الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم في الصيام
فالصوم عبادة جليلة جعلها الله سبحانه وتعالى سببًا لتقوى الله سبحانه وتعالى، وبالتقوى ينال المؤمن السعادة في الدنيا والآخرة، والصيام ركن عظيم أركان الدين الإسلامي الحنيف التي لا يقوم ولا يتم إلا بها؛ يقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].
فالله تعالى شرع الصيام لتقواه سبحانه: "لعلكم تتقون بالمحافظة عليها وتعظيمها لأصالتها وقدمها، أو لعلكم تتقون المعاصي" [1].
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم "في شهر رمضان الإكثار من أنواع العبادات، فكان جبريل يدارسه القرآن في رمضان، وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة" [2].
فمما ينبغي على كل مسلم على قدر استطاعته أن يتأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم في أنه كان يخص الأوقات الفاضلة بمزيد فعل البر فيها وكثرة الخيرات، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَلْقَاهُ، فِي كُلِّ سَنَةٍ، فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ، فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْقُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ» [3].
ودل الحديث "على استحباب دراسة القرآن في رمضان والاجتماع على ذلك، وعرض القرآن على من هو أحفظ له، وفيه دليل على استحباب الإكثار من تلاوة القرآن في شهر رمضان" [4].
وقال الإمام الشافعي[5] رحمه الله تعالى: "فأحب للرجل الزيادة بالجود في شهر رمضان اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم، ولتشاغل كثير منهم بالصوم والصلاة عن مكاسبهم"[6].
فيجب على كل مسلم أن يعلم أن لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم علامات تظهر في الاقتداء به، واتباع سنته، والتأدب بآدابه، فقد صام النبي صلى الله عليه وسلم، فكان قدوة حسنة في الجد والاجتهاد في رمضان يسارع في الخير والطاعة، فخص صيامه بمزيد من الذكر والمناجاة والدعاء، وعرف صلى الله عليه وسلم بجوده وكرمه، إلا أن الجود والسخاء والكرم يتضاعف في الأزمنة الفاضلة، ففي رمضان كان أجود بالخير من الريح المرسلة، ومن سنته صلى الله عليه وسلم تلقي القرآن الكريم مشافهة، فينبغي على كل قارئ للقرآن عليه أن يأخذ القرآن من شيخ متقن للقرآن الكريم مشهود له بذلك.
وأما عن صيام النبي صلى الله عليه وسلم في غير رمضان، فكان يكثر من صيام التطوع، فعن أنس رضي الله عنه قال: عَنْ صِيَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «مَا كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَرَاهُ مِنَ الشَّهْرِ صَائِمًا إِلاَّ رَأَيْتُهُ، وَلاَ مُفْطِرًا إِلاَّ رَأَيْتُهُ...» [7].
قال ابن حجر[8] رحمه الله تعالى: "حال النبي صلى الله عليه وسلم في التطوع بالصيام والقيام كان يختلف، فكان تارة يقوم من أول الليل، وتارة في وسطه، وتارة من آخره، كما كان يصوم تارة من أول الشهر، وتارة من وسطه، وتارة من آخره، فكان من أراد أن يراه وقت من أوقات الليل قائمًا، أو في وقت من أوقات الشهر صائمًا، فراقبه المرة بعد المرة فلا بد أن يصادفه قام أو صام على وَفق ما أراد أن يراه" [9].
فمما يستفاد من الحديث الشريف: "تأسي الناس بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه: البحث والاجتهاد في حياته صلى الله عليه وسلم، والتحيل على الاطلاع على الحكم بغير سؤال" [10].
فحري بالمؤمن أن يتأسى بالرسول صلى الله عليه وسلم في مسارعته واجتهاده في الطاعة، والعبادة، فلم يكن صلى الله عليه وسلم يصوم رمضان فقط، بل كان يكثر من صيام النافلة ويداوم عليها، فما يود أحدٌ أن يراه صائمًا إلا رآه، ولا مفطرًا إلا رآه، وعُلم ذلك عنه صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|