الشح والبخل.
قال الكاساني[3] - رحمه الله تعالى-: « إن الزكاة تطهر نفس المؤدي من أنجاس الذنوب، وتزكي أخلاقه بتخلق الجود والكرم، وترك الشح والضن[4]؛ إذ النفس مجبولة على الضنِّ بالمال، فتتعود السماحة، وترتاض لأداء الأمانات، وإيصال الحقوق إلى مستحقيها »[5].
والزكاة واجبة أيضًا بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لَمَّا بعث معاذًا رضي الله عنه إلى اليمن قال: «إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللهِ عز وجل، فَإِذَا عَرَفُوا اللهَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ، فَإِذَا فَعَلُوا، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِذَا أَطَاعُوا بِهَا، فَخُذْ مِنْهُمْ وَتَوَقَّ كَرَائِمَ[6] أَمْوَالِهِمْ »[7].
فقوله صلى الله عليه وسلم: « وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ »؛ أي: "تجنَّبها، لا تأخذها في الصدقة؛ لأنها تكرم على أصحابها وتعز، فخذ الوسط لا العالي ولا النازل"[8].
فالحديث الشريف صريح الدلالة على أن الله عز وجل أوجب حقًّا معلومًا للفقراء في أموال الأغنياء، وهذا الحق المعلوم قد حددت الشريعة مقاديره وأنصبته المختلفة، ولم يترك تحديده لضمائر الناس، وهذا الحق على الحاكم أن يجمعه ويصرفه في مصارفه الشرعية، وألا يُقصِّر في المطالبة به.
وهدي النبي صلى الله عليه وسلم في الصدقة والزكاة « أكمل هدي، في وقتها وقدرها ونصابها، ومَن تجب عليه ومصرفها، وقد راعى فيها مصلحة أرباب الأموال ومصلحة المساكين، وجعلها الله سبحانه وتعالى طهرة للمال ولصاحبه، وقيد النعمة بها على الأغنياء، فما زالت النعمة بالمال على من أدى زكاته، بل يحفظه عليه وينميه له، ويدفع عنه بها الآفات، ويجعلها سورًا عليه وحصنًا له وحارسًا له" [9].
والمتأمل في هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الزكاة، يتَّضح له أنه أعدل نظام عرفته الدنيا، فهو في صالح الأغنياء، فيخرجون من أموالهم حق معلوم، يؤجرون على إنفاقه، ويبارك الله تعالى لهم في أموالهم، ويجازون من جنس عملهم، فيعطيهم الله تعالى من رزقه، ويحفظ الله عليهم أموالهم من الهلاك بسبب إخراج الزكاة والصدقات، وكذلك مصلحة الفقراء يحتاجون ويصبرون فيؤجرون، تضيق بهم الحياة وتلاحقهم الديون، فيتضرعون إلى ربهم سبحانه فينعم عليهم بعد العسر يسرًا، ويُجزل لهم الثواب.
فينبغي على كل مسلم أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم، فكان أعظم الناس صدقة، لا يستكثر مالًا، ولا يستقله، وكان من هديه إذا جاءه الرجل بالزكاة دعا له، فعن عبدالله بن أبي أوفى رضي الله عنهما قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَةٍ قَالَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِمْ فَأَتَاهُ أَبِي بِصَدَقَتِه، فَقَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى»[10].
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرد سائل حاجة، وكان يعطي عطاءَ مَن لا يخشى الفاقة[11]، وكان أجود الناس بالخير، وكان يؤثر السائل على نفسه، وينوع في عطائه، وقد بلغ صلى الله عليه وسلم في خلق الجود والكرم منزلًا لم يبلغه غيره من البشر، وانتهى فيه إلى ذِروة الكمال الإنساني.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|